«دائرة الاستدامة في تدوير النفايات اقتصادياً»

  • — الأحد نوفمبر 06, 2022

أدى تزايد عدد السكان وزيادة الاستهلاك إلى زيادة متسقة في الطلب على السلع، وأدى هذا بدوره إلى زيادة كمية النفايات في جميع أنحاء العالم، وفي ظل الاستهلاك الخطي linear consumption ، فقد أصبح هذا النموذج غير القابل للاستدامة مع الاستخدام المكثف للموارد بخلاف العواقب من ذلك والتي تتمثل في: التلوث ، واستنفاد الموارد ، وزيادة تقلبات الأسعار ، وزيادة أسعار السلع الأساسية عالمياً.

ولذلك أصبح هناك حاجة إلى نموذج جديد مستدام اقتصاديا واجتماعيا وبيئيا، يمكن من خلاله للأشياء التي تعتبر اليوم نفايات أن تدخل الدورة الاقتصادية مرة أخرى كمورد، مما يسبب وفورات في التكلفة المادية -كفاءة الإنفاق- وتعزيز الاقتصاد المحلي، وقد أظهرت تجارب بعض البلدان والشركات الخاصة أن هذا النموذج الدائري ممكن ويجلب منافع حقيقية للبيئة والاقتصاد.

لماذا الاقتصاد الدائري؟

مع تزايد كميات النفايات في جميع أنحاء العالم، تتزايد الحاجة إلى تقليل الآثار الصحية والبيئية الناجمة عن النفايات، فقد استحوذت أنماط ندرة الموارد والاستهلاك الخطي على اهتمام قادة الأعمال وصانعي السياسات والأشخاص المهتمين الذين أصبحوا مدركين أهمية تغيير هذا الاتجاه واستخدام نموذج اقتصادي جديد.

ويُعرف باسم “الاقتصاد الدائري circular economy”، وهو عكس “الاقتصاد الخطي linear economy” السائد، ولا يوجد اقتصاد دائري مائة بالمائة؛ ولا “صفر نفايات” إلا أن ذلك لا يعني أن الاقتصاد يجب أن يستمر خطيًّا؛ فالاقتصاد الدائري هو اداة للتجديد والاصلاح للوضع الحالي، ويركز على تقليل النفايات إلى الحد الأدنى، ويهدف إلى الحفاظ على المنتجات والمكونات والمواد بأقصى فائدة وقيمة ممكنة، وفي جميع الأحوال يمكن للأشياء التي تعتبر اليوم نفايات أن تدخل الدورة الاقتصادية مرة أخرى كموارد.

التجربة الأسترالية

استضافت رابطة إدارة النفايات في أستراليا، مؤتمر “Enviro’18” الذي جمع مزيج متنوع من القادة المحليين والدوليين من رجال الأعمال والمسؤولين الحكوميين والأوساط الأكاديمية وناقشوا لماذا يتعين على الاقتصاد الأسترالي تبني النهج الدائري في التدوير، وكيف يمكن أن يسهم في تعزيز المكاسب التجارية والبيئية.

يبلغ حجم النفايات التي تولد في أستراليا ما يقارب 50 مليون طن من النفايات سنوياً، ويجري تدوير ما يقارب 50 ٪ من هذه النفايات ، والباقي يتم طمره، ولذلك كان على المسؤولين الأستراليين التفكير في إعادة تشكيل اقتصادها بأسلوب “دائري” ومواجهة العوائق والتحديات التي تختلف طبيعتها بين الولايات الأسترالية، وأيضاً من شركة إلى أخرى.

فما هي هذه العوائق والتحديات الرئيسية التي واجهة التجربة الأسترالية وكيف تغلبوا عليها؟

أولاً: العوائق : هناك ثلاثة عوائق رئيسية تتسبب في تباطؤ إمكانات الاقتصاد الدائري وهي:

1) التشتت الجغرافي geographic dispersion ،

2) تعقيد المواد وانتشارها material complexity and proliferation ،

3) والطريقة الخطية المغلقة linear lock-in.

ثانياً: التحديات :

التحدي الأول: مخلفات الطعام Food waste

مخلفات الطعام تكلف الاقتصاد الأسترالي 20 مليار دولار سنوياً، حيث تبلغ 4 ملايين طن من مخلفات الطعام ينتهي بها المطاف في مكبات النفايات سنوياً. وإحدى المبادرات الرئيسية التي نفذت لمكافحة هذه المشكلة هي الاستراتيجية الوطنية لمخلفات الغذاء، حيث وضعت إطاراً يدعم العمل على خفض نفايات الطعام إلى النصف بحلول عام 2030.

التحدي الثاني: نفايات التغليف Packaging waste

تمثل مكونات تغليف واغلاق المنتج وحلقاته حاجزًا معقدًا يرجع في المقام الأول إلى العولمة والتحول إلى الخارج في الإنتاج والتصنيع في البلدان النامية، هناك مستويات عالية من التباين المادي والتعقيد تجعل المواد الأولية (الفردية) يصعب تصنيفها وجمعها، وخاصة البلاستيك، وكما ذكر Marcus Gover الرئيس التنفيذي لشركة WRAP UK ، التي لعبت دورًا رئيسيًا في ميثاق البلاستيك في المملكة المتحدة : “الاقتصاد الحالي يجب أن يخضع للثلاثيات الجديدة: وإعادة التفكير re-think، إعادة الاختراع re-invent، وإعادة التصميم re-design”.

ويستهلك الأستراليون أكثر من 3.4 مليون طن من العبوات كل عام (حوالي 165 كيلو جرام لكل شخص) ؛ 48 ٪ فقط من تلك العبوة يجري تدويرها، و بحلول عام 2025 أو حتى قبل ذلك، سيتم إعادة استخدام جميع العبوات الأسترالية في أستراليا أو إعادة تدويرها في أغراض أخرى”.

التحدي الثالث: إعادة التدوير Recyclables

كانت أستراليا تصدر حوالي 30٪ من النفايات القابلة للتدوير إلى الصين، لكن الصين حظرت مؤخراً استيراد النفايات الأجنبية، وهناك حاليا أكثر من 30 مشروع لتحويل النفايات إلى طاقة أطلقتها وكالة الطاقة المتجددة الأسترالية وشركة تمويل الطاقة النظيفة، وأعلنت العديد من حكومات الولايات الأسترالية عن تخصيص مبالغ لتطوير أسواق للنفايات القابلة للتدوير، وتعزيز البحث والتطوير لإعادة التدوير.

التحدي الرابع: الموضة السريعة Fast Fashion

ظهور الموضة السريعة في أستراليا أن الأستراليين يشترون 27 كيلو جراما من الملابس سنويًا في المتوسط ، ويطمر أغلبها 23 كيلو جراما ، كما يتم ارتداء ثلث الملابس التي تباع في أستراليا مرة واحدة قبل التخلص منها، وثلث الملابس المنتجة في أستراليا لا يتم بيعها.

ولذلك تحولت الشركات تدريجيا إلى استخدام أقمشة أكثر استدامة وتزيد من الشفافية في سلسلة التوريد الخاصة بها، ولكن لا يزال هناك الكثير الذي يتعين القيام به لمكافحة المشكلات الناجمة عن الموضة السريعة في أستراليا.

كيف يمكن لأستراليا أن تتحرك نحو اقتصاد دائري؟

الاستنتاجات التي توصلوا إليه في المؤتمر هو أن التعاون [التكامل] أمر أساسي، وتحتاج أستراليا إلى نهج شامل لزيادة التعاون العملي -ليس تنسيق وتفاهمات واجتماعات فقط- بين الحكومات والشركات التجارية والسلطات المحلية والمنظمات غير الحكومية والمواطنين لتمكين التحول إلى بناء اقتصاد دائري . وفيما يلي بعض المسارات اللازمة لذلك:

  1. تخطيط أفضل لتدفق الموارد، بحيث يتحول تركيز المبادرات إلى دورة حياة المنتج بالكامل، بما في ذلك تصنيع المنتجات ونقلها واستهلاكها، وليس فقط مرحلة نهاية العمر.
  2. تطوير استراتيجية واضحة وطويلة الأجل تحتفظ بالمواد داخل البلد.
  3. يجب أن يكون هناك ميثاق لدى جميع القطاعات والجهات المعنية ( الصحة، الصناعة، التجارة، الطاقة، البلديات، الزراعة وغيرهم) بالتزام مشترك بالمساهمة في الاقتصاد الدائري.
  4. القيام باستثمارات جديدة في البحث والتطوير والتقنيات الناشئة والتكنولوجيا المتطورة لمعالجة النفايات كمحطات تحويل النفايات إلى طاقة وأجهزة المعالجة وغيرها.
  5. يجب على الحكومات المحلية -الإدارة المحلية- قيادة هذا التحول من الاقتصاد الخطي الى الدائري.
  6. التدريب والتعليم الموجه يجب أن يسهم في دعم الأشخاص ذوي المهارات والمعرفة والتوجهات اللازمة لبناء اقتصاد دائري.

ولا يمكن الوصول إلى نموذج الاقتصاد الدائري من خلال عنصر تمكين واحد ، ولا يوجد عائق واحد أكثر أهمية، بل هو مزيج من هذه العوامل التي إما أن تعيق أو أن تساعد في تنفيذ مبادئ الاقتصاد الدائري.

لقد بدأ الاتحاد الأوروبي في دمج مبادئ الاقتصاد الدائري في السياسات واللوائح الحالية من خلال اعتماد نهج دائري بالكامل، وكما جاء في التصريحات التي أدلت بها “كارولين لامبرت”، المستشار الأول لسياسات المناخ والبيئة في الاتحاد الأوروبي حيث قالت :”يمكن لأوروبا أن توفر 600 مليار دولار في الصناعة ويمكنها إيجاد 170.000 وظيفة مباشرة في قطاع النفايات، و 3 ملايين وظيفة في جميع قطاعات الاقتصاد”.

واخيرا..  التطبيق الكامل للاقتصاد الدائري يتطلب وجود إطار تنظيمي موحد مبني على نظام أعمال تكاملي “ecosystem partnership” يعزز الحلول الدائرية ويقلل المخاطر المالية والبيئية والاجتماعية، ويجعل المجتمعات أقرب إلى تنفيذ الاقتصاد الدائري، ويوفر أيضاً التوجيه والدعم الاستراتيجي اللازم للصناعات والأفراد وجميع المكونات في المجتمع، بعيدا عن الاساليب التقليدية البيروقراطية في العمل.