التعاون هو الميزة التنافسية الجديدة

  • — الأربعاء أغسطس 01, 2018

لقد أصبح التعاون الميزة التنافسية الجديدة، ونحتاج إلى استراتيجية للنظام البيئي

خلال عقدي الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، كان الطريق 128  Route  خارج مدينة بوسطن Boston مركزاً للتقنية ، ولكن بحلول عقد التسعينات، أصبح وادي السيليكون Silicon Valley  مركزاً جديداً للتقنية مكانه، ولم يتراجع أبداً منذ ذلك الحين. وكما أوضحت أنالي ساكسينيان AnnaLee Saxenian في كتابها الميزة الإقليمية Regional Advantage ، كان الاختلاف الرئيسي يتمثل في أنه بينما كان الطريق 128 عبارة عن مجموعة من سلسلة القيمة  value chains ، قام وادي السليكون ببناء نظام بيئي للأعمال.

من الواضح أن الأنظمة البيئية اليوم أكثر أهمية مما كانت عليه في السابق. ففي دراسة استطلاعية حديثة أجرتها مؤسسة Accenture Strategy  توصلت إلى أن النظم البيئية هي “حجر الزاوية” بالنسبة للنمو المستقبلي وأن 60٪ من الرؤساء التنفيذيين للشركات الذين شملهم الاستطلاع اعتبروا الأنظمة البيئية وسيلة لعرقلة أعمالهم، بينما رأى فيها عدد مماثل عنصراً هاماً لزيادة الإيرادات.

المشكلة هي أن التنافس بنجاح في بيئة النظام البيئي يختلف اختلافاً كبيراً عن استراتيجية سلسلة القيمة التقليدية، ففي حين أن سلسلة القيمة تكون مدفوعة بالكفاءات ، فإن النظام البيئي يكون مدفوعا بالارتباطات في الشبكة. لذلك نحن بحاجة إلى القيام بأكثر من مجرد التكييف لاستراتيجيتنا وخططنا المرحلية، نحن بحاجة إلى تعلم كيفية التعاطي مع لعبة جديدة كلياً، والخطوة الأولى في هذا المسعى هي التعرف على قواعد هذه اللعبة.

أولا ، ابدأ مبكراً

أحد الجوانب الرئيسية للنظم البيئية هو أنها لا تبدو في البداية بهذه الأهمية ، ففي الوقت الذي يتضح فيه أن التغيير يجري على قدم وساق، فغالباً ما يكون قد فات الأوان على إمكانية التكييف. إن زوال شركات التقنية في بوسطن هو مثال جيد لكيفية حدوث ذلك، حيث أن بعض الشركات المهيمنة مثل DEC و Data General و Wang Laboratories سرعان ما وجدت نفسها غير ذات صلة بالمجال، ولم تتعافى بعد ذلك أبداً.

علماء الشبكات يطلقون على هذه الحالة: الانتقال الطوري الفوري instantaneous phase transition  ويحدث ذلك لأن الاتصالات تميل إلى التكون بوتيرة بطيئة، وهي تبدأ كمجموعات معزولة لا تبدو كبير، حتى لو تم التعامل معها بشكل مجمل. ومع ذلك ، عندما تترابط تلك المجموعات، ينشأ تعاقب وما كان يبدو غير منطقي في يوم من الأيام، يصبح فجأة هو الغالب.

ولهذا السبب من المهم للغاية أن تنشط هذه المجموعات في النظام البيئي قبل أن تتواصل وترتبط فيما بينها، وعندما تتحرك الأمور ببطء نسبيًا ، يريد الجميع التحدث إليك، وثمن القبول لا يزال رخيصا إلى حد ما، وبمجرد أن يبدأ النظام البيئي في الازدهار، فإن الأمور تتحرك بسرعة أكبر وتزيد تكاليف الدخول زيادة هائلة.

لنتأمل مثلاً صناعة السيارات، وهي التي تنفق الآن المليارات لإنشاء مراكز أبحاث في وادي السليكون، فقط عليك أن تتأمل كم هي رخيصة الثمن – وأكثر فاعلية – بل كان من الأجدر بالنسبة لهذه الشركات لو أنها بدأت قبل 20 أو 30 سنة.

ليس التوسع فقط، بل الاستيعاب أيضاً

تتمثل الاستراتيجية النموذجية للمؤسسة التي تتطلع إلى تعزيز النظام البيئي لديها في إنشاء قسم للتركيز على الأنشطة ذات الصلة بعمل المؤسسة، هذه التوسعات تميل إلى أن يكون لديها الكثير من القواسم المشتركة مع شركات النظام البيئي أكثر من علاقتها مع الشركة الأم وبالتالي فهي أكثر قدرة على الاتصال. ومع ذلك ، ونظرًا لأن الارتباطات بالشركة الأم تصبح أكثر ضعفاً بمرور الوقت ، فإن الفوائد المرجوة منها ستكون محدودة.

ومن الاستراتيجيات التي قد تكون أكثر نجاحا، هي استيعاب شركات النظام البيئي، فعلى سبيل المثال ، أنشأت المختبرات الوطنية برامج مثل Cyclotron Road و Chain Reaction و Innovation Crossroads التي تدعو شركات تنظيم المشاريع إلى العمل في المختبرات والاستفادة من المرافق العلمية ومن كبار العلماء.

وفي القطاع الخاص، يمكن أن تكون عمليات رأس المال الاستثماري للشركات، وكذلك الحاضنات والمسرعات، طريقة رائعة للتواصل مع الشركات الصغيرة في وقت مبكر من دورة حياة النظام البيئي. وبعيدًا عن الاستثمارات الفعلية ، تمنحك هذه البرامج الفرصة للتواصل مع مئات الشركات الصغيرة ، بعضها يمكن أن يصبح شركاء وموردين وعملاء مهمين في وقت لاحق.

بيد أن الأكثر أهمية من ذلك هو أنه لا يُنظر إليك على أنك متطفل، بل تتم معاملتك على أنك مصدر حقيقي للقيمة، سواء كانت تلك القيمة في استثمار نقدي فعلي، أو في الوصول إلى المرافق والخبرات، أو الاتصال بنقاط الوصول إلى الأسواق. وما تعتقد أنه غير مهم لشركتك قد يكون ذو قيمة لا تُصدق بالنسبة لشركة صغيرة أو لشركات تنظيم المشاريع.

الحفاظ على العُقد المفتوحة Open Nodes

من بين النتائج الأكثر إثارة للاهتمام في الدراسات التي أجرتها ساكسينيان Saxenian في كتابها الميزة الإقليمية Regional Advantage  هي مدى تعامل شركات التقنية في بوسطن مع الغرباء مقارنة بشركات وادي السليكون، حيث دمجت شركات بوسطن بشكل عمودي وسعت للحفاظ على كل شيء داخل الشركة، ومن ناحية أخرى ، ازدهرت شركات وادي السليكون من خلال الاتصال.

ففي وادي السيليكون  Silicon Valleyعلى سبيل المثال، لو تركت عملك مع صاحب العمل وقمت بإنشاء شركة خاصة بك ، فأنت لا تزال تعتبر جزءا من العائلة. وأصبح العديد من رواد الأعمال الجدد موردين أو عملاء لأصحاب عملهم السابقين وما زالوا مرتبطين اجتماعياً بنشاط مع زملائهم السابقين، أما في بوسطن ، إذا تركت الشركة التي كنت تعمل بها ، فسيعاملونك كما لو كنت منبوذاً.

عندما بدأت التقنية تشهد تحولاً خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، لم يكن لدى شركات بوسطن أي صلة، إن وجدت ، بالأنظمة البيئية الجديدة التي كانت تتطور في ذلك الوقت، بينما في وادي السليكون، كانت العلاقات مع الموظفين السابقين بمثابة شبكة للهوائيات، مما يوفر معلومات مبكرة للسوق تساعد تلك الشركات على التكيف.

وبالتالي، في حين أنه من الضروري الوصول إلى النظم البيئية المتطورة ، فإنه من الأهمية بمكان أيضاً التأكد من وجود مسارات لشركات المقاولات الصغيرة للمشاركة في مشروعك. وتزدهر النظم البيئية على الاتصالات الشخصية، قد لا يظهر هؤلاء في خطة استراتيجية أو ميزانية عمومية ، لكنهم لا يقلون أهمية عن الأصول الأخرى.

الميزة التنافسية الجديدة

منذ أن نشر مايكل بورتر Michael Porter ، الأستاذ بجامعة هارفارد، كتابه المنهجي ، “الاستراتيجية التنافسية Competitive Strategy” في عام 1980 ، سعى الاستراتيجيون للاستفادة من كفاءات القيادة من أجل زيادة القدرة على المساومة أمام العملاء والموردين والسلع البديلة والوافدين الجدد إلى السوق، وبذلك يمكنهم تحقيق هوامش أعلى من الأرباح وكذلك الاستثمار في زيادة الكفاءة ، وخلق حلقة مثمرة.

ومع ذلك ، تتحرك الأشياء بسرعة كبيرة جدا في هذا النوع من لعبة الشطرنج، ومن أجل التنافس في عالم متصل بالشبكة، يجب عليك توسيع وتعميق الاتصالات بشكل مستمر. وبدلا من السعي دائما إلى زيادة قوة المساومة، يجب البحث عن فرص للمشاركة في الإنشاء مع العملاء والموردين، ودمج منتجاتك وخدماتك مع بدائل محتملة وتشكيل شراكات مع الوافدين الجدد إلى السوق.

السلطة لم تعد محتكرة في أعلى سلاسل القيمة، ولكن في مركز الشبكات، وأصبح التعاون الميزة التنافسية الجديدة، لم تعد القيمة مجرد هدف يمكن تحقيقه، بل أصبحت من المقتنيات والأصول الضرورية لعملية الاتصال، وحتى تتمكن من الحصول على قيمة في النظام البيئي  يجب أن يُنظر إليك على أنك تضيف قيمة إلى هذا النظام البيئي.

والحقيقة هي أننا لم نعد قادرين على إدارة الاستقرار، يجب أن نتعامل مع الاضطراب.

لا يمكننا التنبؤ بالمستقبل ، ولكن يمكننا الاتصال به ، ورعايته والاستفادة منه.

بيد أن القيام بذلك يتطلب أكثر من مجرد تغيير بسيط في الاستراتيجية والتكتيكات، إنه يتطلب تغييراً جوهرياً في العقلية.

المصدر: www.inc.com