المناخ والتقنية يشكلان أكبر المخاطر التي تهدد عالمنا

  • — الخميس أغسطس 02, 2018

الكاتب: أليسون مارتن* Alison Martin

نعيش اليوم في عصر تسوده الموارد التكنولوجية والعلمية والمالية غير المسبوقة، وكثيراً ما نرى ابتكارات لا يمكن تصديقها، فكل ما عليك هو النظر إلى تقنيات تعديل الجينات الوراثية والفرص التي تتيحها للشفاء، بدلاً من مجرد التعامل مع حالات مثل العمى أو الاستجابة للتهديد المتزايد الذي تمثله مقاومة مضادات الميكروبات.

ما زلت متفائلاً بشأن المستقبل، لكن مع ذلك فإن المخاطر التي تهدد عالمنا تتزايد ولا تقل، فهي ذات طابع نظامي وتتطلب إرادة جماعية لمعالجتها. ولسوء الحظ ، يحدث هذا في الوقت الذي تزداد فيه النزعة القومية والحمائية والشعوبية، وتتراجع فيه تعددية الأطراف القائمة على المبادئ، وأخشى أن نضيع الفرصة في التحرك نحو مستقبل أكثر استدامة وعدلاً وشمولاً.

وبصفتي أحد رواد الأعمال ، وكعضو في المجتمع الذي أنتمي إليه وكأب، هذا يجعلني أشعر بقلق عميق إزاء المستقبل الذي قد نتركه للأجيال القادمة، ويجب أن نعمل معا، ويجب أن نتصرف الآن.

المخاطر البيئية أصبحت أكثر بروزاً

تعتبر المخاطر البيئية، التي برزت على مدار الأعوام الثلاثة عشر الماضية من عمر تقرير المخاطر العالمية مصدراً خاصاً للقلق. حيث يتناول تقرير المخاطر العالمية لعام 2018 خمس فئات من المخاطر البيئية: أحداث الطقس المتطرفة ودرجات الحرارة؛ التعجل بخسارة التنوع البيولوجي؛ تلوث الهواء والتربة والمياه؛ الفشل في التخفيف آثار التغير المناخي والتكيف معه ؛ والمخاطر المرتبطة بالانتقال إلى المعدلات المنخفضة من انبعاثات الكربون. كل هذه المخاطر تعتبر عالية من حيث المرتبة على حد سواء، من احتمالية الوقوع ومستوى التأثير.

المخاطر الخمسة المتوقع حدوثها خلال السنوات العشر القادمة

درجة الخطورة

أحداث الطقس المتطرفة

1

الكوارث الطبيعية

2

الهجمات الإلكترونية

3

سرقة البيانات أو التلاعب بها

4

الفشل في التكيف مع التغيرات المناخية أو التحفيف من آثارها

5

المصدر : مسح التنفيذيين في المنتدى الاقتصادي 2017

هذا ليس بالأمر المفاجئ: فقد كان شهر سبتمبر من عام 2017 من أشهر الشهور على الإطلاق من حيث الظواهر المناخية بالغة الشدة، بالإضافة إلى أنه كان من أكثر مواسم الأعاصير فداحة من حيث الخسائر في الولايات المتحدة منذ عام 2005م ، حيث تكبدت فيه البلاد خسائر اقتصادية تجاوزت 300 مليار دولار، ولم تكن الولايات المتحدة وحدها في مواجهة تلك الأحوال الجوية القاسية: فقد شهدت إيرلندا أيضاً على سبيل المثال، أسوأ عاصفة مدارية منذ أكثر من 50 عاماً.

العام الماضي أيضا كان من بين الأعوام الثلاثة الأكثر سخونة على الإطلاق، والسنة الأكثر سخونة دون وجود ظاهرة التردد الجنوبي El Niño  ، ونتيجة لذلك، تميز العام 2017 بحرائق كبرى في الولايات المتحدة وتشيلي والبرتغال، مما أدى إلى خسائر اقتصادية هائلة، وللأسف أكثر من 100 حالة وفاة في البرتغال وحدها.

تعتبر درجات الحرارة المرتفعة من المخاطر الرئيسية بالنسبة للنظم الزراعية، ولاسيما إنتاج الزراعة الأحادية monoculture production، وهناك فرصة الآن بنسبة 5٪ لكل عشر سنوات تتسبب فيها الكوارث الطبيعية في فشل متزامن في إنتاج الذرة في الصين والولايات المتحدة (اللتين تنتجان معا ما نسبته 60٪ من الإمدادات العالمية) ، وهو ما قد يؤدي إلى انتشار المجاعة والمصاعب.

وقد وجد الباحثون الألمان في عام 2017، أن هناك انخفاضاً بنسبة 75٪ في عدد الحشرات الضرورية للأنظمة الغذائية خلال السنوات الـ 27 الماضية ، مما يثير مخاوف من وقوع حرب بيئية “هرمجدون بيئي ecological Armageddon”. ويبقى المحرك الأساسي لضياع التنوع البيولوجي هو تدمير البشر لمواطن التنوع البيولوجي من أجل الزراعة والتعدين وتطوير البنية التحتية وإنتاج النفط والغاز، حيث أصبح الطلب المتزايد على اللحوم خطرا كبيرا على النظم البيئية والزراعية.

التلوث أيضاً مسؤول اليوم عن حالة وفاة واحدة من بين كل 10 حالات وفاة على مستوى العالم حيث يعيش 90٪ من سكان العالم في مناطق تتجاوز مستويات الوفيات فيها إرشادات منظمة الصحة العالمية، وإن إنشاء المزيد من المدن الضخمة لن يؤدي إلا إلى المزيد في هذا الاتجاه.

وتبين الدراسات الجديدة أن نفايات البلاستيك في مياه العالم تجد طريقها إلى الإنسان وهذا أيضا مصدر للقلق، حيث يتم العثور على ألياف بلاستيكية صغيرة بشكل متزايد في الغذاء والماء، ويكمن القلق في إمكانية ربطها بالمبيدات أو المعادن السامة ، مما يوفر لها الطريق إلى جسم الإنسان.

المخاطر الخمسة التي سيكون لها تأثير كبير خلال السنوات العشر القادمة

درجة الخطورة

أسلحة الدمار الشامل

1

أحداث الطقس المتطرفة

2

الكوارث الطبيعية

3

الفشل في التكيف مع التغيرات المناخية أو التحفيف من آثارها

4

أزمة المياه

5

المصدر : مسح التنفيذيين في المنتدى الاقتصادي 2017

في عام 2017 ، ارتفعت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون للمرة الأولى في أربع سنوات، حيث أدت درجات الحرارة المرتفعة إلى زيادة استهلاك الطاقة، وموجات الجفاف الشديدة إلى تفاقم التحول من توليد الطاقة الكهرومائية إلى توليد الطاقة بالفحم، ولا تزال المحيطات دافئه، وقد تتراجع قدرتها على امتصاص ثاني أكسيد الكربون، وتشير الأبحاث إلى أن ما يضاعف من ذلك،  هو أن الغابات الاستوائية يمكن أن تصبح الآن مصدرا للكربون، ويرجع ذلك إلى حد كبير لتدهور الغابات وإزالتها.

ومن المتوقع أيضا أن تنشأ مخاطر جديدة مع تسارع الانتقال إلى عالم منخفض الكربون وآمن بيئيا، ومن المرجح أن تؤدي التغيرات الهائلة في طريقة إنتاج الطاقة إلى مخاطر اقتصادية واجتماعية وجيوسياسية في مختلف البلدان والمناطق.

ولسوء الحظ ، لم تبذل أية جهود تذكر للتخفيف من آثار التغير المناخي، وهناك أمل ضئيل في أن يتغير هذا الوضع في وقت قريب، ويبين تحليلنا الخاص أن احتمالية فقدان هدف اتفاقية باريس للحد من الاحتباس الحراري العالمي إلى درجتين مئويتين أو أقل، أكبر من احتمال تحقيقه، ومن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى تفاقم أثر المخاطر البيئية العالمية.

تزايد المخاطر التقنية

يعكس تقرير المخاطر العالمية هذا العام أيضاً مخاوف متزايدة بشأن التأثير الاقتصادي للتقنيات الجديدة، خاصةً كمسبب أساسي لعدم المساواة، حيث أن هناك اثنين من أكثر المخاطر المترابطة ارتباطاً وثيقاً هي “النتائج السلبية للتقدم التقني” و “البطالة الهيكلية العالية أو البطالة المقنعة”، بالإضافة إلى ذلك، تهدد أنماط الابتكار الحالية أيضاً على صلاحية “الصعود إلى مستويات أعلى من الدخل” ، مما يدفع بالعمال الصناعيين إلى قطاعات الخدمات متدنية المستوى .

على سبيل المثال يقدم الذكاء الاصطناعي (AI) العديد من الفرص ولكن الحوافز قصيرة الأجل قد تؤدي إلى استخدام التقنيات الناشئة بطرق تسبب ضرراً لا يمكن إصلاحه، مثل استخدام الطائرات بدون طيار التي تستخدمها منظمة العفو الدولية للقضاء على نسب كبيرة من المخزون السمكي العالمي، مما يعني أن هناك حاجة إلى معايير ومؤسسات جديدة للحوكمة العالمية لمنع الاستخدام المدمر.

الذكاء الاصطناعي (AI) أيضاً مرتبط بانتشار المعلومات المضللة من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، والتي لا تزال ذات أهمية كبيرة حيث أصبحت “الأخبار المزيفة” تكتسب شهرة عالمية.

هذه المخاطر وغيرها التي جاءت في تقرير المخاطر العالمية لعام 2018 هي مخاطر هيكلية ومترابطة تهدد النظام الذي تعتمد عليه المجتمعات والاقتصاديات والعلاقات الدولية.

إن الاهتمام بالأعمال ومستقبلنا يعني النظر في كل ما يمكن أن يؤثر عليه، والإدارة الفعالة للمخاطر تتطلب منا أن نأخذ الترابط بين المخاطر في الحسبان ونطالب بنهج شامل لإدارة المخاطر مع إدراكنا للنزعة المعرفية.

لم يفت الأوان بعد لبناء غد أكثر مرونة، لكننا بحاجة إلى العمل بشعور أقوى وأكثر إلحاحاً.

* أليسون مارتنAlison Martin ، رئيس مجموعة المخاطر

المصدر: www.weforum.org