تسعة ركائز أساسية تساعد في بناء وتبني التحول الرقمي

  • — الجمعة مارس 22, 2019

التحول الرقمي يجب أن يكون تطوراً رقمياً

“التحول الرقمي Digital Transformation” مصطلح رنان عادة ما يلجأ المعنيون إلى استخدامه للتعبير عن مفاهيم ومدلولات متعددة ومتنوعة، فمنذ العام 2005، أدى اندلاع الثورة التقنية باستخدام التقنيات الرقمية وإمكاناتها إلى تغيير الأسواق والصناعات بشكل جذري، خاصةً وأن هذه التقنيات تقدم للمستخدمين خيارات متعددة يمكنهم من خلالها تلبية احتياجات محددة. البعض يطلق مسمى “الثورة الرقمية” على هذا الوضع وفقا لدورة أو موجة كوندراتيف Kondratiev wave حول الثورة الصناعية خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.

التحول الرقمي يشير إلى هذه التغييرات من خلال تعديل تقنيات الحالية ونماذج الأعمال، ويعتمد بشكل أساسي على الكوادر البشرية والعمليات والتقنيات وهو مناسب لأي مؤسسة تقدم خدمات أو منتجات عبر الإنترنت.

التحويل الرقمي يمكن تقسيمه إلى أربعة أبعاد مختلفة تطبق بالتوازي أو التبديل أو التسلسل : التحول في المنتجات، والتحول في المؤسسات، والتحول في الصناعة والتحول الاجتماعي

لماذا يعد التحول الرقمي مهمًا للغاية؟
التحول الرقمي يجب أن يكون جزءًا أصيلاً من أي استراتيجية رقمية، ومما لا شك فيه أن المؤسسة التي لا تمتلك أي استراتيجية رقمية، فهي لا تملك استراتيجية مستقبلية وهي بذلك تخاطر بوجودها، وإذا لم تفلح المؤسسات في تحويل خططها الاستراتيجية إلى نظم رقمية، فستخرج من السوق لا محالة، وهو ما يمكن أن نسميه “بالداروينية الرقمية Digital Darwinism”.
وقد توصلت دراسة أجرتها مؤسسة غارتنر Gartner إلى أنه في عام 2020، سيكون هناك أكثر من 25 مليار من “الأشياء القابلة للاتصال connected things” مثل الأجهزة والسيارات والمنازل والأجهزة القابلة للارتداء.
أيضًا في عام 2020 ، سيتم ربط حوالي 80٪ من الإيرادات بالخدمات الإضافية و 20٪ فقط للمنتج الأساسي نفسه، وهو مماثل لما نعرفه بالفعل من الأنظمة البيئية widget ecosystems الحالية للتطبيقات والأدوات.

وهناك تسعة عناصر أساسية يمكن أن تساعد في بناء وتبني التطور الرقمي :

1. عقلية التغيير Mindset of Change
لكي تتمكن من إحداث التحول اللازم في النماذج القائمة والمحددة، تحتاج إلى بناء “عقلية التغيير”. وهذا في حد ذاته لا يرتبط فقط بالتقنيات أو التنمية، ولكنه يتعلق بالمنظمة كلها. يجب أن تبدأ بإحداث دفعة من المستويات القيادية العليا وإلى المستويات القيادية الأقل والموازية، ومن خلال فرق محددة مدفوعة جانبيا ومن أسفل إلى أعلى.
ونقصد بالفرق المحددة مجموعات أكثر انفتاحًا للتغيير وتقع ضمن المستويات الإدارية الأدنى في الهيكل التنظيمي للمنظمة.
التغيير بطبيعة الحال غالبًا ما يؤدي إلى خلق حالة من المقاومة لأن بعض الموظفين قد يفهمون ذلك على أنه تهديد لأوضاعهم أو أدوارهم التي يؤدونها أو حتى لوظائفهم، وقد يستغرق الأمر بعض الوقت والصبر كما يتطلب الدعم من بعض الداعمين المتميزين لبناء مثل هذه العقلية المختلفة، ولعله من المنطقي أن تبدأ بقسم واحد، حتى تتمكن من توليد أول مؤشرات إيجابية للتغيير.

2. المواهب الجديدة New Talents
من المستحيل إقناع الجميع، وغالبًا ما تكون هناك مجموعات من المهارات الجديدة مطلوبة أيضًا لعملية التحول المنشود في المنتجات والخدمات والمؤسسات، فبالإضافة إلى الاستثمار في تدريب الموظفين وتأهيلهم، هناك حاجة إلى بعض المواهب الجديدة التي تتمتع ببعض المهارات الجديدة أو المعدلة اللازمة لدعم عملية التغيير، ومن الأهمية بمكان أن تجعل فريق الموارد البشرية ملتزماً بالمشاركة في المبادرة بأكملها منذ انطلاقتها الأولى.

3. التمحور حول للمستفيد Customer Centricity
إن فكرة وضع المستفيدين الذين يستخدمون المنتج أو الخدمة في مركز الاهتمام والتطوير ليست جديدة على الإطلاق، فرب قائل من مديري المنتجات: “نحن نقوم بذلك بالفعل منذ عدة سنوات”، لكن مثل هذا الأسلوب يتطلب شكلاً تنظيمياً بعينه ويحتاج إلى فهم لجميع الفرق المشاركة، ويستند إلى حوار مستمر مع المستخدم.
هناك طرق متعددة لكيفية اكتشاف أهم احتياجات المستخدمين وما يمكن أن يخلق علاقة حميمة مع المستفيد، وتستند جميع هذه الأساليب إلى الاختبار المتكرر وفقًا لملاحظات / وتعليقات المستخدمين والقيمة (الرقمية) التي تم توليدها، فإشراك المستفيد والأخذ بملاحظاته يُعد التزامًا واضحًا بالتركيز على احتياجات المستفيدين الحالية والمستقبلية ويدعم العملية لاكتشاف الابتكار الناجح.

4. نموذج الأعمال Business Model
هل لا يزال نموذج الأعمال الحالي مناسبًا للطلب الحالي واحتياجات المستفيدين؟
هل هناك أي نمو في أعداد المستخدمين ونمو في الإيرادات؟
هل هناك أي تقنيات جديدة تلوح في الأفق يمكنها تغيير سلوكيات وطلبات المستفيدين؟
ولعل من الأمثلة الجيدة لذلك هو التغيير الذي طرأ خلال العشرين سنة الماضية على الطريقة التي يشتري بها الناس الأشياء ويستهلكونها، فمثلاً انتقلت مبيعات الأقراص المدمجة الأولى من المتاجر غير المتصلة بالإنترنت إلى المتاجر التي تبيع بضائعها عبر الإنترنت في أواخر التسعينات، ثم بدأ الناس بعد ذلك في التحميل.
ونظرًا لعدم وجود بنية أساسية مشتركة وعدم وجود حل قياسي موحد للشراء والتحميل عبر الإنترنت، قام العديد من المستخدمين بمشاركة الملفات عبر الإنترنت مجانًا بطريقة غير قانونية.
من الصعب دائمًا تغيير نماذج الأعمال الحالية وتدفقات الإيرادات طالما أنها تبدو وكأنها تعمل “بطريقة ما”، ويصبح الأمر أكثر صعوبة إذا تطلب التغيير تعديلاً لسلسلة قيمة محددة، ولعل هذا هو السبب في نجاح وتطور الشركات في الصناعات الأخرى أو حتى الشركات الناشئة الصغيرة، وهي غالباً ما تتقدم بخطى ثابتة إلى الأسواق القائمة بنهج مختلف أو جديد كلياً.

5. الرشاقة Agility
تعد الرشاقة من الأدوات الشائعة لدفع عملية التغيير ولتكون بمثابة إطار لتركيز المستفيدين، حيث أن إطار سكرم Scrum لتطوير البرمجيات هو إطار سريع التغير لتطوير البرمجيات على أساس التحكم في العمليات التجريبية من خلال الشفافية والتفتيش والتكيّف، ويمكن استخدامه خارج تطوير البرامج في أي قسم آخر أو مشروع، وهو عبارة عن تعاون متعدد الوظائف بين الفرق، والتنظيم الذاتي داخل الفرق، وتحديد الأولويات استنادًا إلى القيمة (الرقمية) وعملية تحقق وتمحيص متكررة بدلاً من التخطيط الثابت على المدى الطويل. وتعني الرشاقة بالنسبة للمؤسسات وكذلك فرق العمل أيضًا قبولها لارتكاب الأخطاء وفهمها على أنها جزء من عملية التعلم.

6. البيانات تقود الأعمال Data driven Business
هذا العنصر يضيف البيانات إلى الالتزام بمبدأ الاهتمام بالمستفيدين، حيث أنه يمكن اختبار أي فكرة أو ميزة أو تحسين محتمل لمنتج أو خدمة بواسطة المستخدمين، فهناك طرق متعددة للتحقق من صحة الأفكار والمفاهيم أو النماذج الأولية مع المستخدمين أو حتى اكتشاف وابتكار خيارات أفضل الممارسات بالتعاون مع المستخدمين، وهذا الأسلوب يقلل من مخاطر فشل الفكرة أو منتج لأن التصميم يعتمد على “قياس” الاحتياجات الحالية أو المستقبلية للمستخدمين الحقيقيين.
وبشكل عام، البيانات لا تساعد فقط على توفير المال فحسب بل هي في حد ذاتها أموال، كما أن البيانات هي المحرك الرئيسي للثورة الرقمية التي أشرنا إليها.

7. القيمة الرقمية Digital Value
القيمة الرقمية هي النتيجة الإيجابية التي تتحقق للقرارات التي تعتمد على البيانات، وأي أولوية للوظائف والميزات يجب أن تكون مدفوعة ونابعة من قيمة رقمية، فالقيمة الرقمية يقصد بها هنا التأثير المباشر الذي يمكن قياسه لسلسلة القيمة الخاصة بالمؤسسة، مثل قيمة النشاط التجاري (كتحقيق المداخيل النقدية المباشرة أو غير المباشرة) أو قيمة خبرة المستخدم (مثل المشاركة) أو قيمة العملية الداخلية (كالتحسينات الضخمة التي يتم إدخالها لزيادة سرعة مهام محددة)، ويتم توليد القيمة لأن حاجة معينة لمستخدم جديد قد تمت تلبيتها أو إشباعها أو تم بالفعل تلبية حاجة المستخدم الحالية بشكل أفضل أو بأسلوب أكثر كفاءة من ذي قبل.

8. إعادة تمهيد التقنية Reboot Technology
هذا العنصر يشير إلى حقيقة أن التحول الرقمي يتضمن في كثير من الأحيان شيئًا جذريًا ومزعزعاً لا يمكن تحقيقه في الغالب من خلال التقنية المطبقة والمستقرة، كيف يمكنك إنشاء هيكلة تقنية لمنظمتك لو كان بمقدورك أن تبدأ اليوم من الصفر اليوم؟
ما هو الفرق الرئيسي في هذا الأسلوب وما هو عرض البيع الفريد مقارنة بالمنافسين الحاليين اليوم؟
إن فكرة “إعادة الترميز” تبدو مكلفة، ولكنها يمكن أن تساعد في تحديد الأجزاء الأضعف في التقنية الحالية، ولعل الشرط الرئيسي للهندسة البرمجية في يومنا هذا هو القابلية للتغير، ما يعني أن البنية الانسيابية النمطية مقدمة ومفضلة على الحلول المتجانسة “الكل في واحد” التي نعرفها من الماضي، وهذا لا يشمل نوعًا من المرونة التقنية الكلية، والتي يمكن أن تكون معقدة جداً ومكلفة للغاية، و”النمطية” Modularity تعني إنشاء نواة ومن ثم بناء وحدات حولها، لاستخدام واجهات برمجة التطبيقات وأيضًا وحدات الطرف الآخر، حيث أن التصميم بطريقة microservice يتّبع هذه النماذج، لا يجب تطوير كل ميزة أو خدمة بواسطة الفريق الداخلي، خاصة إذا كانت هناك حلول قياسية متاحة بالفعل في السوق، يمكن دمجها في بنية معيارية كهذه.
البساطة هي الشرط الثاني للتقنية، ويمكن تصنيف هذا الشرط على أنه غير متوافق مع متطلبات التغيير، ولكنه ليس كذلك، إذ أن التوازن الجيد بين الأمرين ضروري للغاية.

9. التعاون Collaboration
إن التعاون يمثل حلقة الوصل بين عقلية التغيير، والاهتمام بالمستفيدين، وسهولة التغير والقيمة الرقمية، هو أيضاً أداة تمكين للتحول الرقمي الناجح. والتعاون هو بطريقة ما نتيجة إذا دعم استراتيجية التغيير في المؤسسة من قبل أصحاب المصلحة الرئيسيين في الإدارات الرئيسية، إن التعاون داخل المؤسسة يعني أيضًا مشاركة المسؤوليات والعمل في فرق متعددة الوظائف، وتحتاج إلى بناء فرق من الخبراء من ذوي المهارات العالية لإنجاز مهمة محددة أو إنشاء حل معين، يكون مستقل عن حدود الأقسام، ويجب فهم حدود الأقسام على أنها خطوط لتنظيم العمل، وليست جدران عازلة بين هذه الأقسام.
التعاون يعني أيضًا خلق حالة من التضامن بين الشركاء الخارجيين والموردين والمستخدمين لتوليد أفضل الحلول الممكنة، هناك العديد من الأمثلة على الاندماج الناجح للمستخدم في عملية ابتكار في الشركات أو حتى مجتمعات ابتكار المنتجات، وتحفيز الابتكارات التي تأتي من جانب المستخدم لعلامات أو منتجات معينة.

ما هي المدة الزمنية التي يستغرقها التحول الرقمي؟
يعتمد الإطار الزمني للتحول الرقمي على الأعمال الحالية المحددة وحجمه، يبدو أن التحول الرقمي يميل إلى أن يكون عملية دائمة تتنقل من موجة إلى أخرى.
المؤسسات التي لديها نموذج أعمال رقمي 100٪ تحتاج إلى التحول إلى المستوى الرقمي التالي مع تطور متطلبات الأسواق والمستخدمين، لذا فإن التحول الرقمي ليس سوى خطوة أولى لعملية تغيير مستمر يمكن وصفها على نحو أفضل بأنها تطور رقمي.

المصدر: acadessa.com