التحول الحقيقي ليس من أعلى إلى أسفل أو من أسفل إلى أعلى، ولكن جنباً الى جنب!

  • — الثلاثاء مارس 03, 2020

في هذه الحقبة الزمنية المضطربة disruptive era الاستراتيجية الوحيدة القابلة للتطبيق في يومنا هذا هي التكيف  to adapt. وفي ظل هذا التغيير الذي يبدو متسارعاً عاماً بعد عام، يجب على كل منظمة أن تتبنى إحداث تحول بنفسها، فالمنظمات التي لا تستطيع إحداث التغيير غالباً ما تجد أنها غير قادرة على المنافسة وسرعان ما تختفي من المشهد تمامًا.

إن الكيفية التي يمكن إحداث التحول من خلالها كانت مثار نقاش مستمر منذ فترة طويلة؛ هل يجب أن يكون هذا التغيير من الأعلى إلى الأسفل أو من الأسفل إلى الأعلى، فالبعض يقول، إن التغيير الحقيقي لا يمكن أن يحدث إلا إذا جاء من الأعلى ودفعه عبر المؤسسة بأكملها، بينما يقول آخرون بأنه يجب عليك أولاً الحصول على موافقة الموظفين في المستويات الوظيفية العادية السفلى قبل أن تبدأ في إحداث أي تغيير حقيقي.

بيد أن الحقيقة، كما بينت ذلك في كتاب Cascades: How to Create a Movement that Drives Transformational Change ، هي أن التحول لا يتم من الأعلى إلى الأسفل أو من الأسفل إلى الأعلى، ولكنه يحدث جنباً الى جنب بين المستويات، فالتغيير بطبيعته لا يحدث أبدًا دفعة واحدة، ولا يمكن أن نراه ماثلاً أمامنا هكذا ببساطة لمجرد أننا تمنيناه، والتغيير يمكن أن يحدث فقط عندما يستوعبه الناس حقًا ويتقبلونه.

ولعل أفضل طريقة للقيام بذلك هي تمكين to empower الذين يؤمنون فعلاً بالتغيير ليقوموا بإقناع من حولهم بهذا التغيير.

حدد رُسل التغيير Identify your Apostles

مبادرات التغيير تبدأ في كثير من الأحيان بعقد لقاء أو اجتماع للتدشين وحملة واسعة للتواصل، وهذا خطأ شائع، ففي كل مؤسسة تقريباً هناك مستويات مختلفة من الحماس تجاه التغيير، فقد يكون البعض مستعدًا لهذا التغيير حتى لو تطلب الأمر أن يقدم التضحيات الجسام، وبالمقابل هناك البعض الآخر الذي سيعارض هذا التغيير بشدة، لأن التغيير بالنسبة للمجموعة الأخيرة، هو بمثابة تهديد.

وبالتالي، قد يؤدي البدء بإحداث ضجة كبيرة إلى استثارة بعض المؤيدين، لكنه سيحشد أيضًا المعارضين، الذين سيحاولون تقويض هذا التغيير – سواء بشكل نشط أو سلبي – قبل أن تتاح لك فرصة اكتساب الزخم، وقبل أن تعرف ذلك، ستفقد مبادرتك الزخم الذي تريد، وسيذهب معها التغيير أدراج الرياح.

وعليه فإن الطريقة الأفضل هي أن تبدأ بتحديد رسلك ومناصريك في التغيير – من المتحمسين بالفعل لتبني التغيير.

على سبيل المثال، عندما بدأ Barry Libenson لأول مرة حركته لتحويل البنية الأساسية الرقمية لشركة Experian من البنية التقليدية إلى السحابة، لم يطلق حملة كبيرة على الفور للترويج لهذا التغيير، ولكنه بدلاً من ذلك قام بجمع الحلفاء الذين عبّروا عن تأييدهم لهذا التحول في وقت مبكر، وهم مجموعة المناصرين الذين بدأ بهم.

لم تكن هذه الخطوة بطبيعة الحال كافية لإحداث التغيير في المنظمة كلها، لكنها سمحت له ببدء مبادرات صغيرة، مثل بناء واجهة برمجية لبعض التطبيقات الداخلية، وقد أسهم نجاح هذه المبادرات الصغيرة في إقناع الآخرين بالانضمام إلى مسيرة التحول، وهؤلاء بدورهم جلبوا مجموعة أخري، وقد استمر الأمر على هذا المنوال.

لا تحاول الاقناع – قم بالتمكين Don’t Try To Convince — Empower

إن محاولة إقناع المئات أو حتى الآلاف مهمة خادعة في واقع الأمر، ولعل هذا هو السبب في ضعف الفاعلية ومحدودية التأثير في لقاءات التدشين وحملات التواصل، لأن الجميع في هذه الحالة سيواجه اللقاءات أو حملات التواصل بالتعبير عن ميوله الخاصة.

ولكن بمجرد تحديد مناصريك، يجب عليك تمكينهم حتى يتسنى لهم إقناع الآخرين من حولهم، وعلى عكس الجهود التي تبذل من الأعلى إلى الأسفل أو من الأسفل إلى الأعلى، فهؤلاء يعرفون بكل تأكيد زملاؤهم الذين يمكنهم القبول بهذا التحول، وكما أوضح لي أحد منظري الشبكات Duncan Watts، فإن انتقال الأفكار وعدوى القناعات هي إلى حد كبير نتيجة “للأشخاص الذين يتأثرون بسهولة ويؤثرون على الآخرين الذين يتأثرون بسهولة أيضاً”.

شركة الصناعات الدوائية الأمريكية Wyeth Pharmaceuticals تبنت نهجًا مشابهًا في جهودها لإدخال تقنيات التصنيع الخالي من الهدر (lean manufacturing techniques) لأقناع 17000 موظف في عمليات التصنيع، وبدلاً من محاولة إقناع جميع الموظفين في وقت واحد، بدأ الأمر ببضع فرق فقط في عدد قليل من المصانع، وبمجرد نجاح هذه المبادرات، ضُم فرق أخرى إلى الفكرة.

لقد كانت النتائج استثنائية للغاية، فقد نجحت شركة ويث فارماسيوتيكال Wyeth Pharmaceuticals في تخفيض التكاليف بنسبة 25٪ في غضون عام واحد (تم بيع الشركة لاحقًا لشركة Pfizer).

قيد حركتك بالقيم Constrain Your Movement With Values

في حين أن حركات الند للند peer-to-peer movements يمكن أن تكون قوية للغاية، إلا أنها يمكن أن تخرج عن السيطرة بشكل خطير، وعلى سبيل المثال، انتشر تنسيق متجر  Circuit City لبيع الأجهزة الإلكترونية كالنار في الهشيم في عقد الثمانينيات من القرن الماضي واكتسب سمعة طيبة في تقديم الخدمة المتميزة. وكما ذكر Jim Collins في تقريره بعنوان “من جيد إلى أحسن Good to Great”: لقد واجهت الشركة الكثير من المتاعب والمصروفات لضمان تدريب موظفيها في المصنع، ولكن بحلول عام 2000م، بدأت الشركة في التعثر حتى أعلنت إفلاسها في عام 2008م.

لقد كان الفشل في نشر القيم هو جوهر الانهيار، وبالنسبة إلى متجر شركة Circuit City، كان الاستثمار في التدريب استراتيجية وليس قيمة أساسية، وقد تخلت عنه الشركة بسهولة عندما تراجعت هوامش الأرباح لديها.

فالقيم مهمة، ليس لأنها مجرد أشياء لطيفة يمكن قولها، ولكن لأنها تمثل قيودًا. فإن كنت ممن يؤمنون بقيم الإجماع والشمول، فلن تصرخ في وجه من لا يتفقون معك وتميل إلى الآخرين الذين يتفقون معك. وبالمثل، إذا كنت ممن يقدرون الخدمة، فإن الاستثمار في التدريب هو أكثر من مجرد عنصر في حساب الأرباح والخسائر.

لا ترتكب الخطأ. إذا أردت أن تجعل القيم شيئًا ثميناً له قيمة، فهي لا تتحقق عادة بدون تكاليف، وما لم يكن لديك استعداد لتحمل هذه التكاليف، يعني هذا أنك لا تؤمن بهذه القيمة في حقيقة الأمر.

المحافظة على الانتصار Surviving Victory

حدثني المستر Irving Wladawsky-Berger عن فكرة حول التحول التاريخي لشركة آي بي إم IBM في عقد التسعينيات من القرن الماضي حيث قال: “لأن التحول كان حول القيم أولاً ثم التقنية في المرتبة الثانية، تمكنا من الاستمرار في احتضان تلك القيم مع استمرار تطور التقنية والسوق”.

لعل هذا هو العنصر الرئيسي لإحداث التحولات الناجحة، الحل لا يكمن في أي استراتيجية أو مبادرة محددة، ولكن في كيفية تمكن الناس من استيعاب الحاجة إلى التغيير، ونقل الأفكار من خلال الروابط الاجتماعية، دور القائد ليس هو التخطيط والعمل المباشر، بل عليه أن يلهم مرؤوسيه ويعمل على تعزيز قناعاتهم بأهمية التحول.

المصدر: innovationexcellence.com