الزراعة البيئية The Agricultural Ecosystem

  • — الخميس مارس 12, 2020

كيف يمكن أن تجعل المزارع تعمل بطريقة سليمة بيئيًا ؟

يعرف النظام البيئي ecosystem على أنه جميع الكائنات الحية (الحيوانات والنباتات والميكروبات) في موطن معين، بالإضافة إلى البيئة التي تعيش فيها هذه الكائنات (كالتربة أو البرك أو سفوح الجبال)، والنظم البيئية الطبيعية Natural ecosystems تحتوي عادة على أنواع من الكائنات الحية، وبالتالي فإن طريقة عمل هذه البيئة معقدة للغاية، وبالمقابل، فإن النظام البيئي الزراعي (سواء كان حقلاً للذرة أو بستان) هو في الواقع بيئة اصطناعية نسبيًا، يقوم البشر بتعديلها والتحكم فيها. والنظام البيئي الزراعي يشتمل على عدد أقل من الأنواع species، وبالتالي فإن طريقة عمله تتسم بشيء من البساطة simpler functioning.

بيد أن هذه البساطة التي نشير إليها في طريقة عمل هذا النظام لا تعني أنه الأفضل، فالنظام البيئي الطبيعي المعقد، تتفاعل فيه العديد من الأنواع، ومن خلال “شبكة” معقدة من العلاقات المتبادلة بين هذه الأنواع، ويمكن تصوير هذه الشبكة في المخطط المبسط أدناه:

ويعبر الشكل أعلاه عن الخطوات الأساسية في السلسلة الغذائية food chain، حيث تقوم النباتات بإنتاج الطعام الذي تعتمد عليه الحيوانات والبشر باستخدام توليفة من المكونات تشمل مغذيات التربة والمياه وثاني أكسيد الكربون من الهواء، بالإضافة إلى الطاقة الشمسية.

وتتم هذه العملية من خلال بعض الخطوات الحيوية المبينة في الشكل التالي:

ومن أجل استدامة هذه العملية، يتم إعادة تدوير النفايات والمواد العضوية الأخرى وتفكيكها بواسطة الميكروبات (البكتيريا والفطريات والحيوانات وحيدة الخلية) وبعض الكائنات الحية الأكبر منها نسبياً (كالديدان والحشرات) في مادة الدبال التي تسهم في خصوبة التربة والمغذيات البسيطة، والتي تعتمد عليها النباتات في نموها. إنه نظام جميل، ذاتي الاكتفاء self-sustaining system، حيث يقوم كل نوع فيه “بوظيفته”.

وفي كل فئة من الفئات الكبيرة (“النباتات”، “الحيوانات”، “الميكروبات”) هناك العشرات أو المئات من الأنواع، لكل منها نشاطه الذي يختلف قليلاً عن النشاطات التي تقوم بها الأنواع الأخرى، فعلى سبيل المثال، تحتوي الغابة على العديد من أنواع الأشجار والشجيرات والكروم و”الزهور البرية” والأعشاب والسرخس والطحالب والفطر وديدان الأرض والديدان المستديرة والنمل والخنافس والذباب واليرقات والسلمندر والطيور والفئران والسناجب والشامات، والراكون والغزلان وذئاب البراري.. وغيرها. بعض هذه الأنواع يقتات على البعض الآخر، وهذه بدورها تتغذى عليها أنواعاً أخرى في السلسلة الغذائية.

ونظرًا لأن النظام البيئي الطبيعي يحتوي على العديد من التفاعلات بين أنواعه، فهو مستقر تمامًا وقادر على تحمل الاضطرابات مثل العواصف المدمرة أو موجات الجفاف، ولذلك، إذا ما تعرض نوع واحد أو أكثر من هذه الأنواع إلى الموت أو الانقراض، فهناك أنواع أخرى يمكن تتولي الوظائف التي كانت تقوم بها الأنواع التي غابت عن هذا النظام، وبالتالي فإن النظام البيئي الطبيعي مستدامٌ وقادرٌ على الاستمرار إلى ما لا نهاية، ويطلق على هذه الأنواع المتنوعة في الطبيعة “التنوع الحيوي” Biodiversity.

النظم البيئية الطبيعية تقدم أيضًا عددًا من الوظائف التي تفيد البشر، والتي تسمى خدمات النظام البيئي؛ ومن هذه الخدمات الجليلة، اعتدال الطقس (بحيث تكون درجة الحرارة والرطوبة أقل حدة)، وتكون الفيضانات أخف وطأة (وذلك عن طريق امتصاص الأمطار الغزيرة)، وتنظيف المياه الملوثة، والسيطرة على الآفات والأمراض النباتية من قبل أعدائها الطبيعيين، والتخلص من النباتات والحيوانات الميتة، حيث تصبح التربة أكثر خصوبة، ويتم تلقيح العديد من النباتات.

ويمكننا القول بأن الحضارة البشرية ما كان ينبغي لها أن تستمر في الوجود بدون هذه الخدمات المجانية للطبيعة، وعلى النقيض من ذلك، النظم البيئية الزراعية المبسطة التي ينشئها البشر تحتوي على عدد قليل نسبيًا من أنواع النباتات والحيوانات، فهي أساساً تتكون من نوع واحد فقط من نباتات المحاصيل التي يريد المزارع زراعتها أو الحيوانات التي يرغب في تربيتها، وخصوصًا في أنظمة الزراعة التقليدية conventional farms systems، وأي نوع آخر يجرؤ على دخول هذه الحقول أو الحظائر يعتبر “عدواً” وقد يكون عرضة للإبادة باستخدام السموم (المبيدات).

إن النظم البيئية التي تحتوي على عدد قليل من الأنواع غالباً ما تتعطل بسهولة من قبل القوى الخارجية، ومن المحتمل أن ينتشر غزو آفات المحاصيل مثل حشرات المن أو اليرقات التي تتسبب في دمار المحاصيل، لأننا لن نتمك من السيطرة عليها بواسطة الحشرات المفترسة (كالخنافس، والدبابير) أو بواسطة الطيور، وهو ما يمكن أن يحدث عندما يترك المزارعون مناطق من النظام البيئي الطبيعي بالقرب من حقولهم.

التربة في المزارع التقليدية conventional farms غالبًا ما يتم تعقيمها بواسطة المواد الكيميائية السامة أو الأسمدة القوية، وهذه المعقمات الكيميائية غالبًا ما تكون نسبة المواد العضوية (الدُبال) فيها منخفضة جدًا. حيث تسهم مادة الدُبال وكذلك الأعداد الكبيرة من كائنات التربة على ما يلي:

(1) تجعل التربة مسامية وجيدة التهوية،

(2) تسهم في توفير توازن جيد من مغذيات التربة للمحصول الذي ينمو،

(3) تساعد على حماية الجذور من الأمراض والآفات التي تنقلها التربة،

(4) وتحد من تآكل التربة.

ولعل النباتات التي تنمو في التربة الجيدة والغنية من المرجح أن تنعم بصحة جيدة، ويمكن للنباتات التي تخلو من العلل والأمراض أن تقاوم أو تطرد معظم الآفات والأمراض، وذلك من خلال عمليات مختلفة مماثلة للطرق التي يتبعها النظام المناعي لجسم الإنسان لحمايتنا من الأمراض.

كما أن النباتات الخالية من الأمراض يمكنها أن تنتج أغذية تقدم عناصر غذائية أفضل للحيوانات والبشر، وإن اتباع نظام غذائي من الأطعمة الصحية والمغذية سيساعدنا في الحفاظ على صحتنا وتقليل نفقات الرعاية الصحية. إنه نظام مفيد للجميع.

وبالنظر إلى الفوائد العديدة للمحاصيل الصحية healthy crops والتربة الجيدة والنظام البيئي المتنوع، فمن المنطقي بالنسبة للمزارع أن يقوم بكل ما في وسعه لاستخدام العمليات الطبيعية وبالتالي الحصول على المكافآت التي تتمثل في تربة ونباتات وحيوانات أفضل حالاً. كما يمكن للمحاصيل والحيوانات عالية الجودة أن تحقق له أسعارًا أعلى في السوق، مما يجعل الزراعة أكثر ربحية.

وفيما يلي بعض الطرق التي يمكن أن تجعل المزارع تعمل بطريقة سليمة بيئيًا:

  1. يجب معاملة التربة على أنها مورد ثمين من خلال تحسين قدرتها من أجل زراعة المحاصيل الصحية، وذلك بإعادة تدوير السماد و/أو بقايا المحاصيل و/أو السماد. وتجنب استخدام الأسمدة القوية والمواد الكيميائية السامة.
  2. تشجيع النظم البيئية الطبيعية المجاورة، مثل نباتات الأعشاب التي تنمو على شكل سياج، وزوايا الحقول، والمروج القريبة، والغابات والمستنقعات. وكذلك بناء بيوت للطيور.
  3. زراعة أكثر من نوع واحد من المحاصيل في المرة الواحدة (أو على التوالي). ويمكن لمحاصيل التغطية المختلفة والمحاصيل المزروعة أن تخنق الأعشاب وتغذي المحاصيل الأخرى (كما هو الحال مع البقوليات التي تزود بالنيتروجين)، ويمكن لمحاصيل التغطية إذا ما تم حرقها في التربة، أن توفر مادة الدبال والعناصر المغذية للتربة. كما أن تناوب المحاصيل له فوائد مماثلة.
  4. تنويع المزرعة عن طريق تربية مجموعة متنوعة من المحاصيل والحيوانات المدجنة، فالتنوع لا يحمي فقط من سوء الأحوال الجوية والأسواق المتقلبة، ولكن زراعة مجموعة متنوعة من الأنواع هو الأقرب إلى النظام البيئي الطبيعي من الزراعة الأحادية لمحصول واحد أو محصولين ولا توجد حيوانات.

يجب أن يكون المزارع الحكيم عالمًا بيئيًا تطبيقيًا applied ecologist، وعليه أن يدرك أهمية تنوع ووظائف النباتات والحيوانات البرية والمستأنسة، ويجب أن يدرك بشكل خاص أهمية التربة “الصحية” الجيدة.

كن خير مُستَخلف على هذه الأرض، والابتعاد عن عقلية البحث عن الربح فقط، ويتبنى العقلية الضابطة للطبيعة التي تقوم بتشجيع نظام الزراعة البيئية .

المصدر: https://sustainablesr.org/food/agricultural-ecosystem/