ماهي آثار فيروس كورونا (كوفيد19) على نظام الامدادات الغذائية ؟

  • — السبت مارس 28, 2020

التدابير المتبعة للسيطرة على فيروس كورونا من المرجح أن تكون أقل تأثيراً على المحاصيل الأساسية، لكن المزارعين المتخصصين في انتاج بعض المنتجات قد يشعرون بوطأة هذه التدابير أكثر من غيرهم.

||  26 مارس 2020 ||

مع انسحاب فصل الشتاء وإفساحه المجال أمام فصل الربيع، يتأهب المزارعون للموسم الزراعي – بتوظيف العمال وشراء المواد وتلقي الطلبات.

بيد أن الخبراء يقولون إن الإجراءات الرامية للحد من انتشار وباء فيروس كورونا COVID-19 قد تتسبب في إعاقة بعض هذه الجهود، ويقول جيل فينسترا Gail Feenstra، نائب مدير برنامج البحوث والارشاد الزراعي المستدام في جامعة كاليفورنيا، بمدينة ديفيس Davis، الذي يدرس أنظمة الغذاء وسلاسل التوريد: “يتدافع الجميع لمعرفة ما يجب فعله، فهناك الكثير من الاضطراب”.

وبالرغم من أن حجم الضرر الذي قد يلحق بإنتاج الغذاء غير واضح حتى الآن – وهو ما سيعتمد على المدة التي سيستمر فيها الوباء والتدابير المتبعة لمكافحته – إلا أن نقص الغذاء على نطاق واسع غير مرجح في أي وقت قريب، كما يقول العديد من الباحثين.

تعتبر الزراعة عملًا أساسيًا بموجب أوامر الحماية shelter-in-place orders  المنتشرة في جميع أنحاء البلاد، ولكن لا يزال يتعين على المزارعين الالتزام بمتطلبات العزل الاجتماعي، ويمكن أن يتأثروا باللوائح والتغيرات الأخرى التي تستهدف سلسلة الإمداد الغذائي، كإغلاق المطاعم على سبيل المثال.

يمكن لبعض الأعمال أن تستمر بسهولة دون انقطاع يذكر، فعلى سبيل المثال، العديد من المزارعين الأمريكيين الذين ينتجون المحاصيل الأساسية، بما في ذلك القمح والأرز، يقومون بذلك باستخدام أدوات ميكانيكية تحد بالفعل من الاتصال بين البشر وتقع ضمن المعايير التي تقترحها مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها للحد من انتشار هذا الفيروس، وقد ذكر المعهد الدولي غير الربحي لبحوث السياسات الغذائية (IFPRI) في وقت سابق من هذا الشهر، أن فيروس كورونا COVID-19 لا ينطوي حاليًا على أي تهديدات رئيسية للأمن الغذائي العالمي بشكل عام لأن هناك مخزون كاف من المواد الغذائية الأساسية لا يزال متوفراً.

ويقول ويل مارتن Will Martin، الباحث في المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية والمؤلف المشارك في إعداد التقرير، يقول: “إن المحاصيل الأعلى قيمة والأكثر تخصصًا تواجه عددًا أكبر من العقبات، حيث أن هذه المنتجات الغذائية – مثل بعض الفواكه والمنتجات العضوية التي تنتجها المزارع الصغيرة – تتطلب المزيد من العمالة، وهي تباع في كثير من الأحيان إلى المطاعم وأسواق المزارعين، بيد أن العديد من هذه المطاعم والأسواق مغلقة الآن على نطاق واسع أو قامت بتخفيض مستوى خدمتها في جميع أنحاء البلاد، ولا يتم بيع هذه المنتجات مباشرة إلى متاجر البقالة التي لا تزال تعمل.

وحتى لو كان هؤلاء المزارعون قادرين على مواصلة العمل، فقد تكون لديهم أماكن محدودة لبيع منتجاتهم، ويقول مارتن Martin: “إنها مشكلة كبيرة”. ووفقًا لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، فإن السلع ذات القيمة الأعلى هي أيضًا أكثر عرضة من المحاصيل الرئيسية بسبب ارتفاع الأسعار الناجمة عن الاضطرابات التي تسبب فيها فيروس كورونا COVID-19.

ويقول مارتن Martin، مشراً إلى التقرير الصادر عن البنك الدولي في عام 2006، والذي يوضح كيف أن الجهود المبذولة لاحتواء مثل هذه الأوبئة – بما في ذلك إغلاق المطاعم وتعطيل النقل العام والسياحة – تميل إلى التأثير على الاقتصاد العالمي بشكل أكبر من تأثيرها على ساعات العمل المفقودة بسبب إصابة القوى العاملة بالمرض.

وتشير التقديرات التي تضمنها التقرير إلى أن وباءً حديثًا مشابهًا للإنفلونزا الإسبانية عام 1918 سيؤدي إلى خسارة بنسبة 0.9 في المائة في الناتج المحلي الإجمالي بسبب العمال المرضى، مقارنة بخسارة 1.9 في المائة نتيجة للسياسات التي يتم فرضها لمكافحة العدوى، ويقول مارتن Martin إن مزارعي المحاصيل عالية القيمة يتعرضون لضربات شديدة بشكل خاص بسبب هذه السياسات.

كما أن بساتين التفاح، التي تتطلب أطقم كبيرة لزرع وتقليم الأشجار، تقدم مثالاً لهذه التداعيات، حيث أن عمليات التقليم التي يقوم بها المزارعون تساعد على القضاء على الفروع المريضة وتعطي أوراق الشجر فرصة أفضل للتعرض لضوء الشمس، بيد أن الكثيرين من مزارعي التفاح يعتمدون على العمال الموسميين الذين يأتون من خارج البلاد للقيام بهذه المهام، ويكافح العديد من هؤلاء العمال للحصول على تأشيرات الدخول إلى الولايات المتحدة بسبب إغلاق السفارات والمكاتب الفيدرالية.

وفي ظل عدم وجود أعداد كافية من القوة العاملة، قد يضطر المزارعون إلى ترك زراعة الأشجار والتخلي عن تقليم الفروع المريضة، ويمكن أن يؤدي هذا الإهمال إلى خسائر في وقت لاحق من هذا الموسم وفي السنوات المقبلة، كما تقول ديان كورلي Diane Kurrle، كبيرة نواب الرئيس لجمعية منتجي التفاح الأمريكيين US Apple، وهي منظمة غير ربحية مقرها في فولز تشيرش Falls Church، بولاية فيرجينيا، وهي الجهة التي تمثل المزارعين وغيرهم في هذا النشاط.

الفراولة أيضاً من المحاصيل التي من المحتمل أن تتأثر بانتشار هذا الوباء، وإن كان هذا التأثير يعود في واقع الأمر إلى أسباب مختلفة، ذلك لأن مزارعو الفراولة في كاليفورنيا لا يعتمدون بشكل كبير على القوة العاملة التي تأتي من خارج الولايات المتحدة، ولكن العمال الذين يستعان بهم في هذه المزارع عادة ما يعملون بشكل متقارب أكثر مما تنصح به الجهات الصحية المعنية لمنع انتشار الفيروس.

ويقول مارك بولدا Mark Bolda، مستشار مزرعة الإرشاد التعاوني بجامعة كاليفورنيا، ومقرها في واتسونفيل Watsonville: إن المزارعين الذين تحدّث إليهم في المقاطعة المحيطة – حيث يتم إنتاج ما يقرب من 40 بالمائة من الفراولة التي تباع في الولاية – بدأوا بالفعل في وضع خطط للتحكم في نشر العمال بين صفوف المزارع.

ويقول بولدا إن الفراولة تبلغ مرحلة النضج التام خلال فترة ضيقة تتراوح من يومين إلى ثلاثة أيام فقط ويجب أن يتم قطفها بسرعة، وقد يؤدي تباعد العمال بهذه الطريقة إلى إبطاء عملية القطف، مما قد يؤدي إلى تعرض المزيد من الفاكهة للتعفن في الحقول.

هذا الوضع يمكن أن يتسبب بدوره في إبطاء عملية الحصاد أكثر من ذلك حيث يتوقف العمال لإزالة الفاكهة القديمة حتى لا ينتشر التعفن إلى الفاكهة الناضجة، ويقول بولدا إن مثل هذا التباطؤ سيقلل من كمية الفاكهة التي يتم جمعها في الساعة والتي يدفع أجر العمال بناءً عليها، ويمكن لهذا أن يضر بأرباح المزارع. “فالبطء في قطف الثمار أمر مكلف هنا”.

مزارعو التوت الأزرق lowbush blueberries وفي ولاية ماين Maine، وهو أعلى محصول في الولاية بعد البطاطس – يستعدون لاستيرادهم ما يقرب من 50000 خلية نحل سنوياً، والتي تأتي في أسطح مستوية من جميع أنحاء البلاد خلال فترة الإزهار الربيعية في أبريل ومايو، ويعتمد التوت الأزرق بشكل كبير على النحل لنقل حبوب اللقاح، لأن أزهاره الضيقة غير مناسبة بشكل جيد لتلقيح الرياح، وتقول ليلي كالديروود Lily Calderwood، المتخصصة في التوت الأزرق بالملحق التعاوني لجامعة ماين Maine: إن تعداد النحل الموجود في الولاية ليس كبيرًا بما يكفي لتلبية حاجة الولاية في عمليات التلقيح، لأن هذه الولاية لديها حوالي 3800 فدان من حقول التوت الأزرق، وبالتالي، يقوم المزارعون باستئجار خلايا نحل العسل لزيادة غلاتهم في ثاني أكبر حدث للتلقيح التجاري في البلاد بعد الذي يتم لتلقيح اللوز في ولاية كاليفورنيا.

ويقول لينكولن سينيت Lincoln Sennett،  وهو نحال في ولاية ماين Maine، ويمتلك شركة عسل ويقوم بتأجير نحله للقيام بعمليات التلقيح، يقول: إن نقل خلايا النحل على الأسطح المسطحة يتطلب تدريبًا خاصًا، فإذا مرض سائقو الشاحنات بفيروس كورونا COVID-19، فقد يجد النحالون صعوبة في العثور على بدائل تفي بالغرض، ويمكن أن يؤدي غياب خلايا النحل هذه إلى خسائر فادحة في عائد التوت هذا العام، وتقول السيدة كالديروود Calderwood: “سيكون الأمر سيئًا للغاية”، وأشارت إلى أن الخلية الواحدة يمكن أن تزيد حجم المحصول بما يصل إلى 1000 رطل.

وتلاحظ ميغان كونار Megan Konar، وهي مهندسة مدنية وبيئية في جامعة إلينوي في أوربانا Urbana بمدينة  شامبين  Champaign بولاية إلينوي قائلة: “نظرًا لأن فيروس كورونا COVID-19 يؤدي إلى خسائر في الدخل على نطاق واسع، فقد يتمكن عدد أقل من المستهلكين من شراء منتجات زراعية متخصصة أو عالية القيمة، بما في ذلك الخضروات العضوية، كما أن التراجع في مستوى هذه المشتريات يمكن أن يؤدي إلى زيادة الضغط على المزارعين، خاصة إذا كانوا يبيعون مباشرة للمستهلكين في الأسواق بدلاً من متاجر البقالة، وتشرح ذلك بقولها: “هذا حدث غير معتاد ومثير للاهتمام لأنظمة الغذاء، لأنه في الحقيقة مجرد حدث اجتماعي، لا توجد مشكلة في الطقس أو فشل في البنية التحتية أو عيوب في المنتجات؛ ” الكوارث الطبيعية تميل عادة إلى التأثير على منطقة معينة فقط – قد يمحو الإعصار المحاصيل في فلوريدا، على سبيل المثال – لكن فيروس كورونا كان له تأثير أكثر انتشارًا على المستوى الاجتماعي والمؤسسي. هذه كارثة مختلفة نوعًا ما عن المعتاد”.

وتضيف السيدة كونار : إذا ظهرت ضغوط بيئية إضافية هذا الموسم – مثل فيضان الأنهار الناتج عن ذوبان الثلوج وأمطار الربيع المتوقعة في الغرب الأوسط – فسيصبح النشاط الزراعي أكثر عرضة للخطر، وتقول: “عندما يتعرض القطاع الزراعي لعدة مخاطر متزامنة في وقت واحد، ستتراكم المشكلات. وكل هذا يفاقم من حجم الصعوبات التي تواجه الموسم الزراعي”.

المصدر: www.scientificamerican.com