تجربة منهجية العمل عن بعد ” Remote-First”

  • — الأربعاء أبريل 01, 2020

التاريخ البشري عادة ما تتخلله محطات فاصلة، وهي غالبًا ما تحدث في أوقات الأزمات، فالحرب العالمية الأولى شهدت عصر اختراع الطائرة، ثم تلاها عصر الطائرات النفاثة في زمن الحرب العالمية الثانية، وهلم جرا.

إن التفشي السريع لوباء كوفيد-19 عبر فيروس كورونا المستجد أجبر المؤسسات (العامة والخاصة) على إعادة التفكير في السياسات الخاصة بمزاولة #العمل_عن_بعد، وفي بعض الحالات، اضطرت في ظل هذه الظروف إلى الانتقال إلى العمل عن بُعد بالكامل للتكيف مع هذه الأوضاع الطارئة.

وتشكل هذه اللحظات محطات فاصلة في تكور المنظمات لأنها تنطوي على إمكانية إحداث ثورة في كيفية تفكير معظم المؤسسات في الإدارة والتوظيف والشراء العقاري، ناهيك عن التأثير الإيجابي الذي يمكن أن تحدثه على صحة الموظفين الشخصية ورفاهيتهم.

بصفتنا مؤسسة تعمل وفق أساليب العمل عن بُعد وتتبني منهجية (remote-first)، كنا لحسن الحظ مهيئين أكثر من غيرنا لهذا الوضع، لأننا ببساطة لا نمارس الأعمال المكتبية التقليدية – لم نقم بذلك أبدًا، ويسعدنا أن نشارك تجربتنا “العمل عند بعد” حتى يتمكن الآخرون من الاستفادة منها.

منهجية العمل عن بعد ” remote-first”، وخاصة في الأعمال ذات الطبيعة المعرفية يمكن تبنيها بنجاح مع توفر إمكانية الوصول إلى الإنترنت في كل مكان تقريبًا وبوجود هذا الكم الهائل من البرامج الخاصة بالعمل بالتعاون عن بعد، ولم يعد هناك من سبب يمنع إمكانية القيام بمعظم الأعمال المعرفية عن بُعد.

كيف يمكننا تعريف المنظمة التي تتبني منهجية العمل عن بعد “ remote-first“؟

المؤسسة التي تعمل على تحسين عملياتها للعمل في بيئة لا يعمل فيها الموظفون من مكتب مركزي محدد يمكن اعتبارها جهة تتبني منهجية العمل عن بعد.

ولو أخذنا شركة كراودبوتيكس Crowdbotics كمثال: فبالرغم من أن لديها مقر في Bay Area، فهي لا تطالب موظفيها الذهاب للعمل في الموقع أو أي مكان محدد آخر، بل يمكنهم العمل من أي مكان يريدون – بشرط أن يكونوا على تواصل، وأن لا يؤدي الموقع الذي يعملون فيه إلى تشتيت الانتباه، حتى يتمكنوا من القيام بالمهام الموكلة إليهم بنجاح.

 ولهذا السبب، نجحوا في استقطاب أعضاء فريق عمل من مناطق جغرافية بعيدة – من أوستن ولوس أنجلوس والبرازيل والبرتغال وحتى من كاتماندو.

لماذا تلجأ إلى تبني أسلوب العمل عن بعد؟

هناك عدة منافع ومميزات تدفع إلى تبني أسلوب العمل عن بعد ومنها:

  • المرونة Flexibility: يمكن توسيع نطاق أعمالها بشكل سريع وذلك من خلال الوصول إلى مجموعة من المواهب والكفاءات المنتشرة حول العالم، ويمكن للموظفين العمل من أي مكان يختارونه، كما يمكنهم تحديد الجدول الزمني الذي يريدون (في حدود المعقول بطبيعة الحال).
  • تخفيض النفقات Lower overheads: تتبني منهجية العمل عن بعد، تستطيع إلغاء أحد أكبر بنود النفقات العامة في الأرباح والخسائر، وهي: تكاليف العقارات والإيجارات.
  • استمرارية الأعمال Business continuity: انتشار فريق العمل في مواقع مختلفة حول العالم يمنح الأعمال مرونة أكثر في التعامل مع المسائل المحلية، فضلا عن أنه يتيح دورة عمل افتراضية متواصلة على مدار 24 ساعة.

ما هي العوامل الرئيسية للنجاح؟

الالتزام التنظيمي Organizational commitment: كما هو الحال مع أي مبادرة مؤسسية، فإن النجاح في عمليات التشغيل عن بعد يبدأ من القمة، ويجب على المنظمة بأكملها الالتزام بأسلوب العمل عن بعد، حيث تلتزم الإدارة بتمكين موظفيها من العمل عن بعد، والموظفون بدورهم يلتزمون بأن يكونوا موجودين ويقومون بإنجاز مهام أعمالهم في الوقت المحدد، وتلتزم المنظمة بشكل عام بالعمل على أنجاح عمليات التشغيل عن بعد.

#الثقة Trust تؤثر على الديناميات البشرية أكثر من أي عامل آخر، فهي التي تتحكم في كيفية تفاعلنا مع الناس، وعلى أساسها نحدد من نختارهم لمشاركة أسرارنا الخاصة. ولا يمكن بناء النجاح في عمليات التشغيل عن بعد إلا على أساس من الثقة.

عمليات التشغيل عن بُعد تتطلب أن يثق المديرون في أن موظفيهم سيؤدون أعمالهم بدون الإشراف المباشر على أعمالهم، فهناك حاجة ماسة إلى الإسراع في التحرر من نماذج الإدارة التقليدية التي تركز على الإشراف الشخصي، وتستحق هذا الجهد.

الثقة بطبيعتها سلاح ذو حدين، وهناك أيضًا عبء كبير على الموظفين لضمان بناء هذه الثقة مع مديريهم وزملاؤهم في العمل، ومن السهل القيام ببعض الأمور مثل – الحضور في الوقت المحدد للاجتماعات، وتقديم أو تسليم المتطلبات أو المخرجات في الوقت المحدد، والتواجد لدعم الزملاء.

وبصراحة، بناء الثقة في المنظمة التي تتبني أسلوب العمل عن بعد لا يختلف كثيرًا عنه في المنظمة التي تتبني أساليب العمل “التقليدية” – فهو يتطلب المزيد من الجهد من جميع الأطراف.

#المرونة تعني تتقبل فكرة أننأن أن يعمل الموظفون عن بعد، وانهم قد يحتاجون إلى المزيد من المرونة في جداولهم أكثر مما هو الحال في المكاتب التقليدية، وفي الواقع، من الميزات الإيجابية للعمل في المؤسسات التي تتبني أسلوب العمل عن بعد هو المرونة التي يتمتع بها الموظفون – المرونة مثلا في الذهاب إلى ممارسة الرياضة في الوقت الذي يختارونه؛ وللقيام بمهمة سريعة، أو اصطحاب أطفالهم من أو إلى المدرسة.

والمرونة هنا لا تعني أن أعضاء الفريق يفعلون ما يحلو لهم متى ما أرادوا ذلك، بل لابد من التقيد بضوابط العمل، وهناك قواعد بسيطة للغاية يمكن تبنيها في هذا الصدد:

  • على الموظف الالتزام بالعمل على الأقل 6 ساعات خلال ساعات العمل المعتمدة.
  • لا تتردد في أخذ إجازة للمهام الشخصية، ولكن أبلغ مديرك وفريقك مقدمًا.
  • كن حاضرًا للاجتماعات الرئيسية خلال الأسبوع بغض النظر عن العمل الشخصي الذي لديك: الاستعداد اليومي والتخطيط للمهام وما إلى ذلك.

المدراء هم المحركون الأساسيون للنجاح أو الفشل في أي منظمة، وخاصة في المؤسسة التي تتبني أسلوب العمل عن بعد؛ لأنهم هم الواجهة التنظيمية لفرق العمل.

ومن الأهمية بمكان أن يعبّر المدراء عن القيم التنظيمية الخاصة بها، وأن يساهموا في خلق بيئة جاذبة ومرحبة ومريحة للموظفين الجدد، وبذل جهود إضافية لإنشاء فرق متكاملة ومتماسكة بشكل جيد بغض النظر عن المواقع التي يعمل منها الموظفون.

الأدوات Tools (البرامج) : تبني أسلوب العمل عن بعد يلزم استخدام الأدوات التعاونية لتبسيط عملها، بعض الأدوات التي تستخدم لتحقيق النجاح في أعمالنا، هذه القائمة ليست حصرية – ويمكنك استبدال أيا من هذه الأدوات بالأداة التي تختارها أنت.

ما هي الأدوات التي تستخدمها؟

• منصة سلاك (Slack) للمراسلة الفورية: حيث يمكن الاستفادة منها في إدارة معظم الأعمال وانشاء قنوات خاصة للتفاعل مع كبار المتعاملين، وكذلك للمناقشات واتخاذ القرارات وإعداد التقارير عبر العديد من عمليات الدمج مع أدوات أخرى مثل Jira و GitHub و Hubspot. كما نستخدم أيضًا قنواتها للمساعدة في بناء ثقافة التعبير عن الثناء والتقدير. كما تعتبر عنصر أساسي لضمان شعور الموظفين بارتباطهم بالعمل بغض النظر عن المسافات التي تفصلهم عنها.

ويمكن استخدم المكالمات عبر منصة سلاك Slack بشكل مكثف لعقد اجتماعات (1:1s) بين المدير وأحد الموظفين وكذلك للاجتماعات المرتجلة، حيث أن فكرة مشاركة الشاشة مفيدة جداً لمراجعة القوانين والمناقشات حول التصميم والاجتماعات الأخرى التي تتطلب استخدام السبورة البيضاء، حيث يتمكن المدير وعضو الفريق من الشعور بلغة الجسد التي يعبر بها الآخر والإشارات غير اللفظية، وفوق هذا وذاك، من منا يريد التحدث إلى مجرد صوت لا توجد فيه أي تعابير للجسد؟

  • خدمة جوجل Google Hangouts للتواصل عبر الإنترنت: إذا كنت تستخدم حزمة جي سويت GSuite للحوسبة السحابية وأدوات البرمجيات التعاونية في البريد الإلكتروني والمستندات، فلا داعي لاستخدام تطبيق جوجل Hangouts لإجراء المكالمات الجماعية بالصوت أو الفيديو، فهي تتكامل وبشكل سلس مع تطبيق جوجل كاليندر Google Calendar لتنظيم المواعيد والاجتماعات ويعمل بشكل جيد جداً في معظم المتصفحات – وليس فقط متصفح كروم Chrome. بيد أن الجانب السلبي الوحيد فيها هو أن تطبيق جوجل هانج آوتس Google Hangouts لا يسجل المحادثات، كما أن مشاركة الشاشة فيه، ليست متاحة بالشكل المطلوب، وهو على أية حال خيار بدون تكلفة إضافية لعقد المؤتمرات بالصوت والفيديو إذا كنت تستخدم حزمة جي سويت GSuite.
  • مستندات جوجل Google Docs  وخدمة دروبوكس بيبر Dropbox Paper لتحرير المستندات، وهي أدوات رائعة تسمح بالتحرير التعاوني في نفس الوقت.

وعلى كل حال مسيرة تبني أسلوب العمل عن بعد ليس بالأسلوب السهل، لأن كل الأشياء المهمة في حياتنا لن نحصل عليها بسهولة بطبيعة الحال… علينا أن نجتهد حتى نصل إليها!

المصدر: blog.crowdbotics