كيف يمكن أن تُسهم “البلوك تشين” في تحسين سلاسل الإمداد العالمية؟

  • — الثلاثاء أبريل 07, 2020

لا تزال البلوك تشين Blockchain تمثل ابتكاراً جديداً نسبيًا بالنسبية للكثيرين، وهي تقنية سيكون لديها القدرة على تغيير كل شيء، ومن أول الأشياء التي يبدو أنها ستقوم بإحداث تغير كبير فيها هي إدارة سلسلة الإمداد Supply chain management ، حيث تعتمد إدارة سلسلة الإمداد على نظام قديم أكل عليه الدهر وشرب وأصبح غير موثوق وغير عملي في عالم اليوم، الذي تستخدم نُظم تعتمد على السجلات الورقية وعشرات الوسطاء.

ولعلنا في هذه السانحة نلقي نظرة على سلسلة الإمداد وكيف تتجه تقنية البلوك تشين إلى إحداث ثورة فيها.

ما هي سلسلة الإمداد Supply Chain ؟

سلسلة الإمداد باختصار، هي العملية التي يتم من خلالها نقل السلعة من الإنتاج إلى المستهلك أو المستفيد.

وسلسلة الامداد عبارة شبكة تضم جميع الأشخاص والشركات والموارد والأنشطة والتقنيات المشاركة في صناعة أو انتاج المنتج وبيعه، وهذا يشمل تسليم المواد الخام أو المدخلات من المورد إلى الشركة المصنعة، ثم من بعد ذلك تسليمها في نهاية المطاف إلى المستفيد (المستخدم) النهائي.

هذه العملية يمكن أن تكون معقدة للغاية، خاصة عندما تتم على نطاق عالمي، فالشركات الكبرى تمتلك سلاسل توريد تمتد عبر عدة بلدان بل حتى بعض القارات، وبالتالي فإن المحك الرئيسي يكمن في إدارة سلسلة الإمداد بشكل صحيح.

إدارة سلسلة الإمداد Supply chain management  (SCM) هي عملية الإشراف على المواد والمعلومات والموارد المالية أثناء انتقالها من المورد إلى المصنع ثم إلى تاجر الجملة ومنه إلى بائع التجزئة حتى ينتهي بها المطاف إلى المستهلك.

والتدفقات الرئيسية الثلاث لسلسلة الإمداد هي تدفق المنتج وتدفق المعلومات وتدفق الموارد المالية، وتعمل إدارة سلسلة الإمداد SCM على التأكد من أن كل شيء يتدفق بشكل سلس من البداية وحتى النهاية.

كيف تكون البلوك تشين Blockchain ؟

إن كنت من الذين ليست لديهم معرفة مسبقة أو تجربة مع البلوك تشين، فقد يبدو الأمر مربكًا للغاية ومعقدًا للوهلة الأولى بالنسبة لك، وقد عُرفت من خلال أحد تطبيقاتها وهي العملة المشفرة “البيتكوين Bitcoin  “، بيد أن البلوك تشين لا يتوقف استخدامها في العملات المشفرة، بل يمكن استخدامها لأكثر من ذلك، فهي في جوهرها، تمثل سجلاً عاماً لأي نوع من المعاملات a public record of transactions يمكن توزيعه على جميع الأطراف بدلاً من أن يتحكم شخص واحد في كل شيء، وهناك الآلاف من أجهزة الكمبيوتر حول العالم متصلة بالشبكة، وتتوصل إلى اتفاق فيما بينها حول المعاملات التجارية وبشكل سليم وآمن.

فعندما يقوم شخص ما بتنفيذ صفقة بعينها، تقوم أجهزة الكمبيوتر بتشغيل خوارزميات لتحديد ما إذا كانت الصفقة سليمة أم لا، وبعد التأكد من سلامة الصفقة تضاف إلى سجل المعاملات بشكل آني ويتم ربطها بالمعاملة التي قبلها، وتُعرف سلسلة المعاملات المترابطة هذه باسم منصة البلوك تشين Blockchain platform .

ونظرًا لأن كل معاملة من المعاملات تشير إلى العملية التي سبقتها، يمكنك بالتالي معرفة أيها جاء أولاً، ومن ثم تقوم بعملية الشراء بشكل سليم وآمن، والقدرة على تتبع وتحديد مصادر المعاملات الخاصة بمنصة البلوك تشين تساعد على إحداث ثورة في أي صناعة تقريبًا يمكنك التفكير فيها، ويمكن أن تكون مفيدة بشكل خاص في إدارة سلسلة الإمداد.

كيف تستطيع البلوك تشين إحداث ثورة في سلسلة الإمداد؟

عندما ظهرت فكرة سلسلة الإمداد كانت حينها فكرة ثورية تعمل على تحسين الرؤية والسيطرة على السلع أثناء انتقالها من النقطة (أ) إلى النقطة (ب). بيد أن الطريقة القديمة التي كانت تستخدم قبل عدة عقود لم تعد متوافقة مع إنتاج اليوم ومع دورات العرض، التي أصبحت مجزأة ومعقدة ومشتتة جغرافياً.

إن سلاسل الإمداد في الوقت الحالي يمكن أن تمتد إلى مئات المراحل وعشرات المواقع الجغرافية، مما يجعل من الصعب جدًا تتبع الأحداث أو التحقيق منها كل على حدة. 

يمكن للبلوك تشين إحداث تحول كبير في سلسلة الإمداد وخلق حالة من التحسين ونقلة هائلة في طريقة إنتاج وتسويق وشراء واستهلاك البضائع والمنتجات، ولأنها أشبه ما تكون بسجل الحسابات الذي يضمن الشفافية والأمان على حد سواء، فإن البلوك تشين يمكن أن تكون حلاً تقني واعداً لإصلاح المشكلات الحالية لسلسلة الإمداد.

وإن أول شيء يجب القيام به عند استخدام البلوكتشين هو تسجيل نقل البضائع على سجل الحسابات كمعاملات تقوم بتحديد الأطراف المعنية، إلى جانب السعر والتاريخ والموقع والجودة وحالة المنتج وأي معلومات أخرى ذات صلة بإدارة سلسلة الإمداد.

وباستخدام منصة البلوك تشين، سيكون من الممكن تتبع كل سلعة إلى أصلها أو مصدرها، وعلى طول الطريق وصولاً إلى المواد الخام المستخدمة في إنتاج هذه السلعة، فالطبيعة اللامركزية لسجل الحسابات يجعل من المستحيل على أي شخص أن يستحوذ على ملكيته أو أن يتلاعب بالبيانات الموجودة في السجل لصالحه، كما أن طبيعة المعاملات القائمة على التشفير تجعل من المستحيل تقريبًا اختراق هذه السجلات.

مزايا استخدام البلوك تشين لسلاسل الإمداد

المزايا الرئيسية تتلخص فيما يلي :

  1. الشفافية Transparency.

البلوك تشين هي قاعدة بيانات مشتركة تضمن مستوى موثوقاً من الشفافية، ويتحمل جميع الشركاء مسؤولية إيداع أو تحميل معلوماتهم وبياناتهم حول المنتج أو البضاعة، وهناك مجموعة رقمية من البيانات الدقيقة تعمل على تحسين مستوى المساءلة والثقة بين الشركاء ويمكن إظهار التحديثات التي تطرأ على المنتج خلال دقائق معدودة، ويمكن لجميع المعنيين، وبشكل دقيق، معرفة مكان المنتج في جميع الأوقات، كما يمكنك أن ترى بدقة شديدة أين يوجد المنتج، وكيف يتم تصنيعه، ومتى سيتم تسليمه، وكل ذلك تحت سقف واحد.

  • الأمان Security.

بناء البلوك تشين باستخدام يعتمد على كتل آمنة للغاية، وكل كتلة هي نسخة من الوثيقة التي يتم تخزينها زمنيا وربطها بكل الكتل السابقة، ويعتقد بعض الخبراء أنه “لا يمكن اختراقها” فعلاً. ولو أراد شخص ما اختراقها، سيتعين عليه تغيير مئات النسخ في نفس الوقت، وهو أمر من المستحيل أن يتم دون أن يكتشفه البرنامج.

  • البساطة Streamlined.

جميع عمليات التسجيل المتعلقة بالبلوك تشين رقمية، وهذا يؤدي إلى عمل إداري أقل ويتم تتبع البيانات بشكل سريع وأكثر اتساقًا، كما يمكنك من خلال استخدام البلوكتشين، التخلص من الوسيط بتسجيل الدخول مباشرة إلى البلوك تشين لتنزيل المعلومات على الفور، وكل شيء يتم في مكان واحد، مما يجعل التواصل والعمليات مبسطة للغاية، كما أنها تقنية عالمية وقابلة للتطوير، ويمكنها دعم الشراكات والاتصالات حول العالم بنفس السرعة التي تدعم بها الشراكات الإقليمية، مما يجعلها الحل المثالي لاقتصاد العولمة.

  • قدرة تحليلية متطورة Enhanced Analytics..

البلوكتشين تقدم حلولًا متطورة لتحليل البيانات التي يتم تحميلها، ويمكن أن تساعد في إنشاء التوقعات والتنبؤات بالاستناد إلى البيانات السابقة، كما يمكن أن تسمح للمستخدمين بتحديد الفواصل في سلسلة الإمداد، حيث أثبتت تحليلات البيانات هذه أن الميزات التي تتمتع بها البلوك تشين لا تقدر بثمن بالنسبة للشركات التي ترغب في تنمية أعمالها وتقليل نفقات سلسلة الإمداد.

  • تعزيز رضا المستفيدين Customer Satisfaction.

يمكن أيضًا استخدام تقنية البلوك تشين لتعزيز رضا حميع المستفيدين، كما يمكن لأصحاب الأعمال بسهولة استخدام قاعدة بيانات البلوك تشين لمعرفة أماكن إنتاج العناصر والشحن، من أجل بناء مخطط زمني لتسليم المنتجات إلى عملائهم، ولها أيضاً ميزة اجتماعية، حيث أن العلامة التجارية المنتجة، والتي تنشط في محاربة المصانع التي تقوم باستغلال العمال، قد تتيح لزبائنها فرصة الوصول إلى البلوك تشين، واطلاعهم على نموذج الموافقة على الوعي الاجتماعي، و اللوائح المنظمة.

مخاوف استخدام البلوك تشين في سلسلة الإمداد

بالرغم من كثرة المزايا التي يمكن أن تتحقق باستخدام البلوك تشين ، إلا أنها لا تزال هناك بعض العيوب، حيث أنها لا تزال جديدة وستستغرق بعض الوقت حتى تكسب ثقة الناس على نطاق واسع، كما أن الشركات من عادتها مقاومة التغيير في البداية، وخاصة عندما يكون التغيير كبير. وفيما يلي أكبر ثلاثة مخاوف مرتبطة باستخدام البلوك تشين :

  1. برمجة البلوك تشين معقدة وصعبة، ويتعين على الشركات تنظيم برامج تدريب مكثفة على البلوك تشين أو الاستعانة بمصادر خارجية للقيام بعملية البرمجة بواسطة طرف آخر.
  2. نظرًا لأن البلوك تشين تقنية عالمية، يجب أن تخضع في النهاية لمجموعة متنوعة من القوانين الدولية، وبمرور الوقت يمكنك أن تتوقع قيام المؤسسات التجارية بتوحيد استخدام البلوك تشين في سلسلة الإمداد بشكل أفضل.
  3. البلوك تشين تعتمد على تأثير الشبكة، فكلما زاد عدد الأشخاص الذين يستخدمونها، زادت قيمتها، وحتى تتمكن هذه التقنية من تحقيق النجاح المأمول منها، يجب على جميع الشركاء في سلسلة الإمداد استخدام المنصة باستمرار.

تقنية البلوك تشين تكتسب زخمًا في سلسلة الإمداد الغذائي

نشرت صحيفة وول ستريت جورنال مؤخراً مقالاً ذكرت فيه ما يلي: ” تقوم 12 شركة من أكبر الشركات في العالم، بما في ذلك وول مارت Walmart ونستله Nestle، ببناء بلوك تشين Blockchain لإعادة تشكيل كيفية تتبع الشركات العاملة في هذا النشاط للمنتجات الغذائية في جميع أنحاء العالم، وذلك بعد إجراء الاختبارات الأولية اللازمة.”

حيث أن قانون تحديث سلامة الغذاء، في حالته الراهنة، يشترط على الشركات في سلسلة الإمداد الغذائي أن تثبت قدرتها على تتبع السلع بشكل كامل من خلال آلية “خطوة إلى الخلف وأخرى إلى الأمام”، ويشير مصطلح “خطوة إلى الخلف” إلى المكان الذي جاء منه المنتج الغذائي، بينما يشير “خطوة إلى الأمام” إلى الجهة التي بيع لها، وللقيام بذلك، قد يضطر العديد من المشاركين للذهاب إلى السجلات الورقية لمعرفة المعلومات التي يجب توفيرها. وعندما تشق المنتجات الغذائية (الملوثة) طريقها إلى أرفف المتاجر، تصبح هذه العملية صعبة للغاية وتستغرق وقتًا طويلاً لمعرفة من أين جاءت هذه السلع الغذائية ومتى تعرضت للتلوث،.. إلخ.

وحال استخدام منصة البلوك تشين، فإن جميع المعلومات التي تحتاجها الشركات لمعرفة من أين يأتي الطعام السيئ، ستكون متوفرة في منصة مركزية واحدة عبر الإنترنت، ولن تضطر للبحث في السجلات الورقية، أو الاتصال بجميع مورديك على الهاتف، فقط يمكنك ببساطة البحث عن المعلومات في البلوك تشين، فالمشكلات التي كانت تستغرق معالجتها أيامًا أو أسابيع في الأحوال العادية، يمكن حلها في دقائق معدودة في ظل هذا النظام الجديد.

 عالم من الإمكانات A World of Potential

البلوك تشين تعمل بالفعل على إحداث ثورة في عالم المال والأعمال، وهي مسألة وقت فقط حتى يتم تبنيها في جميع قطاعات الأعمال الأخرى.

إن تقنية البلوك تشين هي تقنية الأجيال القادمة، وستسهم بكل تأكيد في تغيير الطريقة التي تجرى بها الأمور في هذا العالم، ففي بعض المجالات مثل سلسلة الإمداد، ستقوم تقنية البلوك تشين بتحديث نظام ظل سائداً منذ عقود طويلة من الزمن وستجعله أكثر موثوقية وأمانًا وشفافية.

المصدر: www.iqsdirectory.com