المقارنة المرجعية وسيلة التجسير بين الإدارة العامة وإدارة الأعمال

  • — الثلاثاء ديسمبر 10, 2013

 [*]

الإدارة كعلم وفن تقع حسب المدرسة القديمة بين مصطلحين احدهما يطلق عليه Administration مختصاً بالإدارة العامة أو الإدارة الحكومية والمصطلح الثاني Management مختصاً بإدارة الأعمال أو القطاع الخاص أو الإدارة الخاصة بالمصانع والتجارة والشركات الخاصة. وحسب المدرسة المعاصرة التي ترى أن الإدارة منهجاً واحداً ونهجها يختلف ما بين الإدارة الحكومية وإدارة الأعمال. ترى المدرسة المعاصرة أن اختصاص Administration يُعنى بالأعمال الإدارية التنفيذية بينما Management يُعنى بالإدارة العليا القيادية المؤسسة ومتخذي القرار.

ابتدء منهج ونهج المدرسة القديمة بالتفريق ما بين الإدارة العامة الحكومية وإدارة الأعمال التجارية والصناعية يضمحِّل منطقياً لولوج الحكومة شريكاً في الأعمال التجارية والصناعية في الدول النامية والناشئة وحتى المتقدمة على حد سواء. دخول الحكومة مؤسساً ومنمياً لشركات إدارة الأعمال أو القطاع الخاص أعطى الحكومة فرصة جوهرية لممارسة أفضل الممارسات في الإدارة بما جعل الإدارة العامة الحكومية و إدارة الأعمال الخاصة يندمجون معاً حسب المدرسة الجديدة ليصبح تعبير الإدارة هو الجامع لكلاهما معاً وخاصةً بعد بدء برامج ومناهج الخصخصة في بيع المشاريع والشركات الخاصة التي تمتلكها الحكومة إلى القطاع الخاص أو انتقالها إلى شركات مساهمة عامة تمتلك الحكومة جزء منها و الباقي أصبح مملوكاً لما أسميته الرأسمالية الشعبية أو الاكتتاب العام.

يتضح أن التخصيص أو الخصخصة قد أطلقت العنان لهذا التجسير ما بين الإدارة العامة وإدارة الأعمال، ولهذا أطلقت كذلك كبار الجامعات الأمريكية على كلية الإدارة بمعنى Management لتشمل الإدارة العامة وإدارة الأعمال، بمعنى التغيير من منهج ونهج كليتان احدهما للإدارة العامة والأخرى  لإدارة الأعمال. هذا التوجه الجديد فرضته المتغيرات السياسية بالتحول من مناهج الاشتراكية وولوج الحكومات مجال إدارة الأعمال في الصناعة والتجارة مما اكسب الجهاز البيروقراطي الحكومي وفرض عليه التعلم والتعامل مع مناهج ونهج إدارة الأعمال. كما أن تحول هذه الشركات بفعل التخصيص ومشاركة الحكومة في إدارة هذه الشركات على مستوى قياداتها العليا بعضوية بعض موظفي الحكومة بمجالس إدارات هذه الشركات المخصخصة ما جعل فكرة التجسير، بمعنى الترابط والتلازم والاندماج في الواقع العملي فرصة لصهر الإدارة العامة وإدارة الأعمال معاً ليصبح منهجها هو الإدارة العليا Management.

ومن منطلق فكري مرتبط بالمتغيرات التقنية وظهور الحاسوب والانترنت واقتصاديات المعرفة وكذلك ما اسماه دركر «عمال المعرفة» ما جعل الإدارة العامة بمعنى Administration للأعمال المكتبية المسماة كذلك إدارة المكتب أو البيروقراطية تبتدء بالانقراض شيئاً فشيئاً مما جعل الترابط في العمل المكتبي بفعل وجود الكمبيوتر ما بين الكتبة في الإدارة العامة وما يسمونه Back Office أو المكاتب الأمامية لتنفيذ الأعمال في إدارة الأعمال ما يجمعهم معاً بفعل وجود الكمبيوتر التي جعلت الإدارة بمعنى Administration  تضمحل ويبدء الترابط ما بين الإدارة العامة وإدارة الأعمال على مستوى المكاتب الأمامية ومكاتب الخدمات الخلفية لأن تتشابه فيما بينها في الإدارة العامة وإدارة الأعمال.

ومن منطلق تنفيذي ابتدء يرى النور باستحياء وبدرجات متفاوته في الدول المتقدمة ولكنه انطلق دون أي استحياء للخروج من عباءة البيروقراطية بإنشاء هيئات حكومية جديدة يتم تنظيمها حسب طرق وأساليب إدارة الأعمال من حيث تعيين مجلس إدارة وإعطاء الهيئة صلاحيات التعامل حسب منهج ونهج إدارة الأعمال من حيث إعداد الحسابات و مدققي الحسابات الخارجيين وكل الممارسات المرتبطة بإدارة الأعمال بما في ذلك إطلاق العنان لتعيين المواهب حسب أنظمة إدارة الأعمال خارج سلم الرواتب الحكومي.

ولم يبق مع كل الميكنة التي انتشرت في أجهزة الإدارة العامة الحكومية إلا إطلاق العنان للمنهج والنهج المحاسبي في إدارة الأعمال ليكون التجسير قد ابتدء مشواره التنفيذي. وكذلك في إطلاق العنان لمنهج ونهج المقارنة المرجعية لأن تبتدء جهاز الإدارة العامة بالأخذ بأفضل الممارسات من إدارة الأعمال ليكون هذا التجسير قد ابتدء يعطي ثمار الدمج ما بين الإدارة العامة وإدارة الأعمال.

الظاهرة الجديدة التي انطلقت من اليابان بدايةً وتم تبنيها في شركة زيروكس الأمريكية هي ما تم تسميته مصطلحاً جديداً بالعربية “المقارنة المرجعية”.

ظهرت ممارسات جديدة ومنفصلة ومميزة في إدارة القطاع الحكومي أو إدارة قطاع الأعمال الصناعية والتجارية وابتدء نقل أفضل الممارسات من دولة إلى آخرى ومن شركة إلى أخرى ومن هيئة نشاطية إلى نشاط آخر بعد نجاعها والحصول على عوائد متميزة فيها.

ابتدأت المقارنة مع أفضل ممارسة لمدرسة ابتدائية في السويد مع مدرسة ابتدائية أهلية في لبنان لرفع سوية المدرسة اللبنانية لتصل في ممارساتها إلى مستوى المدرسة السويدية وهنا ترابط ما بين القطاع الحكومي وقطاع الأعمال.

أن تقارن مستشفى أهلي في أمريكا مع مستشفى حكومي في مصر ليصل به إلى نقل أفضل الممارسات الأمريكية يؤدي إلى بناء هذا التجسير ما بين الإدارة العامة وإدارة الأعمال.

لم يعد هناك هذا التخصيص الحكومي في الإدارة العامة كما كان عليه قبل خمسون عاماً وبشموخه لما كان يسمى دولة الإدارة. تغير العالم كله وانتقل التركيز على الكفاءة والإنتاجية وتحقيق رضا الشعب بالحكومة الرشيدة وحوكمة الشركات كمفهوم واحد يجمع ويجسر الفوارق ما بين الإدارة العامة وإدارة الأعمال.



[*] تحقيق مجلة المدير العدد:137 | May 2012