«الذكاء الاداري الشامل: مراحله وتحولاته»

  • — الأربعاء فبراير 22, 2023

يظن كثير من المديرين (القياديين) أن عليهم إما أن يقودوا أو أن يديروا، ولكن هناك خطأ فلا يمكن للقيادة أن تقود دون إدارة ولا يمكن لإدارة أن تدير دون قيادة. فالمدير لا يقضي كل وقته في القيادة أو في الإدارة.

عندما يغلق المدير باب مكتبه ويمسك بالسجلات والملفات ويقرر إلغاء بعض البنود وتغيير بعض التنظيمات فهو هنا يمارس الإدارة، وفي أحيان أخرى يغادر المدير مكتبه ويتواصل مع مرؤوسيه ويستمع مقترحاتهم ويحفزهم على العمل، وهنا يمارس القيادة؛ فليس هناك من يستطيع أن يستغني عن الإدارة بالقيادة أو عن القيادة بالإدارة، ولابد للمدير أن يجمع بين القيادة والإدارة وهذه هي فكرة الذكاء الإداري الشامل.

Untitled

لقد أصبحنا بحاجة إلى جرعات متعادلة من القيادة والإدارة لكي نصل إلى الذكاء الإداري المتوازن، وعلى المدير أن يضفي على قدراته الإدارية مزيداً من القيادة الوجدانية، وعلى القائد أن يعادل قدراته القيادية بمزيد من الإدارة العقلانية.

الذكاء الإداري الشامل يخصص مجالاً للقيادة ومجالاً للإدارة؛ فلا يجب أن تحل واحدة منهما محل الأخرى، فالمدير الحق هو من يجعل عيناً يقضه على النتائج وعيناً حانية على الأفراد.

المراحل الإدارية المختلفة هي مفاهيم إدارية تتبلور عقب كل فترة زمنية، كمراحل للذكاء الإداري، والتي منها:

أولاً : الذكاء العقلي

تبلور مفهوم الذكاء العقلي (الذهني) في منتصف القرن الماضي فقد ثبت وجود فروق واختلافات بين الأفراد في الذكاء العقلي، وقد أمكن قياس هذه الاختلافات بوضع عدد من الاختبارات والمقاييس التي سميت مقياس معدل الذكاء IQ وبدأ المديرون يعتمدون على مقاييس الذكاء العقلي في اختيار الموظفين .

ثانياً : الذكاء الوجداني

في نهاية القرن الماضي ظهر مفهوم الذكاء الوجداني وعرفنا تأثيره الحاسم على إدارة الذات وإدارة العلاقات، مَثلَ الذكاء الوجداني بطاقة عبور الإدارة من عصر رأس المال الفكري إلى عصر رأس المال الاجتماعي وهكذا كان كل مفهوم جديد عن الذكاء يمثل بطاقة دخول إلى عصر إداري جديد.

ولكن الإدارة مازالت بحاجة إلى مفهوم يجمع كل مفاهيم الذكاء الإداري في مفهوم شامل بحيث يمكن التعامل مع الظاهرة الإدارية بمنظور متكامل يمزج الذكاء العقلاني بالوجداني؛ يقيس معدل الذكاء الذهني مقدرتك على الوصول إلى حلول منطقية للمشكلات الإدارية بينما يقيس معدل الذكاء الوجداني قدرتك على تنفيذ هذه الحلول وإقناع الآخرين بها، فليس هناك تعارض بين الذكاء الذهني والوجداني بل إن الاثنين يكملان بعضهما ، ومن الخطأ الفصل بينهما.

فالمدير لا يستطيع اتخاذ قرار صائب اعتمادا على الذهن وحده بل عليه أن يستشير قلبه ووجدانه أيضاً ولا يمكن للمدير أن يتخذ قراراً صائباً اعتماداً على القلب والوجدان وحدهما إذ عليه أن يزن قراره ببعض الحسابات العقلية، ومحصلة الدمج بين الذهن والوجدان هي ما يطلق عليه مصطلح الذكاء الإداري .

فماهو الذكاء الإداري؟

يمكن تعريف الذكاء الإداري انه مجموعة من المهارات والقدرات الذهنية التي تكفل لصاحبها إدارة المنظمة وتحقيق الأهداف بأكثر من طريقة ممكنة، ويتكون من القدرات التالية :

أ‌- ذكاء عقلي:

  1. ابتكار واكتشاف الفرص السانحة.
  2. تنظيم وهندسة العمليات والإجراءات.
  3. الوقاية من المشكلات قبل حدوثها.
  4. إدارة الأزمات .
  5. التخطيط الاستراتيجي.

ب‌- ذكاء وجداني:

  1. التعامل مع الأفراد( الموظفين والعملاء) والإنصات إليهم وفهم مقاصدهم
  2. مهارات القيادة والتفاوض والإقناع والتأثير على الآخرين وحفزهم
  3. البصيرة أو الحاسة السادسة والقدرة على استلهام السيناريوهات المتوقعة للأحداث .

ثالثاً : تكوين الذكاء الإداري :

ينبع الذكاء الإداري من تكامل شخصية المدير، ويؤثر على شخصية المدير من جميع المناحي والأبعاد ويتأتى تكوين الذكاء الإداري من العمل على تطوير واستخدام أربعة وسائل محددة تعمل داخل أربعة مجالات مختلفة بحيث ينتج عن تناغمها وانسجامها تكامل الشخصية الإدارية وارتقائها أعلى مستويات الذكاء الإداري، وهذه الوسائل الأربعة هي :

  1. رؤية : لاتكفي الممارسة أو الخبرة وحدها لاكتساب الذكاء الإداري، لابد أن تقترن الممارسة بوجهة نظر واعية ورؤية شاملة، تعكس مستوى متميز من التفكير الواضح والنضج الذهني والوجداني لدى المدير. هذه الرؤية تمكن المدير من اكتساب الثقة بالنفس التي يحتاجها لتخطيط أهداف مرحلية واضحة. فهناك فرق بين المدير الذي ينشغل بإجراءات تحقيق متطلبات محددة وبين المدير الذي يفهم الرؤية الكامن وراء تحقيق هذه المتطلبات .
  2. سلوك : يشمل مهارة إدارة الذات والوقت والمعلومات التي تسمح للمدير أن يرتقي إلى مستويات أعلى من الانجاز ليصبح قدوة لمرؤوسيه.
  3. فن الاتصال : أومهارات القيادة التي يهدف المدير من خلالها إلى التأثير في الآخرين وقيادتهم نحو تحقيق الأهداف المرجوة.
  4. التغذية الراجعة : تتمثل في الإنصات إلى أراء الآخرين حول انجازات المدير وجودة عمله ،يوفر هذا العنصر للمدير الجرعة التي يحتاجها من النقد الذاتي والتي تعمل على تأكيد أن تتحول إلى ثقة بالنفس، وتمثل التغذية الراجعة عنصراً أساسيا من عناصر التطوير والتحسين .

رابعاً : تحولات الذكاء الإداري :

القواعد والمبادئ تحدد لنا طريق السير نحو غايات نرجوها وأهداف نحققها، فهي خرائط لتوجيه أفكارنا وسلوكياتنا للتطابق مع مانسعى إليه. وفي الذكاء الإداري توجد ستة تحولات أساسية تنتقل بالمدير العادي إلى مستوى الذكاء الإداري الراقي وهي:

التحول الأول : التواضع الاداري؛ من الكبرياء إلى التواضع

القرارات الصحيحة هي التي يتوفر فيها عنصر الشورى ويشترك الآخرون في صناعتها ، فهي تصدر بمشاركة أكثر من شخص وتتجنب مخاطر ضيق الأفق التي قد تميز القرارات الفردية، وبصفة عامة تكون القرارات الجماعية التي يقرها الفريق أكثر قابلية للتطبيق والنجاح من القرارات الفردية، وذلك بسبب استعداد أعضاء الفريق للالتزام بالقرار ومساندته. إن أفضل القرارات هي التي تصدر في بيئة مفتوحة لا يخشى أصحابها مخالفة رأي المدير، وعلى المدير أن يتذكر أن دائماً أن الغرض من اجتماع الموظفين ومشاركتهم هو توليد قيمة حقيقية للمنظمة وما تقدمه من خدمات للمستفيدين ، وليس خوض معارك أو صراعات شخصية بين الموظفين.

عليك كمدير أن لا تخلط التحفيز بالتملق أو التشجيع الأعمى؛ فالتملق والتشجيع الأعمى وسيلتان سلبيتان، أما التحفيز فغاية إيجابية. فلا تقع في مصيدة تحقيق غاية إيجابية باستخدام وسائل سلبية فالمدير الذي يتملق موظفيه ويتغاضى عن أخطائهم بغرض تشجيعهم لا يتمتع بأي ذكاء إداري، فالتملق والتشجيع الأعمى يستهدفان استرضاء الكبرياء لا التحفيز. فالتحفيز الحقيقي يقتصر على تنمية الايجابيات دون أن يسقط في مصيدة تجاهل السلبيات والتغاضي عن الأخطاء .

التواضع الإداري هو نقل التركيز من الذات [أنا] إلى الفريق [نحن] فهو محاولة للانتقال من دائرة الأنانية الضيقة إلى دائرة الموضوعية الواسعة .

التحول الثاني : من الإجابة الجاهزة إلى الأسئلة الحافزة

يهدف هذا التحول إلى الخروج بعقلية المدير من صندوق الإجابات الجاهزة، فهذا الصندوق يقيد القوى الابتكارية لدى المدير ويجعله يستبدل الفضول بالخمول، وهنا تصبح التحركات الإدارية مجرد إجراءات روتينية معتادة، وتبقى البدائل دون تجريب أو استكشاف .

كثيراً ما تكون الخبرة الطويلة عائقاً في سبيل تعلم مهارات جديدة أو تبني أفكار غير مسبوقة فالفترة الطويلة التي يقضيها المدير معتاداً على تقديم حلول محددة وناجحة لأسئلة بعينها تدفعه إلى البقاء في نفس دائرة المعرفة التي اكتسبها، فيكون الركود وعدم التجديد. ومن الممارسات المجدية في هذا التحول :

  • الإنصات بدلاً من الإلقاء لأن المنصت يكتسب علماً جديداً.
  • توليد إجابات جديدة.
  • ربط المكافآت والتحفيزات بالتساؤلات والمناقشات بدلاً من ربطها بالانقياد الأعمى للقرارات.
  • تشجيع الاختلاف … لا الخلاف.
  • مساندة الوفاق … لا الاتفاق .

التحول الثالث : من التركيز على الحلول إلى التركيز على المشكلات

عندما تركز المنظمة على الحلول وتنشغل بتقديمها للمستفيدين فسوف تتجمد المنظمة وتبقى على نفس الخدمات التي تقدمها المنظمة لعملائها أو المستفيدين دون تطور. (فالثبات عند نفس الحلول هو حال الكسل)

أما المشكلات فهي دائماً تبقى ولا تنتهي فكلما انشغلنا بالمشكلات والتركيز عليها تولد لدينا العديد من الحلول الجديدة. الذكاء الإداري يساعد المدير على النظر إلى الحلول على أنها وسائل للتعامل مع المشكلات فهي ليست نهائية ويجب البحث عن وسائل أخرى (أو حلول) أفضل منها دائماً. الانشغال بالحلول يؤدي إلى الانشغال بمعالجة انحرافات الحلول، أما الانشغال بالمشكلات فيؤدي إلى معالجة تطورات المشكلات.

التحول الرابع : من الأحاسيس إلى المقاييس

الذكاء الإداري يدفعنا إلى التحول من المخاطرة إلى المعايرة، ومن الاعتماد على الأحاسيس إلى الاعتماد على المقاييس، فعلى المدير المعاصر أن يلم بكل ما يمكنه من مقاييس إدارية. ( أن تقيس وتعيد القياس مرة تلو الأخرى . خير من أن تهدم البناء ثم تعيد بناءه المرة تلو الأخرى)

التحول الخامس: من الممكنات إلى الغايات

يتميز الذكاء الإداري بقدرته على المفاضلة بين عدد من البدائل الممكنة، فهو لا يجد نفسه مجبراً على التحرك باتجاه محدد نتيجة لانعدام البدائل في بقية الاتجاهات، فالذكاء الإداري لا يتحرك بالمصادفة، بل يضع غايات محددة، ويجزئها إلى أهداف مرحلية ثم يشرع في العمل للوصول للغاية المحددة. ( لا تشرع بالعمل هرباً من الكسل، بل خطط تحركاتك وحدد خياراتك وارسم مسارك)

التحول السادس : من الإدارة الموقفية إلى الإدارة مابعد الموقفية :

ظهرت نظرية الإدارة الموقفية في الإدارة الحديث وهي تتلخص في عدم الاحتكام إلى مبادئ إدارية ثابتة بل تتغير الأحكام والاستجابات طبقاً لظروف الموقف نفسه، وتسعى الإدارة الموقفية إلى إكساب الإدارة المرونة اللازمة للتعامل مع المواقف المختلفة، دون تقييدها بمبادئ وقوانين ثابتة لا تتفق مع الموقف، وهذه النظرية أثرت على علم الإدارة ولكن إذا كان الهدف من الإدارة الموقفية هو مرونة التعامل مع الموقف الحالي أو الواقع الحالي فقط فإن الانشغال بالواقع الحالي عن الواقع المستقبلي خطأ إداري، يعلمنا الذكاء الإداري أن الإدارة يجب أن تعمل وتتسع لتشمل الموقف الحالي وما بعد انقضاء الموقف الحالي. (لتحل الإدارة ما بعد الموقفية محل الإدارة الموقفية)


*[ مختصر ورقة قيمة من إعداد الأستاذ سليمان بن عبدالله الطعيسي]

1

  1. ممكن تحطوا دراسات كامله حول الدكاء الاداري و اثره في تحسين جودة الخدمات الصحيه
    و شكرا

Comments are closed.