إستراتيجية الفقر العربي

  • — الأحد فبراير 02, 2014

| د. إبراهيم المنيف |

لازلنا في العالم العربي نعتبر الإستراتيجية والتشغيل أوالتنفيذ صنوان وكأن التفكير الاستراتيجي عند العرب هو أمر تشغيلي وتنفيذي أدى بنا إلى كوارث لا تُغتفر ولا صلة له بادراك أهمية التخطيط وتشكيل والتنبوء بالمستقبل واحتمالاته. ما جعلني اهتم بهذا المساق ما هو ملحوظ الآن في كل العالم العربي من تخبط نتيجة هبوب رياح الربيع العربي التي أفسدها انعدام النظام والتنظيم والانضباط. انفقدت البوصلة وضاع الاتجاه كما فقد العالم العربي التوجه نحو الأولويات. الأولويات تعتبر الآن فقط الأساس الاستراتيجي الذي نحن بصدده.

لسنا في مجال الأولويات أن نبحث عن الكوارث الاقتصادية التي ألمت بالعالم المتقدم وأثرت علينا في العالم العربي، لأن هذه الأزمة المالية العالمية لها تداعياتها ونستطيع أن نتعافى عندما تتعافى هذه الدول المتقدمة والناشئة في المستقبل. الأكثر أهمية على العالم العربي اليوم في تحديد الأولويات الإستراتيجية لتكوين نواة مرتبطة في خلق النظام والتنظيم والانضباط. نحن بحاجة أكثر من ماسة كأولوية استشعار هذه الثغرة من الفوضى التي أطلق عليها الغرب في تشكيل الشرق الأوسط الجديد «الفوضى الخلاقه» بأن تكون خلاّقة بالفعل من منطلق نظامي وتنظيمي وانضباطي لأن ترك الأمور تسير باتجاه هذه الفوضى لا يدع مجالاً لأي إعداد ذهني تفكيري لأي إستراتيجيه.

للتبسيط الممل، الإستراتيجية هي رؤيا في ذهن وقلب القائد إن كان إدارياً أو سياسياً أو عسكرياً، هي حلم وهي نوايا ذهنية فكرية مستقبلية يحلم القائد بأن يتمكن من تحقيقها. هكذا بكل بساطة وتواضع دون أي ولوج لترجمة الرؤيا إلى رسالة وأهداف وغايات ووسائل وتصاميم وبدائل ناهيك عن انتقال الإستراتيجية إلى مرحلة التنفيذ. الثغرة التي أذهلتني حتى الآن أن إستراتيجية الفقر ليس لها قائد فكري ذو رؤيا وحلم يرى إمكانية تحقيقه بعد عشر أو عشرون عاماً كرسالة هادفة للقضاء الجذري بتؤدة وبخطوات تنفيذية للقضاء على هذا الفقر.

إستراتيجية الفقر مقصود منها كأولوية القضاء التدريجي على الفقر باستيعاب جذوره ومن ثم تحديد الأولويات التي قد تساعد على القضاء على جذوره تدريجياً. المشكلة الأزلية هنا أو لنقل الثغرة القيادية أن هذه الإستراتيجية للقضاء على الفقر ليست جزء من مهام القطاع الخاص بما نعرفه علمياً بالإستراتيجية الإدارية للشركات مثلا. وليس لها ارتباط مباشر بالبيروقراطية الحكومية إلا من خلال البرامج المسكنة في الصرف على بعض بؤر الفقر خجلاً واستحياءً كمهمة من مهام الدولة؛ اقصد أننا لم نتمكن حتى الآن من تحديد جهة محددة مسئولة عن إعداد إستراتيجية الفقر وتحديد ادوار المجتمع المدني والقطاع الخاص والقطاع الحكومي كل على حده وأولوياته وممارساته السنوية وعلى مدى خطة (25) عاماً للقضاء على هذا الفقر.

يجب أن افتتح إستراتيجية الفقر هذه بان جذور وأسس كل ما يحدث في عالمنا العربي بثوراته الظاهرة والباطنة منبعه هذا الفقر لا محالة. لا نحتاج إلى علماء الاجتماع لأن يبحثوا عن ظاهرة الحركات التظاهرية والعصيانية والاجتماعية التي حدثت في تونس ومصر واليمن وسوريا ليثبت لنا ما هو ثابت بأن جذورها وأساسها ومنبعها هذا الفقر الذي استشرى دون أي محاولة جادة لإعداد إستراتيجية للقضاء عليه. الفقر سرطان يقضي على المروءة والعقل و أدى إلى هذه الكوارث في فقدان الانضباط الذي هو أساس الحضارة.

أؤكد أن رؤيا القيادات السياسية الخيرة بعد كل ما حدث من ثورات قد تم التخطيط لها قطريا من الجهة النشاطية المختصة بالتخطيط كوزارة التخطيط بان يتفرغ عدد من أخصائيها المخططين للعمل على إعداد إستراتيجية للقضاء على الفقر في كل قطر عربي. يتم بعدها تبادل الأفكار والمنافع بالمقارنة المرجعية لنقل التجارب الجيدة بين أقطار العالم العربي وصولاً إلى إعداد هذه الاستراتيجيات العربية كل على حده وانتقالها إلى حيز التنفيذ.

إنها مناداة بديلة لأن ننتقل من إعداد إستراتيجية من شركة استشارية إلى جهة حكومية معينة، بأن تكون أولوياتنا إعداد إستراتيجية للقضاء على الفقر لكونه هو المهيمن والأساس الذي أحدث كل هذه الحركات الغير انضباطية. لسنا في مجال إثبات آثار الفقر الذي قد توصل الأنسان لخروجه من إنسانيته؛ هذا موضوع متفق عليه ولا يحتاج إلى جدل. إن القضاء على الفقر مصدر الكرامة والمروؤة والحضارة والتطور وبدونه لا جدوى من كل العناصر الأخرى.

إعداد وتصميم الإستراتيجية كمنهج معاصر ظهر في العالم المتقدم منذ عشرون عاماً ابتدأ من الشركات العالمية المتعددة الجنسيات العملاقة والمعروفة والتي تصل مبيعات بعضها إلى ميزانية عشر دول نامية. هذا المنهج ابتدأنا نراه ينطلق كذلك في الهيئات الكبرى والجامعات العالمية والمنظمات العالمية وحتى الإقليمية. لم نرى مناهج أو حتى نهج كوسيلة تعليمية يتم تطبيقها في المقارنة المرجعية لإعداد وتصميم إستراتيجية وطنية للقضاء على الفقر. اثبت لنا الربيع أو حتى الخريف العربي أن ثوراته في تونس ومصر واليمن وسوريا هي ثورة ضد الفقر قبل وبعد و فوق كل شيء. آن لنا أن نحدد الجهة الحكومية في كل دولة عربية على حده، وهذه الجهة المركزية القادرة على جمع وترتيب عناصر هذا الفقر ومن ثم تحديد الرؤيا والرسالة والهدف وإعداد خطة طويلة المدى لمدة عشرون عاماً مع البدء بالأولويات وصولاً في نهاية العشرون عاماً القادمة للقضاء على الفقر. كفانا تجاهلاً لهذه الجهة المركزية القادرة على الإلمام بهذا المساق الذي يتم من خلاله بناء النظام والتنظيم والانضباط الذي أصبح اليوم فلتاناً غير مقبول أمام هذا التوجه العربي الجديد.

مجلة المدير | العدد:136-April 2012