الثقافة تلتهم الابتكار

  • — الجمعة سبتمبر 26, 2014

قامت شركة “فورد” للسيارات بالترويج لعبارة “بيتر دراكر” “الثقافة تلتهم الاستراتيجية في وجبة إفطار”. وقد ظلت الشركة منذ عام 2006م، تروج للكثير من أفكار “دراكر” التي تتحدث عن قوة الثقافة، بل تقوم بتعليق الاقتباسات من أقوال “دراكر” في جدران غرف اجتماعاتها. ويمثل هذا الاقتباس اعترافا قويا بأن الثقافة من العوامل الرئيسة التي تسهم في نجاح أو فشل الاستراتيجيات. وبينما لا يزال الاقتباس مناسبا جدا لاستراتيجية الشركة، فقد ظهر الآن خيار لوجبة ألذ وأكثر حداثة للثقافة: وهو الابتكار.

الابتكار عنصر ضروري لنمو ونجاح أي مؤسسة في المستقبل؛ فكلنا يسعى إلى تطوير منتجات وخدمات جديدة. ولكن تماماً مثلما تبتلع الثقافة الاستراتيجية بسرعة كبيرة، يمكنها أيضاً التهام محاولة أو برنامج الابتكار بالسرعة نفسها. وإذا كانت المنظمة غير مستعدة للتغيير أو لاتباع طرق وأساليب جديدة للقيام بعملها، فإن الثقافة لن تكتفي في هذه الحالة بمجرد التهام الاستراتيجية في وجبة الإفطار، بل ستأكل الابتكار في وجبة الغداء والعشاء.

تعريف الثقافة

يمكن تعريف الثقافة بأنها المعرفة والخبرة والمعتقدات والمعايير والمواقف والمفاهيم التراكمية المرتبطة بمجموعة من الناس أو بمنظمة بعينها. ولعل أفضل تعريف للثقافة هو : “الطريقة التي نؤدي بها الأمور”. الثقافة هي البيئة الحيوية التي تزدهر وتنمو فيها الأفكار أو تذبل وتموت.

رعاية الإبداع

الفكرة الجديدة مثل البذرة التي تريد المنظمة أن تنمو لتصبح شجرة مزدهرة يمكن أن تثمر فاكهة لعملائها والمساهمين فيها. والفكرة مثل البذرة تماماً، لا تنمو في الفراغ. ولابد للأفكار أن تنمو ضمن بيئة وثقافة المنظمة. فمثل حاجة البذور إلى التربة المناسبة والضوء والرطوبة والهواء، فإن الأفكار المبتكرة تحتاج هي الأخرى إلى توليفة مناسبة من العوامل التنظيمية لمساعدتها على النمو حتى تؤتي أُكلها.

الأفكار عادة لا تنمو من تلقاء نفسها، فهي تحتاج إلى قيادة تقوم بتوجيهها ودعمها، وتحتاج إلى أناس ملهمين لرعايتها، وعمليات لمساعدتها على الانطلاق، كما تحتاج إلى الربط الاستراتيجي حتى تكتسب المزيد من الزخم لدى المنظمة، وتحتاج أيضاً إلى الاتصالات التي تناسب المنظمة، واستراتيجيات للسوق حتى يتم إطلاق الأفكار بنجاح.

يمكن للبذور أن تنمو حتى تصبح في نهاية المطاف أشجارا كبيرة تقدم ثمارها الطيبة للعملاء، وللمنظمة، لكن فقط مع التركيبة المثلى من الهواء والماء والتربة والضوء. وبالمثل، لابد للأفكار أن تجد التوليفة المناسبة من الثقافة التنظيمية من أجل رعايتها حتى تنتج القيم.

عثرات “كوداك”

التاريخ مليء بنماذج كثيرة للشركات التي كانت تمتلك أفكارا عظيمة، لكن لم تكن لديها الثقافة التنظيمية اللازمة لمساعدة تلك الأفكار على النمو. ومن أحدث الأمثلة المأساوية لابتلاع الثقافة للابتكار، الانهيار السريع لشركة “كوداك” التي كانت تعد من أقوى الشركات في يوم من الأيام. فتحت عنوان “اللحظات الأخيرة لشركة كوداك” نشرت صحيفة “الإيكونوميست” البريطانية مقالا يصور “كوداك” بدقة على أنها كانت مثل شركة “جوجل” في ذلك الوقت، ولكن ثقافة “كوداك” لم تكن تسمح للاختراعات والاكتشافات أن تزدهر، وكانت شركة “كوداك” مهيمنة على الأسواق لأكثر من 100 عام، وفي مرحلة معينة كانت تحتكر سوق السينما في الولايات المتحدة، وقامت الشركة بتوسيع هيمنتها بتطوير أول كاميرات رقمية في عقد السبعينيات من القرن الماضي، وقامت بالاختراع، وحصلت على براءة الاختراع في المستقبل لتصبح حجر الزاوية في عالم التصوير الفوتوغرافي، لكنها فشلت في مساعدة تلك الأفكار حتى تنمو.

لقد امتلكت شركة “كوداك” بذور مستقبل التصوير الرقمي، ولكن الثقافة التي كانت سائدة في الشركة لم تكن قادرة على زراعة أفكار جديدة، وكانت الشركة راضية بالنجاح الذي حققته في إنتاج أشرطة التصوير، لكنها لم تكن قادرة على التكيف مع نماذج الأعمال المختلفة. وعلى الرغم من أن المسؤولين التنفيذيين في الشركة حاولوا التكيف بعد أن رأوا الكتابة على الجدران، وسوق الأشرطة التي بدت تتراجع سريعا ، وخلال فترة وجيزة أعلنوا إفلاس الشركة في يناير من عام 2012م. الفشل الذي حظي بتغطية إعلامية واسعة للشركة لم يكن فشلاً للفكرة، لأنها كانت تمتلك الأفكار، ولكنه كان فشلا للثقافة. لم تكن ثقافة “كوداك” قادرة على تفعيل وإطلاق الأفكار، وهو الأمر الذي سيسهم في النهاية في زوالها.

وبالمثل، هناك الكثير من الشركات التي تستطيع التعرف على الأفكار الناشئة، ولكن لا تستطيع أن تجعلها تنمو حتى تحقق ابتكارات مثمرة. هذه هي الطريقة التي تستجيب المنظمة من خلالها لتلك الأفكار التي تحدد ما إذا كانت الأفكار يمكن أن تنتج قيمة أم لا.

ثقافة تصنع القيمة

على الرغم من أن الثقافة غالبا ما يتم تجاهلها، إلا أنه لا بد من الاعتراف بها ومعالجتها، وذلك حتى تحقق الشركة نجاحا كبيرا ويمكن تكراره. الأفكار عادة تحصل على الكثير من الإشادة ولكن من دون ثقافة داعمة، ستذبل حتى تموت.

عليك أن تسأل أي مزارع، ما الذي يجعل تلك البذور تنمو، فيحدثك عن المناخ، والتربة الخصبة، وكمية الرطوبة، والضوء. والفلاح يتعامل بعناية مع هذه العوامل البيئية ليستعين بها على نمو ثمرته، فبذوره لا تنمو بدونها.

الثقافة هي الجانب الأكثر إهمالاً للابتكار والأفكار الجديدة. وبغض النظر عن حجم الفكرة أو أهميتها، إذا لم تكن المنظمة مستعدة لدعم الفكرة حتى تنمو وتنتج القيمة، فإن الثقافة ستلتهم الابتكار في وجبة الغداء.

المصدر: www.innovationexcellence.com