حول الفساد !

  • — الثلاثاء أكتوبر 21, 2014

الفساد بمعناه العام موجود في كل مكان على هذه البسيطة، وبعض الدول لديها آليات محددة تمكّن الناس والإعلام من الحديث عن الفساد والفاسدين وفضحهم، وتقديمهم للمحاكم ومعاقبتهم في حالة إدانتهم، كما يقوم المفترَى عليه (المتهم) -إذا ما أثبت براءته- بمقاضاة ومعاقبة المفترين عليه، وهو حق -مع الأسف- أصبح شبه مفقود في دوامة التراشق بالتهم في دولنا العربية والإسلامية، وأصبح يهدد بتدمير السلم الاجتماعي داخل المجتمع الواحد.

لكن من المسؤول عن تفشي الفساد ؟ وهل من حل؟

يكثر الحديث عن الفساد الذي بلغ حداً جعل البعض يتخذ منه ذريعة لشن هجوم مسوغ أو غير مسوغ على جميع أجهزة الحكومة والعاملين فيها بلا استثناء، ولاشك أن هناك “فسادا”، ولكن يجب ألا نوزع الاتهامات كيفما اتفق، ففي عصر الإشاعة والخدع التقانية المتطورة يسهل تلفيق التقارير والوثائق المزيفة وبث الإشاعات على أوسع نطاق ضد الأبرياء، أو المبالغة في حجم الفساد إن وجد، كذلك من الملاحظ أن الكثير من الناس يصدقون كل ما يقرؤون ويسمعون، ويعملون على تعميمه؛ دون إعمال لعقولهم في التمييز بين الحقيقة والزيف، خاصة عندما يكون هناك صراع بين قوى متنافسة داخلية وخارجية؛ بحيث تشن حملات واسعة لتشويه الصورة وكيل الاتهامات وبث الإشاعات. وقد يبلغ الأمر حداً يلجئ البعض، إلى استئجار جهات وتشغيل أشخاص؛ لنشر أخبار ملفقة ووثائق مزيفة على شبكات التواصل الاجتماعي وغيرها؛ ليتم اغتيال المتهم بالفساد معنويا بدلاً من إبراز الأدلة ضده، والمطالبة بمحاكمته ومحاسبته قانونيا.

أما إذا قامت السلطات بالقبض على المتهم ومحاكمته وأصدر القاضي حكماً لا يوافق هوى البعض؛ فإنهم يبادرون باتهام القاضي بأنه مسيَّس وعميل، وأنه أذعن للضغوط، وخان  القضاء…إلخ. بل قد يبلغ هذا الوباء حداً يجعل من يحذر من توزيع الاتهامات وترويج ونشر الافتراءات بدون دليل؛ يتعرض للشتائم والاتهامات بالتخلي عن الحق و نصرة الباطل، وتحيله مدافعا عن المفسدين؟!!

لذلك؛ وفي هذه الأجواء؛ تكون مصداقية معظم التهم الموجهة ضد هذه الجهة أو تلك، أو هذا الرجل أو ذاك؛ في دائرة الشك ما لم تثبت بالدليل القاطع. وعلى العاقل أن لا يصدق كل ما يسمع ويقرأ إلا بعد تمحيصه بحيادية؛ ليعرف الحق من الباطل؛ وإلا سنكون ممن يسهم في تضليل الناس والكذب عليهم.

أسباب الفساد

يعتبر “الفساد” ظاهرة عالمية ابتليت بها جميع الشعوب دون استثناء، وهناك عدة عوامل لذلك منها :

أولاً؛ عدم وجود استقلالية تامة للسلطة القضائية يؤدي الى إحساس الناس بعدم وجود عدالة، وينظر للقضاء على أساس أنه سيف مسلط على رقابهم قبل أن يكون وسيلة لحمايتهم، وللقانون على أنه ليس إلا وسيلة لحماية أصحاب النفوذ؛ فلا يتوانون عن كسره والتحايل عليه، وهو ما يزرع سلوكيات أخلاقية غريبة، تدمر روح المسؤولية لدى شريحة واسعة من الناس، وبالتالي يساهم في تدمير النسيج الاجتماعي.

ثانياً؛ النظم الإدارية العامة لها دور في انتشار الفساد، فعدم تحديد المهام والواجبات وإيضاحها بدقة في الأجهزة والجهات الحكومية؛ أعطى الفرصة للكثيرين للتهرب من المسؤولية وإلقائها على الآخرين. كما أن تعقيد الإجراءات يدفع بالكثيرين إلى اللجوء الى وسائل غير مشروعة لتسهيل أعمالهم، ويُعطى لضعاف النفوس من الموظفين الفرصة لابتزاز المواطنين.

ثالثاً؛ عدم وجود آلية واضحة وسهلة ومأمونة للإبلاع عن الفساد وحماية النزيه وفضح الفاسد، وضعف الرقابة الذاتية في الأجهزة الحكومية؛ شجع بعض الموظفين على المضي قدماً في ارتكاب أفعال الفساد بلا رادع.

رابعاً؛ انخفاض الدخل وسوء توزيع الأجور وعدم ربطها بالكفاءة والنزاهة؛ جعل بعض ضعاف النفوس يسوغون لأنفسهم؛ بغير وجه حق؛ التربح من وظائفهم حتى يحصلوا على زيادة في الدخل.

خامسا؛ المركزية والفردية وعدم الوضوح (الشفافية) في إدارة الشأن العام؛ يسرت لبعض الفاسدين اتخاذ قرارات وتطبيق سياسات تحقق مصالحهم الشخصية أو مصالح الفئات التي ينتمون إليها؛ في ظل عدم إشراك أو استشارة الأشخاص المتأثرين بهذه القرارات أو تلك السياسات.

سادساً؛ التقبل الاجتماعي للفساد، والثقافة الانهزامية أمامه؛ كالنصائح وبعض الفتاوى الخاصة التي تبيح دفع ما يسهل الأمور لرفع الضرر، وحل أي مشكلة؛ جعلها عادة مقبولة ووباء وصل إلى درجة عدم التفكير في مواجهة الفساد أو حتى الإبلاغ عنه.

إذن ماهو الحل؟

لا يوجد حل سحري وسريع لمعالجة “الفساد”، وهو أكبر من شخصنته وإلباسه لشخص واحد في قمة المسؤولية، كما لا يمكن حل معضلته عن طريق كيل التهم والأكاذيب والافتراءات بدون دليل.

إن معالجة قضايا الفساد تحتاج إلى وقت، وإلى تضافر جهود كل الخيرين من أبناء البلد الواحد، مع اتخاذ إجراءات حاسمة ورادعة ضد الفاسدين مهما كان حجمهم وثقلهم، وإلى إيجاد آليات مراقبة شديدة من قبل الحكومة لمراقبة ومحاسبة وفضح كل من تثبت التهم عليهم. كما يجب شن حملة ثقافية واسعة تستخدم فيها جميع الوسائل وتشارك فيها جميع أطياف المجتمع.

كذلك هناك دور أساس لكل من يتعامل وله مصالح مباشرة مع الدوائر الحكومية في مقاومة الفساد ومحاربتة، وإن على الشخص الذي يطالبه الموظف بدفع رشوة أن لا يغض طرفه عنها مهما كانت صغيرة؛ بل عليه بذل ما في وسعه لفضح هذا الموظف بإبلاغ أجهزة وهيئات الرقابة؛ التي يجب عليها أن تقوم بالتحري وإرسال مخبرين كمراجعين -يمكنهم التزود بكاميرات خفية- للضبط والتوثيق والكشف عن الفاسدين.

ولا شك أن هناك وسائل أخرى لمحاربة الفساد. ولكن بدون التحرك، واتخاذ الإجراءات والوسائل العملية؛ سيبقى الفساد  مُهددا للسلم الاجتماعي لأي دولة .