تنازع حول ورقتين بحثيتين متشابهتين متعلقة بفيروس كورونا

  • — الأربعاء يونيو 18, 2014

يقول الباحثون أن فيروس الإبل الذي ورد وصفه في ورقة نشرت في مجلة نيو إنغلاند الطبية (NEJM ) الاسبوع الماضي قد يكون نتيجة لتلوث في المختبر.

الكاتب: كاي فريشميدت

هناك قصة كبرى يمكن أن تحكي مرارا وتكرارا عن هذا الموضوع. ولكن العلماء الذين يبحثون في فيروس متلازمة الشرق الأوسط التنفسية (MERS)، محتارون بين ورقتين ظهرتا منفصلتين في المجلات العلمية، ولا تتحدثان عن نفس الموضوع فقط، ولكن أيضاً تستندان إلى بيانات نفس المريض في المملكة العربية السعودية.

هذا النشر المزدوج- جاء الأول في مجلة الأمراض المعدية الناشئة (EID)، ثم تلاه الآخر في وقت لاحق في مجلة نيو انغلاند الطبية (NEJM )، مما أثار حفيظة النائب السابق لوزير الصحة في المملكة العربية السعودية، د. زياد ميميش، ضد أخصائي الأمراض المعدية بجامعة الملك عبدالعزيز في جدة، د. طارق مدني، الذي أصبح مؤخرا كبير مستشاري الحكومة السعودية لفيروس كورونا – أو متلازمة الشرق الأوسط التنفسية. وهناك أيضاً عالم الفيروسات الألماني كريستيان دروستن من جامعة بون، الذي ساهم في الموضوع، حيث كان مشارك في ورقة ميميش.

وما يجعل الأمر أكثر تعقيداً، أن خلاصة الورقة تقول أن العديد من العلماء، بما فيهم الالماني دورستن، يعتقدون أن القول بأن فيروس كورونا انتقل من الإبل إلى الإنسان في أحد المزارع السعودية معيب وغير صحيح. ولكن الراجح أنه جاء نتيجة لتلوث في المختبر.

يقول إيان ماكاي، عالم الفيروسات في جامعة كوينزلاند، في سانت لوسيا، في أستراليا، الذي سلط الضوء لأول مرة على أوجه الشبه بين الورقتين في مدونته: هذه القضية مثال آخر على السياسة المعقدة التي صاحبت البحوث التي أجريت حول فيروس كورونا في المملكة العربية السعودية. إنها تجسد كل ما جرى حول هذا الفيروس: الاتصالات كانت سيئة للغاية.”

ويضيف مايكل اوسترهولم، مدير مركز بحوث وسياسات الأمراض المعدية في جامعة مينيسوتا: “هذه مسألة أكبر بكثير من مجرد نشر مزدوج. بل هي دلالة على الضعف الشامل في البحث العلمي الذي يتم حتى الآن في المملكة العربية السعودية”.

الورقة التي نشرها كل من ميميش ودورستن، والتي نشرت في مجلة الأمراض المعدية على الانترنت يوم 20 مارس، ذكرت أن مريضاً بفيروس كورونا من جدة، أصيب بالمرض في أكتوبر 2013 بعد أن قام برعاية جمال مريضة في قطيعه الذي يتكون من تسعة جمال. وخلص مؤلفا الورقة إلى أن هذا المريض، الذي توفي في وقت لاحق، ربما اصيب بالعدوى عن طريق الجمال، بالرغم من أنهما لم يتمكنا من استبعاد فرضية أن الجمال وصاحبها قد اصيبوا بالعدوى عن طريق مصدر ثالث لفيروس كورونا.

وفي يوم 4 يونيو، نشرت مجلة نيو انغلاند الطبية (NEJM ) ورقة أعدتها جامعة الملك عبد العزيز بالتعاون مع مركز الملك فهد للبحوث الطبية بواسطة طارق مدني وزملاؤه، والتي تصف نفس المريض. حيث تضمنت الورقة تسلسل الجينوم الكامل للفيروسات المعزولة من الإبل والمريض، وبناء عليه خلص الباحثون إلى أن الرجل على الأرجح اصيب بالعدوى عن طريق جماله.

مدني، وهو رئيس اللجنة الاستشارية لفيروس كرونا بوزارة الصحة، أكد لمجلة (ScienceInsider) أن الورقتين تصفان القضية نفسها. وكتب في رسالة إلكترونية بعث بها إلى المجلة “كان هذا المريض تحت إشرافي في مستشفى جامعة الملك عبد العزيز، حيث إدخل الرجل إلى المستشفى يوم 3 نوفمبر وحالته متدهورة. يقول مدني إنه بعد أن علم بأن الراعي كان يعتني بإبل مريضة، بعث بفريق من الأطباء البيطريين ومختصين في الفيروسات إلى مزرعة الرجل لجمع عينات في يوم 8 نوفمبر. كما قام مدني بإخطار وزارة الصحة -حيث ميميش يعمل- عن شكوك قوية في أن الجمال قد تكون هي المصدر. ويقول مدني، وبحلول يوم 10 نوفمبر، تمكنت مجموعته من اكتشاف الفيروس لدى المريض وفي واحدة من الإبل.

وفي اليوم التالي، أعلنت وزارة الصحة بأن مصدر العدوى جمل انتقل منه الفيروس للإنسان، وذلك دون الإشارة الى مجموعتنا باعتبارها صاحبة الفضل في هذا الاكتشاف أو على الأقل لمؤسستنا”. وعلى حد قوله. يقول مدني أنه كتب شكوى رسمية لرئيس جامعته، الذي نصحه بنشر النتائج في أسرع وقت ممكن.

غير أن ورقة مدني في مجلة نيو انغلاند الطبية (NEJM ) سبقتها دراسة أخرى شارك ميمش في إعدادها نشرت قبل شهرين في مجلة الأمراض المعدية. ويقول ميميش لقد قامت الوزارة بإجراء تحقيقها الخاص، وهو إجراء قياسي، وأخذت العينات من الإبل والناس في منزل المريض وفي مرافق الرعاية الصحية التي كان يعالج بها. وتم أخذ العينات الأولى من الإبل في 9 نوفمبر، وفقا لما نشرته الصحيفة بمناسبة عيد الاضحى المبارك.

وكتب ميميش في رسالة عبر البريد الإلكتروني أرسلها إلى (ScienceInsider) “لا يحق لأي طبيب ممارس للمهنة أن يتدخل بأي حال من الأحوال في تحمل المسؤولية ولا يملك صلاحية التدخل في أي تحقيق يتعلق بالصحة العامة التابعة لوزارة الصحة أو إجراء تحقيقاته الخاصة دون التنسيق الرسمي المسبق”.

ويقول ميميش أن إفرازات الأنف من اثنين من الإبل جاءت ايجابية لفيروس كورونا عندما تم فحصها أكثر من مرة. ثم جاء إعلان 11 نوفمبر من الوزارة حول ذلك لأن د.عبد الله الربيعة، وزير الصحة في المملكة العربية السعودية في ذلك الوقت، أمره بإظهار بعض المعلومات عن النتائج الأولية. وأبلغ وكالة الأنباء السعودية ومنظمة الصحة العالمية في ذلك اليوم، وفي اليوم التالي أرسلت ميميش تقرير لبرنامج رصد الأمراض الناشئة، ونظام الإبلاغ واندلع في الانترنت.

في ذلك الوقت، كان فيروس كورونا يفتكك بالناس في شبه الجزيرة العربية لأكثر من عام، ولم يعرف الناس إلا القليل عن كيفية انتشار المرض. والعديد من الدراسات أظهرت أن الكثير من الابل تحمل الأجسام المضادة للفيروس، مما يشير إلى عدوى قديمة .

إن اثبات انتقال الفيروس من الإبل إلى الإنسان، هي خطوة كبيرة جداً إلى الأمام، ولذلك استمر الفريقين المتنافسين تحقيقاتها بشكل متوازي في محاولة لإثبات الشيء نفسه.

أحد زملاء مدني ويدعي عصام أزهر، وهو الباحث الأول في الورقة التي نشرت في مجلة نيو انغلاند الطبية (NEJM )، طلب المساعدة من دورستن، المتخصص في الفيروسات الإكليلية، في أوائل نوفمبر الماضي. فقام دورستن بإرسال الكواشف إلى الفريق واقترح كيفية المضي قدما في التحقيق، لكنه رفض مرارا أن يكون مشاركاً في الدراسة، لأن الباحثين في جدة لم يرسلوا له عينات لاختبار في مختبره الخاص. “أنا اتفق معهم: قدمت لهم نصائح نعم، أرسلت لهم الكواشف بكل تأكيد، لكنني لن أتحمل المسؤولية باسمي ورسمي عن صحة البيانات.” في الواقع، سرعان ما أصبح دورستن مقتنعاً بأنه كان هناك خطأ ما في البيانات التي كانوا يرسلونها.

قال العلماء السعوديون أنهم قاموا بعزل الفيروس من المريض وكذلك من واحدة من الإبل، وتركوا العينتين تنموان في عينات من خلايا كلية قرد، وتسلسل الجينوم، حتى خرج متطابقاً بنسبة 100٪. كما أنهم قاموا أيضا بنقل الفيروس مباشرة من العينات التي أخذت من المريض ومن الإبل وهاتين أيضا كانتا متطابقتين بنسبة 100٪. ولكن مجموعتي التسلسل اختلفتا في موقعين.

يقول دورستن: هذا أمر يستحيل شرحه، فالفيروس يمكن أن يتغير قليلا عندما يزرع في خلية أخرى، ولكن لماذا يُظهر فيروس الإبل وفيروس الإنسان نفس التغيير عندما تتم زراعته، تغييرات لم يسبق لها مثيل ؟ دورستن يشك في أن تلوثاً قد حدث، وهذا هو ما دعا الباحثين إلى القول بأن فيروس الإبل كان مطابقا لفيروس الإنسان تماماً. (توماس بريز، عالم الفيروسات في جامعة كولومبيا، يوافق على أن من غير المحتمل ظهور طفرات مرتين لكنه يقول انه لا يمكنه استبعاد هذا الاحتمال). ويقول دورستن أن توقف عن العمل مع مجموعة مدني في منتصف ديسمبر كانون الاول بعد أن أصيب بالإحباط.

في الوقت نفسه، يقول ميميش انه ارسل عينات الى معهد ولكام ترست سانجر في هينكستون، المملكة المتحدة، والذي قام بتسلسل الفيروس البشري بالكامل وتمكن من تسلسل بعض الأجزاء الصغيرة من فيروس الإبل. وفي يناير الماضي، قام ميميش بضم دورستن إلى الفريق، والذي نجح في تسلسل ثمانية أجزاء أخرى من فيروس الإبل. جميع الأجزاء التي تسلسلت من فيروس الإبل تمثل حوالي 15٪ من جينوم الفيروس وكانت هذه الأجزاء متطابقة تقريبا مع تسلسل الجينوم الذي أخذ من المريض. اختبارات الأجسام المضادة أيضا أشارت إلى أن الجمل كان يعاني من التهاب حاد بالفيروس في الوقت الذي اصيب فيه المريض بالعدوى. على الرغم من أن هناك تسأولات لا تزال قائمة، فقد قرر ميميش ودورستن نشر ما توصلا إليه من نتائج. وفي الوقت نفسه، قرر فريق مدني تقديم ورقتهم أيضا.

ورقة ميميش ودورستن كانت الأسرع في الوصول إلى مجلة الأمراض المعدية الناشئة (EID) الفنلندية، ونشرت على الانترنت يوم 20 مارس. غير أن ورقة مدني مرت عبر عدة تنقيحات، ولم تطبع إلا في الاسبوع الماضي.

يقول دورستن أنه لا يزال متمسكاً بانتقاده. مضيفا إلى ذلك شكوكه في وجود التلوث وأن تقرير الباحثين الذين نشروا الدراسة في مجلة نيو انغلاند الطبية (NEJM )، يشير إلى أن الفيروس يتواجد بتركيزات منخفضة جدا في الإبل. وقول ماكاي: “كونهم تمكنوا من عزل الفيروس بشكل كامل”. فيقول أزهر أن العينات المستخدمة لعزل الفيروس قد تحتوي على تركيزات أعلى من تلك المستخدمة للكشف عن الفيروس لأول مرة.

عالم الفيروسات بارت هاغمانز من ايراسموس MC في روتردام، بهولندا، يقول انه أرسل رسالة إلى مجلة نيو انغلاند الطبية (NEJM ) بالإشارة إلى هذه المسألة، بالإضافة إلى ما يزعم أنها أخطاء في شجرة النشوء والتطور في ورقة مدني. حيث يقول: “اعتقد انها بشكل عام ورقة غريبة جدا”.

تقول مجلة نيو انغلاند الطبية (NEJM ) في بيان لها بهذا الخصوص ان هناك “فرقا جوهريا” بين الورقتين، وأن محرريها لم يكونوا على علم بالورقة التي نشرتها مجلة الأمراض المعدية الناشئة (EID). “ولو أنهم كانوا على علم بالورقة، لطالبوا كاتب الورقة بالاعتراف بالمقالة التي تم نشرها”، كما جاء في البيان. (المجلة الآن أضافت الاعتراف بنفسها.) ولم يتناول البيان المشاكل المزعومة في الورقة.

ميميش فقد وظيفته في 2 يونيو، وذلك لأسباب غير واضحة. وقبل ذلك بستة أسابيع، تم استبدال الربيعة بعادل فقيه كوزير الصحة. اوسترهولم متفائل بأن هذه الهزة علامة على المزيد من الالتزام بالشفافية في المملكة العربية السعودية. وفي الواقع، وبعد يوم واحد من اعفاء ميمش عن العمل، أعلنت البلاد عن 113 حالة جديدة مصابة بفيروس كرونا، بما في ذلك 92 حالة وفاة، والتي حدثت في الأشهر السابقة، ولم يتم التبليغ عنها.

غير أن ماكاي لا يزال غير مقتنع بأن المملكة العربية السعودية قد أصبحت أكثر انفتاحاً وجاهزية. حيث يقول: “لم يتغير شيء، والشفافية الجديدة ما هي إلا مزيد من التعتيم”. فالحكومة لم توضح من أين جاءت الحالات الجديدة البالغ عددها 113، وعلى سبيل المثال: “لم تكن هناك أية بيانات مرفقة على الإطلاق، ولم يتبين بعد كيف تم اختبار هذه الحالات وماهي التواريخ والأعمار، وأي شيء يمكن أن يكون مهما بالنسبة لعلماء الأوبئة. وإن مجرد تقديم هذا الرقم مع معدل وفيات بلغ 80٪ فعل جنوني”.

* توضيح، 11 يونيو 11:02: تم تحديث هذا المقال لتوضيح بعض التفاصيل في البحث الذي تناولته الورقة التي نشرتها مجلة الأمراض المعدية الناشئة (EID)..

 

المصدر: News.sciencemag.org