«نماذج للجدارات في القرآن»

  • — الثلاثاء أبريل 23, 2024

أولى الإسلام “الجدارة الإدارية” اهتماما كبيرا وخص من يقوم بإدارة شؤون الغير على أن يكون اختياره بناء على مقاييس موضوعية، وإحسان العمل (جدارة) من خلال كافة مراحل الإنتاج أو مراحل تقديم الخدمة، بحيث يكون المنتج النهائي في أحسن صورة [يحقق رغبات المستفيد]. فالله -ﷻ- يحب الإحسان في كل شيء والأداء بأحسن كفاءة ممكنة،

مؤهلات الجدارة

القدرة هي المؤهل الأول لتولي المناصب والوظائف، وهي تختلف من مجال لآخر بحسب طبيعة الوظيفة، كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فقال: “القوة في كل ولايةٍ بحسبها، فالقوة في إمارة الحرب ترجع إلى شجاعة القلب والخبرة بالحروب والمخادعة فيها، والقوة في الحكم بين الناس ترجع إلى العلم بالعدل والقدرة على تنفيذ الأحكام”.

والقدرة بالنسبة للموظف نوعان: جسدية، ومعنوية؛ فالجسدية: هي قدرته على القيام بالعمل بأن لا يكون فيه عاهة أو مرض يمنعه من القيام بالعمل، والمعنوية: تعني القوة العلمية، والتي تشمل التمكن في التخصص، واستغلال القدرات والإمكانات، ومتابعة التطوير والتجديد، وهذا النوع من القوة مقدم على القوة المادية.

والذي يشعر أن فيه ضعفاً – بسببٍ صحيّ ، أو نفسيّ ، أو قلةٍ في الخبرة – في الغالب لا يقوم بالعمل بشكل كامل، ويجب عدم توليه العمل الذي لا يستطيع، فقد قال صلى الله عليه وسلم لأبي ذرّ: « يا أبا ذرّ، إني أراك ضعيفاً، وإني أحب لك ما أحب لنفسي لا تأمَّرنّ على اثنين، ولا توَلينّ مال يتيم». (رواه مسلم) ، كما نهى عن تمكين السفهاء من التصرف في الأموال التي جعلها الله للناس قياما، أي تقوم بها معايشهم من التجارات وغيرها، قال تعالى: { وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً (٥)} سورة النساء.

نماذج الجدارة الإدارية في الإسلام

هناك العديد من النماذج لمحتوى الجدارة ذو التأثير على مستوى أداء كل وظيفة، والتي تبين أهمية التباين بين هذه الجدارات حسب نوع الوظيفة، وفي تحديد الجدارات الملائمة للوظيفة، حتى يستطيع من يقوم بشغلها أن يؤديها على أكمل وجه. ويمكن تلخيص ذلك فيما يلي:

1 ) نموذج الأجـير :

وهذا النموذج يبين أهمية اختيار الفرد بناء على الجدارات التي يتمتع بها لأداء العمل المنوط به، قال تعالى: { قالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ}. (سورة القصص، الآية: 26)، فقد طلبت ابنة شعيب من أبيها استئجار موسى عليه السلام ليعمل عندهم أجيرا، وقد حددت من الجدارات التي يتمتع بها موسى لأداء هذه الوظيفة بأحسن كفاءة ممكنة، والتي تشمل (القوة- الأمانة)، وقد ورد في التفسير العلامة ابن سعدي -رحمه الله-: “أن موسى عليه السلام أولى بهذا العمل، فإنه جمع القوة والأمانة وخير أجير استأجر من جمعهما أي القوة والقدرة على ما استؤجر عليه، والأمانة فيه بعدم الخيانة، وهذان الوصفان ينبغي اعتبارهما في كل من يتولى هذا العمل، فإن الخلل لا يكون إلا بفقدهما أو فقد أحدهما، وأما اجتماعهما فإن العمل يتم ويكمل”. ومما تقدم يمكن استنباط معيارين من أهم معايير اختيار القائد التربوي وهما القوة والأمانة، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- فيهما: “والقوة في كل ولاية بحسبها والأمانة ترجع إلى خشية الله، وألا يشتري بآياته ثمنا قليلا، وترك خشية الناس”. وعليه فمن الأمانة وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، والرجل المناسب هو المؤهل لشغل وظيفة ما، وكان من نتيجة هذا الاختيار هو تنفيذ موسى عليه السلام للاتفاق مع شعيب عليه السلام ووفائه بالأجل بالعمل عنده عشرة أعوام، قال تعالى: { فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأجَلَ}.

2 ) نموذج المقاتل :

وهذا النموذج يبين لنا أهمية تحديد الجدارات المناسبة والملائمة واللازمة لتأدية واجبات الوظيفة بأحسن كفاءة ممكنة. فقد طلب الملأ من بني إسرائيل من نبيهم يوشع بن نون -عليه السلام- قتال هؤلاء الأعداء الذين قاتلوهم، وأخرجوهم من ديارهم، وسبيت أولادهم، ويعين عليهم قائدا حربيا لتحقيق هذه الغاية، فقال لهم نبيهم يوشع بن نون إن الله اختار لكم طالوت ليكون ملكا حربيا عليكم فاعترضوا على ذلك الاختيار. وكان من المفترض على أولئك النفر من بني إسرائيل عدم الاعتراض على نبيهم والتسليم لاختيار الله تعالى، إلا أنهم اعترضوا على هذا الاختيار حيث لم يتمتع طالوت بأي من معايير الجدارة التي أرادوا -هم- توافرها في الملك المقاتل، والتي تشمل: أن يكون من بيت الملك : سبط يهوذا فيهم، وأن يكون غنيا؛ وطالوت فقير لا مال له؟!!

أما معايير الجدارة التي حددها لهم نبيهم يوشع بن نون لاختيار القائد المقاتل والتي ترتضيها الفطرة السليمة والملائمة هي تلك المعايير الملائمة لأداء العمل والتي يجب أن يكون:

  • اختياره وفق شرع الله: { إنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ }.
  • العلم: علم بطرق القتال وعلم بأنواع السلاح وعلم بكيفية إختيار الجند وتمحيصهم، وعلم بالنواحي النفسية للجند، وعلم بمواقع الأعداء والظروف الطبيعية والشورى في إتخاذ القرار…… إلخ.
  • القوة: قوة بدنية، قوة عقلية، وعدم التردد والحزم، وقوة في العزم والتصميم على بلوغ الهدف….. إلخ.
  • أشكال في الجسم والهيبة: سلامة الأعضاء, وسلامة الحواس، وضخامة البنيان. وقد ورد في التفسير توضيح لصفات الجدارة التي يتمتع بها طالوت: أنه أعلم منكم وأنبل وأشكل منكم وأشد قوة وصبرا في الحرب ومعرفة بها، { وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }: أي عليم بمن يستحق الملك ممن لا يستحق، في إشارة للاهتمام بالجدارات الملائمة لأداء الوظيفة.، إن المتتبع لهذه القصة يلاحظ أيضا من الجدارات المطلوبة في القائد الحربي، والتي تميز بها طالوت، بعد الجدارات الأساسية من العلم والقوة في البنيان، مثل: الصبر، والثقة في الله بالنصر، والقدرة على التوجيه والإشراف، والقدرة على تحديد مهارات الجند اللازمة لأداء المهام الصعبة وذلك باختياره لداود لقتل جالوت. . ونلاحظ أن الشريعة الإسلامية أسقطت تماما المهارات أو الجدارات التي ليس لها تأثير على الوصول إلى الهدف أو اداء العمل كأن يكون القائد ذا مال أو من طائفة بعينها، فالأجدر للوظيفة هو من تتوافر فيه الصفات التي يتطلبها العمل, حتى يستطيع أداء واجبات الوظيفة بأحسن كفاءة ممكنة. وكان من نتيجة هذا الاختيار بناء على هذه الجدارات هو تحقيق الهدف بأقل الإمكانات المادية والبشرية، قال تعالى: {فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ}.

3 ) نموذج الوزير:

طلب يوسف عليه السلام عندما حاوره ملك مصر أن يجعله على خزائن الأرض (وزيرا للتموين في ذلك الوقت)، وقد حدد الجدارات التي يتمتع بها والتي تؤهله لهذا العمل, قال تعالى: { قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ }. (سورة يوسف، الآية: 55), وقد ذكر ابن كثير، حفيظ: أي خازن أمين، عليم: أي ذو علم وبصيرة بما يتولاه، وقد سأل هذا العمل لعلمه بقدرته عليه ولما فيه من المصالح للناس فيتصرف لهم على الوجه الأحوط والأصلح والأرشد فأجيب إلى ذلك. فيوسف عليه السلام عندما رشح نفسه ليكون وزيرا على خزائن الغلال في مصر، قدم من مسوغات التعيين أي الجدارات الملائمة لهذه الوظيفة، والتي تشمل: الأمانة والعلم. وهما من أهم الجدارات التي يجب أن يتحلى بها شاغل هذا المنصب, والتي يتضمن كل منها العديد من الجدارات الفرعية وقد وضحتها الآيات، والتي حصرها كالتالي:

  • القدرة على التنبؤ بالمشكلة: مواجهة سبع سنين عجاف.
  • القدرة على التخطيط طويل الأمد: ووضع الإستراتيجيات المناسبة، وحشد الموارد والإمكانيات لتحقيق الهدف.
  • علم بطرق التخزين: قال: { فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ }.
  • القدرة على التنظيم والرقابة: حيث فوضه الملك في كل المهام الوظيفية لمواجهة المشكلة.
  • القدرة على التعامل مع المشكلات وحلها بالطرق الإبتكارية.
  • القدرة على جدولة وقت حل المشكلة: تحديده لسنوات المشكلة وكيفية مواجهتها.
  • القدرة على التأثير الإجتماعي وتعزيز النفوذ السياسي: كان لا يأكل هو الجند إلا وجبة واحدة, كما أنه حصل على أخوه بنيامين, وباع للدول المجاورة بأموالهم ومتاعهم وأنفسهم ثم عفا عنهم.
  • القدرة على التوجيه والإشراف: وقال لفتيانه.
  • المرونة في معاملة الأفراد والعمل في فريق.
  • حسن استغلال الموارد المتاحة وتوزيعها: توزيع فائض نواتج السنين الخصبة على سنين الجدب, ووضع معيار صواع سنوي للأفراد (حمل بعير) خلال سنين الجدب.

وكان من نتيجة اختيار الملك ليوسف عليه السلام لهذه الوظيفة أنه أنقذ مصر والبلدان المجاورة من أزمة طاحنة استمرت عدة سنوات: حيث كان رحمة من الله على أهل مصر والبلدان المجاورة, وما ذكره بعض المفسرين من أنه باعهم في السنة الأولى بالأموال، وفي الثانية بالمتاع، وفي الثالثة بكدا، حتى باعهم أنفسهم ثم أعتقهم.

4 ) نموذج العالم:

ويوضح هذا النموذج أهمية مراعاة درجات الجدارة المتباينة للأفراد أثناء الاختيار لأداء الوظيفة المطلوبة فقد تقدم لمهمة إحضار عرش ملكة سبأ اثنان من جنود سليمان كل منهما يستطيع أداء المهمة وكل منهم يمتلك جدارات خارقة ولكن كان شرف إحضار عرش الملكة لمن يمتلك درجات الجدارة الأعلى. قال تعالى: { قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ . قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ . قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ}. (سورة النمل, الآية: 38- 40) فكل عفريت من الجن والذي عنده علم من الكتاب عرض الجدارات الملائمة فقط لآداء المهمة المطلوبة، وكان تركيز سليمان عليه السلام على عامل السرعة (قبل أن يأتوني مسلمين).

  • جدارات العفريت من الجن: القوة والأمانة والسرعة (إحضار العرش قبل أن ينتهي المجلس).
  • جدارات الذي عنده علم من الكتاب: القوة والأمانة والسرعة (إحضار العرش في الحال).
  • ومن المفترض أن يفهم القارئ مباشرة من قام بهذه المهمة باعتبار أن الذي عنده علم من الكتاب عرض إحضار العرش في ذات اللحظة، وقد وجده سليمان عليه السلام أمامه، وفي ذلك إشارة أن الذي يتم اختيار لأداء العمل في حالة وجود بدائل ليس فقط من يستطيع القيام به ولكن أيضا من يمتلك الجدارات الأعلى لأداء العمل بأحسن كفاءة ممكنة.

5 ) نموذج الصانع :

ـ صناعة سفينة نوح عليه السلام : فقد أوحى الله تعالى إلى نوح عليه السلام بصناعة السفينة، وأن يحمل فيها الذين آمنوا ومن كل زوجين اثنين، وكان من الممكن أن يصنع أي سفينة حيث أن الأمر تحت رعاية الله تعالى, ولكن نوح عليه السلام امتثل للأمر وصنع سفينة ذات جودة عالية، ومن الدلائل على جودة صناعة نوح للسفينة:

  • قال تعالى: { فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا}. (سورة المؤمنون, الآية: 27)، وفي تفسير هذه الآية: أن الله أمره بصنع السفينة وإحكامها بإتقان. وهو القادر على أن يقول للشيء كن فيكون، في إشارة لإتقان العمل الذي يقوم به الفرد ودليل على جدارته.
  • قال تعالى: { وَاصْنَعْ الْفُلْك بِأَعْيُنِنَا وَوَحْينَا }. (سورة هود، الآية: 37)، وفي تفسير هذه الآية: أي اصنع السفينة بمرأى منا ووحينا أي تعليمنا لك ما تصنعه، فقد أمره الله أن يفرز الخشب، وأن يصنعها من خشب الساج، وأن يطلي باطنها وظاهرها بالقار، وأن يجعل لها جؤجؤا يشق الماء، وجعلها على ثلاث طبقات، السفلى للدواب والوحوش، والوسطى للإنس، والعليا للطيور، وكان بابها في عرضها ولها غطاء مطبق عليها، وكان طولها ألف ومائتي ذراع وعرضها ستمائة ذراع.
  • قال تعالى: { وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ}. (سورة هود، الآية: 42)، مما يدل على جودة صناعة السفينة وقدرتها على مواجهة الظروف القاسية.
  • قال تعالى: { فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْك الْمَشْحُون}. (سورة الشعراء, الآية: 119)، والمشحون: أي المملوء بالأمتعة والأزواج من الحيوانات. في دلالة أخرى على إتقان عمل السفينة حيث تزداد مخاطر الغرق كلما زادت حمولة السفينة.
  • قال تعالى: { فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ}. (سورة القمر, الآية: 11), حيث كانت تسير هذه السفينة في ظروف صعبة جدا, حيث يزيد إحتمال غرق السفينة في حالة وجود أمطار لإحتمال إمتلائها بالماء وغرقها, وكان من دلائل جودة صناعة السفينة أيضا وجود غطاء لها يمنع دخول مياة الأمطار إليها وصرفه أولا بأول حولها.
  • قال تعالى: { وَلَقَد تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}. (سورة القمر, الآية: 15), وقد ذكر في التفسير أنه: أبقى الله سفينة نوح حتى أدركها أول هذه الأمة. مما يدل على جودة صناعة السفينة وقدرتها على مواجهة عوامل التعرية, وفي إشارة للاهتمام الجم بالسلع المعمرة أو ما يتعلق بحياة البشر.

ـ صناعة الدروع : فالجدارات التي تمتع بها داود -عليه السلام- في صناعة الدروع هي بإلهام ووحي من الله تعالى, وهي في إشارة لنا أن نهتم بهذه المعايير أثناء العمل, قال تعالى مخاطبا داود عليه السلام : { أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ ۖ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ۖ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}. (سورة سبأ, الآية: 11) وفي تفسير هذه الآية يمكن تحديد مجموعة من الجدارات المطلوبة في هذا العمل وتشمل هذه الجدارات:

  • معرفة العامل لنوعية العمل جيدا : أن اعمل سابغات: أي الدروع.
  • الرغبة في الإبتكار والتجديد : فقد علمه الله صناعة الدروع من حلقات الحديد, وقد كانت قبل ذلك تصنع من الصفائح.
  • اهتمام العامل بالجودة في جميع مراحل الإنتاج: (وقدر في السرد): وقد ورد في التفسير أي لا تدق المسمار فيقلقل في الحلقة ولا تغلظه فيقصمها واجعلها بقدر, في أمر لداود عليه السلام بأن يتقن مهنته ويحكمها ويحسن عمله وصنعته.
  • قدرة عالية على التحكم في المدخلات، قال تعالى: { وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ}. (سورة سبأ، الآية: 10)، وقد ورد في التفسير: أي صناعة داود للدروع من الحديد كان لا يحتاج أن يدخله نارا ولا يضربه بمطرقه، بل كان يفلته بيده مثل الخيوط.
  • وفي هذه إشارة لأهمية تحكم العامل في مدخلات العملية الإنتاجية وقدرة عالية على التحكم فيها أو العمل على توفير وسائل الإنتاج والمعدات التي تساعده في التحكم في مدخلات العمليه الإنتاجيه حتى يتمكن من تطويعهما كيف شاء.
  • العـلم : قال تعالى: { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلا }. (سورة سبأ, الآية: 10)، قيل أن الفضل هنا هو العلم. (النشرتي، 1989، ص: 275)، وقال تعالى: { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا ۖ وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ}. (سورة النمل، الآية: 15)

6 ) نموذج القضاء : فقد أثنى الله على أحكام القضاء الصادرة عن داود وسليمان -عليهما السلام- فقال تعالى: { وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ}. حيث يمكن استخلاص الجدارات التي تميزا بها حتى استحقا شهادة الله لهما:

  • العـلم: قال تعالى: { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا ۖ وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ}. (سورة النمل, الآية: 15), وذلك في إشارة لما يتمتع به سليمان وداود عليهما السلام من العلم اللازم لإدارة ممتلكاتهم, وللإهتمام بالتخصصات العلمية وبأصحاب الخبرة عند إختيار الكفاءات المطلوبة لأداء العمل.
  • تطبيق حكم الله في أحكامهم: فمعايير الحكم المشهود بها من الله تعالى هي التي تكون وفق شرعه, قال تعالى: : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}. (سورة المائدة, الآية: 45)
  • القدرة على عمل العقل للوصول إلى الحكم السليم : فبالرغم من ثناء الله تعالى على أحكام داود وسليمان, إلا أنه إختص سليمان عليه السلام بقوله تعالى: { فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا}. (سورة الأنبياء, الآية: 79), فلا يكفي وجود البيان لإتخاذ القرار, بل السعي للحصول على المعلومة, ولا تكفي المعلومة لإتخاذ القرار الرشيد ما لم تمزج بالحكمة البشرية والخبرة الشخصية للوصول إلى المعرفة, فإن عمل العقل في كل أمر والعصف الذهني هو أرقى ما يميز الإنسان عن غيره.
  • تجاهل العاطفة: وعدم التسرع في إصدار الحكم قبل الإستماع لكافة الأطراف.
  • وجود مجلس شورى: فالأحكام التي يصدرها داود وسليمان كانت في وجود مجلس شورى من أصحاب العلم والحكمة.
  • الرغبة والحرص في الوصول إلى الأحكام العادلة.

[مختصر من كتاب “حتى تتحقق الجدارة الإدارية”، للسيد أحمد كردي]