||اختيار الأكفاء للمناصب||

  • — الخميس أبريل 24, 2025

نظرًا لثقل الأعباء المنوط بها ولاة الأمور فإنه لا يستطيع وحده القيام بتدبيرها جميعًا، ولذلك كان من الواجبات الفرعية اختيار  المعاونين والوزراء الأكفاء للمناصب القيادية وغيرها، فعن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله –ﷺ- :《إذا أراد الله بالأمير خيرًا جعل له وزير صدق، إن نسي ذكره، وإن ذكر أعانه، وإذا أراد الله به غير ذلك جعل له وزير سوء، إن نسي لم يذكره، وإن ذكر لم يعن》.

وعنه –  – قال: 《إن الله لم يبعث نبيًا إلا وله بطانتان. بطانة تأمره بالمعروف، وتنهاه عن المنكر، وبطانة لا تألوه خبالاً، ومن يوق بطانة السوء فقد وقي》.

ويدخل في الحكم البطانة كل من تولى أمراً من أمور المسلمين، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: “فيجب على ولي الأمر أن يولي على كل عمل من أعمال المسلمين أصلح من يجده لذلك العمل”.

روي عن النبي –– أنه قال: 《من ولي من أمر المسلمين شيئًا فولى رجلاً، وهو يجد من هو أصلح للمسلمين منه، فقد خان الله ورسوله》رواه الطبراني والبيقهي.
وفي رواية الحاكم:《من قلد رجلاً عملاً على عصابة، وهو يجد في تلك العصابة أرضى منه، فقد خان الله، وخان رسوله، وخان المؤمنين》.

وقال الخليفة الراشد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: “من ولي من أمر المسلمين شيئًا فولى رجلاً لمودة أو قرابة بينهما، فقد خان الله ورسوله والمسلمين”.

فليس على الإمام إلا أن يستعمل أصلح الموجود، وقد لا يكون في موجوده من هو صالح لتلك الولاية فيختار الأمثل فالأمثل في كل منصب بحسبه، وإذا فعل ذلك بعد الاجتهاد التام وأخذه الولاية بحقها، فقد أدى الأمانة، وقام بالواجب في هذا، وصار في هذا الموضع من أئمة العدل المقسطين عند الله.

وشيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – لم يقصر واجب ولي الأمر على تولية الأصلح فقط، بل تعدَّى ذلك إلى وجوب الإعداد والتأهيل ليتوفر لأعمال الدولة من يتولاها من القادرين على القيام بها، حيث يقول في السياسة الشرعية: “ومع أنه يجوز تولية غير الأهل للضرورة إذا كان أصلح الموجود، فيجب مع ذلك السعي في إصلاح الأحوال، حتى يكمل في الناس ما لا بد لهم من أمور الولايات والإمارات ونحوها، كما يجب على المعسر السعي في وفاء دينه، وإن كان في الحال لا يُطلب منه إلا ما يقدر عليه …”.

فإن عدل عن الأحق الأصلح إلى غيره لأجل قرابة بينهما أو صداقة أو موافقة في بلد أو مذهب أو طريقة أو جنس…، أو لرشوة يأخذها من مال أو منفعة أو غير ذلك من الأسباب، أو لضغن في قلبه على الأحق، أو عداوة بينهما، فقد خان الله ورسوله والمؤمنين، ودخل فيما نهى الله عنه في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾   [الأنفال: ٢٧].

لذلك تعد تولية الولاة والاستعانة بالأعوان مسؤولية جسيمة يجب ألا تسلَّم إلا لأربابها الذين يقْدِرون عليها، وإنها من أعظم الأمانات، ومن أخطر الأمور توسيدها لغير أهلها، بل ذلك من علامات الساعة، روى البخاري في صحيحة عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي –  – قال:《إذا ضُيِّعَت الأمانة، انتظر الساعة. قيل: يا رسول الله وما إضاعتها؟ قال: إذا وُسِّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة.


[من كتاب الموسوعة العقدية]