«التفريط في وقت الامكان»

  • — الإثنين أبريل 21, 2025

قال الله ﷻ: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا لا تُلهِكُم أَموالُكُم وَلا أَولادُكُم عَن ذِكرِ اللَّهِ وَمَن يَفعَل ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الخاسِرونَ(٩) وَأَنفِقوا مِن ما رَزَقناكُم مِن قَبلِ أَن يَأتِيَ أَحَدَكُمُ المَوتُ فَيَقولَ رَبِّ لَولا أَخَّرتَني إِلى أَجَلٍ قَريبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِنَ الصّالِحينَ(١٠) ﴿وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفسًا إِذا جاءَ أَجَلُها وَاللَّهُ خَبيرٌ بِما تَعمَلونَ(١١)﴾ [ سورة المنافقون]

يأمر تعالى عباده المؤمنين بالإكثار من ذِكْرِه؛ فإنَّ في ذلك الربح والفلاح والخيراتِ الكثيرةَ، وينهاهم أنْ تَشْغَلَهم أموالُهم وأولادُهم عن ذِكره؛ فإنَّ محبَّة المال والأولاد مجبولةٌ عليها أكثر النفوس، فتقدِّمها على محبة الله، وفي ذلك الخسارة العظيمة، ولهذا قال تعالى: ﴿ومَن يفعلْ ذلك﴾؛ أي: يُلْهِهِ مالُه وولدُه عن ذكر الله، ﴿فأولئك هم الخاسرونَ﴾: للسعادة الأبديَّة والنعيم المقيم؛ لأنَّهم آثروا ما يفنى على ما يبقى؛ قال تعالى: ﴿إنَّما أموالكم وأولادُكم فتنةٌ والله عنده أجرٌ عظيمٌ﴾.

وقوله: ﴿وأنفقوا ممَّا رَزَقْنَاكُم﴾: يدخلُ في هذه النفقات الواجبة من الزكاة والكفارات، ونفقة الزوجات والمماليك، ونحو ذلك، والنفقات المستحبَّة؛ كبذل المال في جميع المصالح، وقال: ﴿ممَّا رَزَقْناكم﴾: ليدلَّ ذلك على أنَّه تعالى لم يكلِّف العباد من النفقة ما يُعْنِتُهُمْ ويشقُّ عليهم، بل أمرهم بإخراج جزءٍ ممَّا رزقهم ويسَّره ويسَّر أسبابه، فليشكروا الذي أعطاهم بمواساة إخوانهم المحتاجين، وليبادروا بذلك، الموت الذي إذا جاء؛ لم يمكن العبد أن يأتي بمثقال ذرَّة من الخير، ولهذا قال: ﴿من قبل أن يأتيَ أحدَكم الموتُ فيقولَ﴾: متحسرًا على ما فَرَّطَ في وقت الإمكان، سائلًا الرجعةَ التي هي محالٌ: ﴿ربِّ لولا أخَّرْتَني إلى أجل قريبٍ﴾؛ أي: لأتدارك ما فرَّطتُ فيه، ﴿فأصَّدَّقَ﴾: من مالي ما به أنجو من العذاب، وأستحقُّ [به] جزيل الثواب، ﴿وأكن من الصالحين﴾: بأداء المأموراتِ كلِّها واجتناب المنهيَّات، ويدخل في هذا الحجُّ وغيره.

وقوله ﴿وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفسًا إِذا جاءَ أَجَلُها وَاللَّهُ خَبيرٌ بِما تَعمَلونَ﴾ وهذا السؤال والتَّمني قد فات وقتُه، ولا يمكن تداركه، ولهذا قال: ﴿ولن يؤخِّرَ اللهُ نفسًا إذا جاء أجَلُها﴾: المحتوم لها. ﴿والله خبيرٌ بما تعملون﴾: من خير وشرٍّ، فيجازيكم على ما علمه منكم من النيِّات والأعمال.

[تفسير العلامة ابن سعدي (رحمه الله)]