«كَثُرَ خيرُ اللهِ وطابَ»

  • — الأربعاء يونيو 04, 2025

قال الامام الفقيه الحافظ ابن رجب -رحمه الله- في “لطائف المعارف فيما لمواسم العام من وظائف”:

وعما قليل يقفُ إخوانكم بعرفة في ذلك الموقف، فهنيئًا لِمَن رَزَقَه الله الوقوف بعرفة، بجوار قوم يجأرون إلى الله بقلوب محترقة، ودموع مستبقة، فكم فيهم من خائف أزعجه الخوف وأقلقه، ومحبٍّ ألْهَبَه الشوقُ وأحرقه، وراجٍ أحسن الظنَّ بوعد الله وصدَّقه، وتائب أخلص الله في التوبة وصدقه، وهارب لجأ إلى باب الله وطرقه، فكم هنالك من مستوجب للنار أنقذه الله وأعتقه، ومن أسير للأوزار فكه وأطلقه، وحينئذ، يطَّلعُ عليهم أرحم الرحماء، ويباهي بجمعهم أهل السماء، ويدنو ثم يقول: «ما أراد هؤلاء؟»، لقد قطعنا عند وصولهم الحرمان، وأعطاهم نهاية سؤلهم الرحمن وهو الذي أعطى ومنع ووصل وقطع.

ومن فاته في هذا العام القيام بعرفة، فليقم لله بحقه الذي عرفه، من عجز عن المبيت بمزدلفة، فليبت عزمه على طاعة الله وقد قربه وأزلفه، من لم يمكنه القيام بأرجاء الخيف فليقم لله بحق الرجاء والخوف، من لم يقدر على نحر هديه بمنا فليذبح هواه هنا، وقد بلغ المنا من لم يصل إلى البيت لأنه منه بعيد فليقصد رب البيت فإنه أقرب إلى من دعاه ورجاه من حبل الوريد.

“وقف النبي -ﷺ- بعَرَفاتٍ وكادَتِ الشمسُ أنْ تَؤوبَ، أنصِتْ لي الناسَ، فقام بلال فقال أنصتوا لرسول الله، فأنصت الناس فقال -ﷺ-: «معاشرَ الناسِ، أَتاني جِبْريلُ آنِفًا، فأَقْرَأَني من ربِّي السلامَ، وقال: إنَّ اللهَ غفَرَ لأهلِ عَرَفاتٍ، وأهلِ المَشعَرِ، وضَمِنَ عنهمُ التبِعاتِ»، فقام عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فقال: يا رسول الله هذا لنا خاصة؟ قال-ﷺ-: «هذا لكم ولمن أتى من بعدكم إلى يوم القيامة» فقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: “كَثُرَ خيرُ اللهِ وطابَ”.

ذكر الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: أنَّ العتق منَ النار في يوم عرفة عام لجميع المسلمين؛ قال: “مَن وقف بعرفة ومَن لم يقف بها من أهل الأمصار”. اهـ.

فاحْرِصوا هديتم على خير الله الكثير، وتفرَّغوا للذِّكر والاستغفار، فطوبَى لعبدٍ فَقِه الدعاء في يوم الدعاء، ولعله أن يحظَى منَ الله – تعالى – بالمغفرة، والعتق منَ النار، واحذروا منَ الذنوب التي تمنعُ المغفرة في مثل هذا اليوم؛ إذ كيف تطمع في العتق من النار، وأنت مصرٌّ على الكبائر والذنوب؟! وكيف ترجو المغفرة، وأنت تبارِز الله بالمعاصي في مثل هذا اليوم العظيم؟!

فاجأر إلى الله – عَزَّ وجل – واستقبلِ القبلة، وارفع يديك متَضَرِّعًا إلى ربك، معترفًا بتقصيرك في حقه، عازمًا على التوبة الصادقة.

والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.