خمس استراتيجيات لتسريع أداء المنظومة الحكومية
مفهوم الأسرع
یستغرق وضع خطة الحكومة وقت طويل، ولا ضیر في ھذا، غیر أن تنفیذ تلك الخطة یجب ألا یستغرق وقتاً، ولكن ألا تؤدي السرعة إلى ارتكاب الأخطاء، وتقلیل مستوى الجودة؟ بالتأكید ”لا“.
حین نتحدث عن السرعة في أداء المھام، لا نقصد أن نجعل المھام تنطلق بسرعة، بل نحدد المساحة الزمنیة الفاصلة بین مھمة وأخرى، وھنا تكمن الفرصة، إذ تستھلك المھمة الحالیة أقل من 5٪ من وقت المستفيد. ما یعني أن 95 ٪ من الوقت الذي یقضیه المستفيد داخل المواسیر، لا یحدث فیه شيء.
مفهوما الوقت
وقت العمل: مقدار الوقت الذي یتم فیه العمل.
الوقت المستھلك: طول المدة ومقدار الوقت الذي تستغرقه العملیات من وجھة نظر العمیل.
مثال عملي: صرف البدلات: لنقل إنك سافرت في رحلة عمل وتنتظر أن یُصرف لك بدل سفر. ما الوقت المُستَغرق في ذلك من وجھة نظرك؟ یتم احتساب الوقت من اللحظة التي تدفع فیھا مصاریفك وینتھي في اللحظة التي تقبض فیھا تعویض ذلك البدل. تستغرق ھذه العملیة من أسبوعین إلى أربعة أسابیع في معظم الحالات. ھل تعتقد أن ھناك شخصاً في حسابات الرواتب ظل یعمل لإنجاز المھمة؟ طبعاً لا؛ یستغرق كل شیك خمس دقائق من العمل الفعلي لیس إلا، فأین ذھب باقي الوقت؟
منظومة الأداء بكل ما فیھا من قوانین، وسیاسات، ولوائح، ومسؤولیات ھي التي تشتت العمل وتعطله. تكتظ المنظومات الحكومية بالاختناقات، والمھمات غیر المنجزة، فضلاً عن الخلل التقني الذي یزید الطین بلة، ولیس الحل أن تقف فوق رأس الموظف المسؤول عن صرف مستحقاتك وتقنعه أو تدفعه إلى صرفھا فوراً. الحل الوحید ھو أن نعرف سبب تأخر الصرف لأربعة أسابیع.
وھناك خمس استراتیجیات لتسریع أداء منظومتك. فالوقت المھدر في الانتظار یمثل 95 ٪، وسنحقق نجاحاً مرموقاً إن استثمرنا منھ 80 ٪ تقریباً.
الاستراتيجية الأولى: الفرز
ھناك مقاس واحد تقریباً لمواسیر الحكومة یناسب الجمیع. ھذا المقاس یتمثل في ماسورة واحدة طویلة وملتویة یمر بھا جمیع المتعاملین وتسیر فیھا كل الإجراءات والخدمات، وأفضل استراتیجیة لتسریع تدفق العملیات ھي مد مزید من المواسیر، أي إعطاء المتعاملين مسارات بدیلة یمرون من خلالھا.
المستفيدين الذین یعبرون مواسیرنا ثلاثة أنواع، على أحد الأطراف یقف المستفيد الذي یخدم نفسه لأنه یعرف طبیعة المواسیر ولا یحتاج سوى الإذن بتلقي الخدمة، وعلى الطرف الآخر یوجد مستفيد یحتاج إلى رعایة حثیثة ومُركَّزة. ھذا المستفيد لا یعرف شیئاً وعلینا أن نُمسِك بیده في كل خطوة، وفي الوسط یقف مستفيدون معتدلون، لا یحتاجون إلى عنایة فائقة، ولا یستطیعون عبور المواسیر دون مساعدة. علینا توفیر ماسورة مناسبة لكل مستفيد بعد أن نصنِّف المستفيدين ونوجِّه كلاً منھم إلى الماسورة المناسبة.
لنفكر مثلاً في الجهة التي تمنح تصاریح البناء. ینقسم المطورون من طالبي التصاریح إلى ثلاثة: المطورین الدائمین الذین یستثمرون معنا كل عام، والمطورین العابرین مثل متعامل یملك قطعة أرض واحدة ویرید تحویلھا إلى مُجمع تجاري، والمطورین من أصحاب المشاریع المتباعدة والمحتملة.
المطورون العابرون (العرضیون) لا یعرفون شیئاً عن قوانین التراخیص وكیف یحصلون علیھا، ویحتاجون إلى من یرافقھم في كل خطوة، أما المطورون المحترفون فیعرفون كل التفاصیل والقوانین أكثر من الموظفین، ویجب أن یمر كل منهم في مواسیر مختلفة؛ ماسورة أو مسار الرعایة المركزة واضح المعالم.
أما المطورون الدائمون فیمكن التحول من منحھم التراخیص إلى فحص العملیة نفسھا، لیتم بعدھا ترخیص الناس والعملیات المستخدمة في التطویر، ثم تقوم الجهة بحملات تفتیش وتدقیق لتفحص مدى التزامھم بالعملیة، أي بدلاً من فحص المئات من خطط البناء التي یقدمھا المطورون المنتظمون، تفحص الجهة مواسیر المطورین لتعرف مؤھلات مھندسیھم، والعملیات التي یستخدمونھا لضمان جودة التطویر، وإلى أي مدى یفھمون ویواكبون قوانین البناء ویلتزمون بمعاییرھا، فمن خلال إغفال مئات الخطط وضمان جودة العمل، تستطیع الجهة توفیر الوقت للمطورین المعتدلین والمستجدین، وبمواكبة معاییر الجودة واجتیاز عملیات التفتیش، یبقى المطورون المحترفون خارج اختناقات السجلات والإجراءات، ویتخلصون من تكالیف تأخر التطویر.
الاستراتيجية الثانية: المعالجة المتزامنة بالتوازي
من سلبیات فكرة تقسیم العمل التي وضعھا ”آدم سمیث“ ومیل الحكومات إلى التخصص وتطویل العملیات والأداء بشكل مرحلي ومتعاقب. تنقسم المواسیر إلى أقسام، وعلى المیاه أن تمر في كل قسم على حدة، كأن تُمرِّر فواتیر نفقاتك إلى المشرف، ثم إلى رئیسه، ثم إلى رئیس رئیسه، ثم إلى إدارة الحسابات حیث تتم مراجعتھا، ومعالجتھا، والموافقة علیھا، ویعد استخدام العمل المتزامن والمتوازي من أبسط طرق ضخ المیاه في المواسیر.
لنفھم مبدأ العمل المتزامن، یمكننا مشاھدة مسلسل ”كیف تبني منزلاً في سبعة أیام“ ھل یتم حذف خطوات أو إنجاز أخرى على عجل؟ لا. ھم ینفذون جمیع خطوات بناء المنازل بحذافیرھا، لكنھم ینفذونھا في نفس الوقت، فأثناء العمل على السقف، یجري العمل في السباكة، وحین یعمل العمال في حوائط الجبس، یجري وضع الأرضیات أیضاً.
من ردود الأفعال السلبیة الشائعة التي نتلقاھا من الناس (أي من موظفي القطاع العام) تجاه الإسراع ھو أن تجنُّب العقبات لیس في أیدیھم، وقد ینتظر أحدھم شھراً ریثما یوافق مرجعه.
ومھما كان الأمر، یتوقف التقدم وتظل المیاه في الماسورة حتى یواكب الإطار الزمني. ما یفشل الناس في ملاحظته ھو أنه بإمكانھم إنجاز مھام ثانویة أثناء فترات الانتظار، ومن المھم البحث عن طرق لتحویل المھام الثانویة إلى مھام أولیة، الأمر الذي من شأنه تقصیر المواسیر.
الاستراتيجية الثالثة: توسيع أو كسر عنق الزجاجة
عنق الزجاجة ھو أضیق أجزاء الماسورة. الأجزاء التي تسبق العنق وتلیه تكون أوسع وأكثر مرونة من عنق الزجاجة، ولذا نجد أن ضغط المیاه یزید في عنق الزجاجة، ثم تجف المواسیر بعده. تعتمد إنتاجیة الماسورة على مرونة عنق الزجاجة، ولا یتعلق تطویر الأجهزة الحكومية بإصلاحھا كلھا بشكل كلي. كل ما علیك إصلاحه ھو عنق الزجاجة -أي مناطق تعثُّر الإجراءات وتراكم المھام- في المواسیر الرئیسة والقنوات الحیویة. عندما نفحص أي مؤسسة، لا نجد أكثر من خمس نقاط أو خمسة أماكن تختنق مواسیرھا وتُسد أنابیبھا، فكیف نضع أیدینا على عنق الزجاجة؟ أبسط طریقة ھي البحث عنه، ففي عنق الزجاجة وأمامه تتراكم الأشیاء. قد تكون ھذه الأشیاء مادیة (أكواماً من الورق والملفات، صنادیق برید متخمة، وملفات إلكترونیة افتراضیة لا تنتھي، وأعمالاً مؤجلة، ومنظومة متشابكة ومرتبكة ومكدَّسة من الأعمال المعطلة). عندما تشعر بالضغوط تتزاید، وعندما ینتظر الناس قراراتك وحضورك وردودك. فأنت في عنق الزجاجة، عندما تترك الأشیاء تتباطأ وتنام -وأحیاناً تموت- في صندوقك ویمر یوم أو أیام ولا تتناولھا، أنت في عنق الزجاجة.
وھناك طریقة بسیطة للعثور على عنق الزجاجة، وھي البحث عن أسباب ترك الناس للعمل. ھناك علاقة قویة بین كثرة الأعناق وقلة الأرزاق، وبین أعناق الزجاجات والاستقالات. مثلما تنفلت المیاه وتتدفق من المواسیر التي لم تعد تحتمل الضغوط، یتسرَّب الموظفون المتعبون بسبب الضغوط المؤسسیة، فالضغط دائماً یولِّد الانكسار أو الانفجار.
كيف نزيل عنق الزجاجة؟
في كل عملیة وكل إجراء، اسأل: ھل یجب أن یدخل كل شيء في دائرة الإجراءات؟ ھل یحب أن یوقِّع الرئیس أو المدیر العام على كل تقریر؟ قد نجد حلولاً بدیلة لبعض أعباء العمل (أكثر من الأعمال الروتینیة)، وكل ما یحد من تدفق المھام ویجعل الوحدة أو القسم وكل الإدارة تركز على المھام التي یجب أن تركز علیھا بالفعل.
في بعض الأحیان، نكتشف أننا لا نستطیع تجنب المرور من عنق الزجاجة، ولكن قد نستطیع تقلیل كم العمل المطلوب عند عنق الزجاجة. قد یتمثل عنق الزجاجة في شخص فني متخصص. إنه الموظف الوحید المكلف أو المفوض بأداء مھمة ما، ولأنه متخصص، فمن المھم أن یؤدي مھام متخصصة، فمثلاً، یجب ألا یُعنى المحامي (قانوني) بمراجعة التقاریر لغویاً ونحویاً، فأیة مھمة یمكن أن یُؤدیھا شخص آخر، یجب أن یتولاھا ھو، لا سواه.
الاستراتيجية الرابعة: تجنب تجميع المُهمات والعمل على دُفعات
عملیة التجمیع تجعل من متعامل واحد رھینة لمجموعة كبیرة من الموظفین. یمكن أن تقوم الدفعات على الكم أو الوقت. فالدفعة القائمة على الكم تجعل الموظف ینتظر أن یتجمع لدیه مائة طلب قبل أن یرسله إلى مساعده لمراجعتھا أو إلى رئیسه للبت فیھا، وبالنسبة إلى الدفعات القائمة على الوقت، لنفرض مثلاً أن اللائحة تقضي بأن یتم العمل على الرواتب في الخمیس الثالث من كل شھر، في الحالتین لا یتحقق للعمیل التدفق السلس في ماسورة التورید والإنجاز، ویبقى علیه أن ینتظر، فما بدیل التجمیع؟
البدیل بسیط: تخلَّص من التجمیع كلما سنحت الفرصة. إذا كانت الإدارة تجتمع مرة كل ثلاثة أشھر، سیكون البدیل إجراء مكالمة جماعیة دوریة للبت في قرارات معینة.
ھل یمكننا تفویض الطلبات وقت صدورھا؟ حین لا یكون التخلص والتجمیع ممكناً، یجب أن ندرس تقلیل حجم الدفعة الواحدة، فإذا كنت تعمل على الرواتب مرة واحدة كل شھر، قسِّم مھمتك الكبیرة إلى مھمتین صغیرتین. یلي ذلك تقسیم كل مھمة صغیرة إلى مھمتین أصغر: كلما قسَّمنا الدفعات، زادت سرعة العملیات بنسبة 50 ٪. یلي ذلك تقسیم الأنصاف أنصافاً، وھكذا مراراً وتكراراً حتى نصل إلى العدد المثالي للدفعات، والعدد المثالي ھو الدفعة الواحدة.
الاستراتيجية الخامسة: إزالة الاختناقات
یتمثَّل علاج الاختناقات في عدم تأخیر المھام في المقام الأول. فمثلا تعاني مطاعم الأغذیة السریعة من أزمة عدم توقُّع سلوكیات الزبائن باستثناء مواعید الوجبات، ھذا یعني أن فرصة دخول زبونين تُعادل فرصة دخول عشرین زبوناً.
عندما تزور أحد مطاعم ”ماكدونالدز“ وتصادف قدوم حافلة مملوءة بالزبائن، فھذا یعني أنك رأیت عملیة شدیدة التعقید، ومن المفید أن تختبر كیفیة تعامل المطعم مع ھذا الموقف. تُطلق سلسلة المطاعم على ھذه الظاھرة اسم ”الحافلة“، وعندما یرى أحد الموظفین حافلةً تدخل منطقة وقوف السیارات فإنھ یصیح بأعلى صوته: ”حافلة“، وھنا یتغیر شكلُ المطعم بأكمله. یتوقف المدیرون والمشرفون عن العمل الذي یؤدونه، ویقفون على طاولات العمل مع فریق التقدیم والخدمة. تتشابك جمیع الأیدي في المطعم لخدمة طوابیر الزبائن بأقصى سرعة ممكنة، فإن لم یفعلوا ذلك، ستطول الطوابیر ویتعطَّل العمل طوال الیوم.
لتفادي التأخر والإخفاق، یجب أن ندیر الأمور بشكل أكثر فاعلیة، وعلیك تدریب موظفیك على أداء مختلف المھام كي یبادروا ویتمكَّنوا من مد ید المساعدة عندما تتفاقم الأمور ویحتدم الزحام. (يتبع)