التصميم التنظيمي : تمهيد الطريق للتعاون والتفكير المبتكر في المنظمات!

  • — الأربعاء يوليو 08, 2020

معظم القطاعات في عالم اليوم تدار من خلال الموازنة بين أنظمة الحاسب المتطورة والكوادر البشرية الماهرة التي تستخدم هذه الأنظمة، وقد ساعدت التقنية العديد من الصناعات على النمو بوتيرة متسارعة، حيث قامت بإطلاق عمليات تجارية لا حصر لها، بيد أن هذه القطاعات لا تزال غير قادرة على التعلم والتصميم واكتشاف الطريقة التي يستطيع أن يعمل موظفيها من خلالها.

عندما أصبحت أجهزة الكمبيوتر والآلات وسيلة عمليةً أكثر للصناعة ابتداءً من عقد الستينيات من القرن الماضي، بدأت ممارسات ما يعرف بـ”إطفاء الأضواء”  lights out management practices ” ؛ وهو إدارة أجهزة الشبكة عن بعد، بدأت في الزحف إلى الأعمال والمصانع، وقد تضمنت هذه الأساليب استبدال الكوادر البشرية بالآلات للقيام بنفس العمل، لكن هذه الأنظمة بطبيعتها غير مرنة، ولا يمكنها التكيف مع التحديات الجديدة ما لم يتدخل الكادر البشري لإجراء التغييرات اللازمة ، ويقول هنري فورد Henry Ford ، وهو أحد أشهر المبتكرين الأمريكيين: “يمكنك أن تأخذ مصانعي، وتحرق المباني، لكن أعطني كوادري البشرية وسأبني العمل مرة أخرى”.

التقنية بطبيعة الحال تلعب دورها في كل مكان عمل، ولكن الأضواء عادت في الغرفة للناس مرة أخرى، ونحن لا زلنا نمثل أفضل الآلات لتحديد التغيير، ومن ثم التكيف معه، والتعلم من أي شيء وكل شيء، وتطوير أفضل الطرق والأساليب لخدمة المستهلكين والمجتمعات، ولهذه الأسباب ، ومن الأهمية بمكان أن يقوم القادة بوضع الكوادر البشرية في صميم اعتباراتهم عند تصميمهم للمنظمات.

التصميم التنظيمي للمنظمات : تمهيد الطريق للتعاون والتفكير المبتكر

Clearing the Runway for Collaboration and Breakthrough Thinking

في البداية يجب التعرف على محفظة المنتجات التي تقدمها مؤسستك من وجهة نظر الكوادر البشرية الأقرب إلى العمل، ومن ثم يطلب من فرق العمل ومن أعضاء كل فريق تحديد الأساليب والطرق التي يتبعونها في قياس مستوى النجاح، والطرق لقياس مستوى نجاح المنظمة بشكل عام، ثم من بعد ذلك يُبني على هذه الأفكار، وتوضح كيفية بناء فرق العمل باستخدام أساليب من التقنية ومجالات الرعاية الصحية، ومبادئ التصميم التنظيمي التي تساعد على تسهيل المشاركة والتواصل بين الفرق لمساعدة المجموعات والأفراد على النمو.

تصميم فرق العمل تتمحور حول الكوادر البشرية Designing Human-Centered Teams

عندما نتعاطى مع أي منظمة أياً كان حجمها أو مجال تخصصها، فإنه من المغري أن نقترب منها من خلال عدسة موضوعية تمامًا وموجهة نحو تحقيق النتائج، وهذا المنظور يتيح لنا الفرصة للنظر إلى المنظمة كنوع من المنظمات الرئيسية، وتحديد العمليات والمنتجات الأساسية التي تساعد المنظمة في المحافظة على نفسها وتحقيق النمو، بيد أن هذا الأمر لسوء الحظ، لا يترك لنا مجالًا واسعاً للتفكير في الكوادر الشرية التي تقف وراء العمل، والمستر هانز بيتر بيش Hans Peter Bech ، المستشار الدولي في الإدارة والأعمال، عبر عن ذلك أفضل تعبير عندما قال: “دائمًا ما تأتي الكوادر الشرية أولاً … ثم ستتبعها بقية المكونات الأخرى بعد ذلك”.

ولتصميم عمل يركز على الكوادر الشرية بدلاً من التركيز حصرياً على المنتج، لا يمكن أن يكون لدينا تقوقع في الأنشطة، ولتوضيح هذه النقطة، سنعرض بعض الأمثلة من شركة تقنية افتراضية ، في سياق ثلاثة خطوط للإنتاج.

في الصورة التالية، تحديد خطوط الإنتاج الثلاثة التي يتطلب كل منها نفس العمليات الثلاث ليتم تسليمها بفعالية، وإحدى نقاط البيع الرئيسية للمستخدمين هي الاتساق consistency عبر الأنظمة الأساسية، مما يتيح للمستخدمين الانتقال بسلاسة من هواتفهم إلى أجهزتهم اللوحية دون الحاجة إلى تعلم واجهة جديدة، بالإضافة إلى ذلك ، يجب أن تكون البرمجيات المستخدمة بين الأجهزة متوافقة للتأكد من أن الانتقال سيكون سلساً من الناحية الوظيفية.

شكل رقم (1)

ففي الشكل السابق رقم (1) هناك مثال على طريقتين مختلفتين لبناء فرق العمل، في الأعمدة الزرقاء الرأسية: يتم بناء فرق العمل على أساس خط الإنتاج، حيث يعالج كل فريق وظائف/ مهارات متعددة ضرورية، بينما في اطارات الصفوف الخضراء الأفقية: يتم بناء فرق العمل على أساس الوظائف/المهارات، حيث يعالج كل فريق منتجات متعددة تتأثر بهذه الوظائف/المهارات.

إن بناء فرق العمل حول خطوط المنتجات يؤدي إلى التكرار: ولا تحتاج الشركة إلى ثلاث فرق عمل لتطوير برامج منفصلة أو ثلاث مجموعات منفصلة تعمل مع الموردين والمصنعين، وعندما يتم هيكلة المؤسسات بهذه الطريقة، فإنها تفقد فوائد اقتصادات الحجم وستهدر الوقت والمال والطاقة في مجالات غير ضرورية، ويمكن أن يؤدي ذلك أيضًا إلى إنشاء منتجات أو خدمات منافسة داخل الشركة نفسها عن غير قصد.

وبالمقابل، فإن تصميم فرق العمل على أساس الوظيفة يساعد على ضمان الاتساق بين المنتجات، ويزيل التكرار، ويضفي بعداً إنسانيًا على مكان العمل.

وقد تابع مطورو البرمجيات تدريبهم وتعليمهم حتى تمكنوا من صنع برامج للكوادر البشرية، وليس مجرد هواتف فقط، فالمنتج لا يمثل هويتهم المهنية، ويجب ألا يكون كذلك أبدًا.

وفرق العمل المبنية على أساس الوظيفة تمنح السلطة اللازمة لأعضاء الفريق وتسمح لهم بتطوير هوية قائمة على المهارات داخل المنظمة، بدلاً من الارتباط بمنتج يمكن أن يتجاوزه الزمن بين عشية وضحاها.

هذا النوع من التصميم التنظيمي يسهم في تمكين الموظفين من خلال التركيز على شغفهم وأهدافهم والمهارات اللازمة لعملهم بدلاً من مجرد “تكليفهم” بمنتج، وقد أطلقت شركة Google في عام 2012، مشروع Aristotle للتعرف على العوامل التي تجعل فريق العمل مثالياً. حيث كان “المعنى” أحد العوامل المساهمة في ذلك: لأن أعضاء الفريق يشعرون بأن عملهم له أثر ومعنى على المستوى الشخصي (كيف تقوم شركتي Google وأبل Apple ببناء فرق العمل الاستثنائية).

موظفوك عرفوا بالفعل المهارات والتخصصات التي يجدونها ذات مغزى بالنسبة لهم؛ فقم بتصميم فرق العمل لديك بحيث تقوم بتمكين موظفيك وتساعدهم على الشعور بأن هناك مغزى ومعنى للعمل الذي يقومون به، فالفرق التي تحظى بالتمكين، تسهم في تمكين المؤسسات وبالتالي تساعد في تمكين شركاء الأعمال والمجتمعات المحلية أيضًا.

إفساح المجال للحوكمة (الإدارة) المشتركة Make Room for Shared Governance

الحوكمة المشتركة Shared Governance ليست بالفكرة الجديدة في الإدارة أو التصميم التنظيمي؛ حيث كان الناس يستخدمون هذا المصطلح ويسيئون استغلاله منذ سنوات، فسوء الفهم لا يكمن في تعقيد العملية، لأنها واضحة جدًا، بيد أن الناس يميلون إلى الخلط بين الحوكمة المشتركة والقيادة التشاركية participatory leadership. وفي حين أن كلتا الطريقتين يمكن أن تكون فعالة، فإن الحوكمة المشتركة أصبحت أكثر انتشارًا في القطاعات الكبرى، الخبيرة غين غونشي Gen Guanci، المختصة في إدارة الرعاية الصحية الإبداعية، تصف الحوكمة المشتركة على النحو التالي: “إن الحوكمة المشتركة هي هيكل وعملية للشراكة والإنصاف والمساءلة والملكية، فهي تضع المسؤولية والسلطة والمساءلة عن القرارات المتعلقة بالممارسة في أيدي الأفراد الذين [يقومون بالعمل]. “

ففي ظل القيادة التشاركية، يقدم أعضاء الفريق المدخلات التي تستند إليها القرارات الرئيسية مثل من سيتم تعيينه في المنصب الجديد من قائمة المرشحين، ويُعطى الفريق الفرصة “للتصويت” بشكل أساسي ، لكن السلطة النهائية لصنع القرار تقع على عاتق القادة.

الشكل رقم (2):

في الشكل السابق رقم 2. تكون نقل المعلومات بين الفرق في نموذج القيادة التشاركية، حيث تقدم الفرق الوظيفية مدخلات لفرق القيادة، وتقوم فرق القيادة باتخاذ القرارات، ثم تقدم تعليمات للفرق الوظيفية، وتسليط الضوء على قوة اتخاذ القرار باللون الأخضر.

والقيادة التشاركية غالبًا ما تسمى بالقيادة الديمقراطية لهذا السبب، حيث يقوم القادة بتحديد الأهداف، والتماس المدخلات من أعضاء المنظمة، ومن ثم اتخاذ القرارات التي تؤثر على المنظمة ككل في نهاية المطاف.

الحوكمة المشتركة تعني توفير بنية أساسية لإعادة تركيز قوة اتخاذ القرار مرة أخرى لدى أولئك الذين يقومون بالعمل، والدكتورة شيل بول Dr. Shelle Poole عميدة قسم التمريض بكلية التمريض بجامعة بويز ستيت the Boise State University School of Nursing ، والتي قامت ببناء خبرتها المهنية في الإدارة المشتركة والعمل “كقائد خادم servant leader”. فعندما تحتاج إلى معلومات، لا تطلب فقط المدخلات: بل تلتمس القرارات؛ “[إذا كان هناك شيء بحاجة إلى التحسين] أتوقع منهم أن يقترحوا عليّ بعض الأشياء، أنا أعتبرهم خبراء في الموضوع، إنهم الأقرب إلى العمل ، وأنا لا أعرف عملهم كما يعرفونه هم أنفسهم”.

إن عملية اتخاذ القرارات اللامركزية هي من الممارسات التي تستفيد من الحوكمة المشتركة، حيث يبين القادة بوضوح المبادئ التوجيهية للقرار، سواء كان ذلك ميزانية ، أو جدول زمني، أو هدف معياري؛ وفرق العمل أو الموظفين يتخذون قرارات مستقلة ضمن تلك المبادئ التوجيهية، ومن المهم هنا أن نتذكر أن هذا ليس تقليص أو تخلص من القيادة الهرمية، حيث يمكن أن تستمر المناصب القيادية في الاحتفاظ بالسلطة للمبادئ التوجيهية التنظيمية، ومتطلبات السلامة والعمليات الأخرى التي تعتمد على تلك الموجودة في المناصب القيادية. بيد أن هذا تقاسم لسلطة صنع القرار ، وربط المعلومات بين فرق العمل، والمسؤولية التي تأتي معها كلها.

الشكل رقم (3):

في الشكل السابق رقم 3. نقل المعلومات بين الفرق في نموذج الحوكمة المشتركة، توفر القيادة مبادئ توجيهية لاتخاذ القرارات للفرق الوظيفية ؛ ثم تقدم هذه الفرق مدخلات وأفكار للقيادة وإلى بعضها البعض من أجل تدفق مستمر للمعلومات في اتجاهين، وتقوم فرق العمل باتخاذ قراراتها الخاصة وتتخذ الإجراءات بناءً على إطار المعلومات المشتركة، وقوة اتخاذ القرار تجدها محددة باللون الأخضر في الشكل أعلاه.

ولفهم الاختلاف بين القيادة التشاركية والحوكمة المشتركة، دعنا نلقي نظرة على مشهدين (سيناريوهين)؛ تواجه ولاية أيداهو نقصًا متوقعًا في التمريض ، مما يعني أن عدد المرضى ينمو بشكل أسرع من القوى العاملة في التمريض، وتتطلع كلية التمريض في جامعة بويز ستيت إلى زيادة أعداد الطلاب الملتحقين ببرنامج البكالوريوس لتدريب المزيد من الممرضات والممرضين.

ففي السيناريو الأول ، يجتمع الفريق الإداري والقيادي مع فرق الاستشارة ، والتسويق ، والفريق الإكلينيكي ، والفرق التعليمية لطلب أفكار حول كيفية زيادة التسجيل، ويقوم القادة بجمع كل المدخلات من كل فريق ويختارون المدخلات الأكثر قيمة ويتخلصون مما هو غير واقعي أو غير ضروري، ثم يتخذون قرارًا ويبلغون المنظمة بخطوتهم التالية.

في السيناريو الثاني، يجتمع الفريق الإداري والقيادي مع فرق الاستشارات، والتسويق، والفريق الإكلينيكي، والفرق التعليمية لطلب الأفكار حول كيفية زيادة التسجيل، في هذه الاجتماعات، تضع القيادة جدولًا زمنيًا واضحًا للعمل، وحدود للميزانية ، وتحديد الشركاء من المجتمع أو الشركاء التجاريين، وما إلى ذلك ، وتطلب من الفرق اقتراح خطوات العمل ضمن هذه المبادئ التوجيهية، ويتم تشجيع الفرق على مناقشة خطط عملها مع بعضها البعض، وربما في اجتماعات متعددة التخصصات حيث تشارك الفرق أفكارها وأهدافها، وقد يعقد الفريق الإداري والقيادي اجتماعًا موسعاً مع الجميع للتوفيق بين أي نقاط غير واضحة أو متناقضة بين الفرق والمضي قدمًا في خطة العمل المقترحة التي طورت بشكل تعاوني من قبل المعنيين جميعاً.

قد تبدو الحوكمة المشتركة وكأنها تستغرق المزيد من الوقت لاتخاذ القرارات، ولكن هذا يعتمد بشكل أساسي على المنظمة والمهمة قيد النظر، وتتمتع الحوكمة المشتركة بالعديد من المزايا للمؤسسات من جميع الأحجام، منها: تحسين مشاركة الموظفين ، مما يؤدي إلى حل المشكلات الأكثر إلحاحاً ؛ وزيادة التواصل بين الفرق ، مما يساعد على كسر حالة التقوقعات المهنية والشخصية ؛ وفهم أفضل لجميع أجزاء المنظمة بالنسبة لكل عضو في الفريق ، ألمر الذي يحسن قدرة الجميع على فهم طريقة عمل المنظمة والثقة بها.

المصدر: disruptorleague.com