[بقلم : إبراهيم سليمان الحيدري]
ظل العمل الخيري في الدول العربية خلف الأضواء ردحاً من الزمن بقصد وبدون قصد، ولم تدرك بعضها أهمية مثل هذا النوع من المنظمات وأثرها الفاعل في مساندة الحكومات وإزاحة جزء من المسؤولية عن عاتقها والوقوف مع الشعوب في تلبية احتياجاتها، وفي كلتا الحالتين فقد انعكس أثر ذلك على الجمعيات الخيرية العربية قلة في عددها وضعفا في مستوى أدائها ومحدودية في تنوع خدماتها، وهي التي توجد في مجتمعات تؤمن بالزكاة فريضة وبالصدقة عملا صالحا والأخوة والتكافل شعارا.
وفي مقابل ذلك نجد وضعا آخر للجمعيات الخيرية في الدول الغربية حيث تحظى بالدعم والرعاية وهو الوضع الذي يوضح استشعار هذه الدول لأثر الجمعيات الخيرية في حركة التغيير والتطوير والتنمية.
وضالتنا التي حث الإسلام المؤمن على أخذها هي حكمة من بريطانيا الدولة التي جسدت صورة رائعة في التعامل الراقي مع الجمعيات الخيرية.
فقد أنشأت بريطانيا قبل أكثر من 150 سنة ما يسمى بالمفوضية الخيرية وهي جهة حكومية متخصصة تقوم بتسجيل عمل كل الجمعيات الخيرية في بريطانيا وتنظيم أعمالها. ويشرف على هذه المفوضية ثلاث إلى خمس شخصيات ممن يحملون شهادة في القانون ولديهم خبرة واسعة في العمل الخيري.
ولكي تحصل الجمعية الخيرية على رخصة عمل فلا بد لها أن تقدم للمفوضية دستورا خاصا بها يتضمن أهدافها ومجالات عملها وأسماء أمنائها وأنشطتها الخاصة بجمع التبرعات.
وبعيدا عن العراقيل والعقبات التي تواجهها الجمعيات الخيرية العربية في عملها فقد كان الهدف العام لهذه المفوضية: تقديم أفضل تنظيم ممكن للجمعيات الخيرية في بريطانيا لزيادة كفاءتها وفاعليتها وثقة الناس بها، ويفسر هذا الهدف العلاقة الراقية والمنطقية بين الحكومة والجمعيات الخيرية.
وتترجم المفوضية هدفها العام في ثلاثة محاور عمل أساسية:
- أ- تشجيع وتطوير الطرق الأفضل لإدارة الجمعيات الخيرية.
- ب- تزويد القائمين على الجمعيات الخيرية بالمعلومات والنصح في أي أمر له تأثير في عمل جمعياتهم.
- ت- التحقيق والتحري في حالات سوء استغلال العمل الخيري
ومع أن الرقابة المالية هي من أهم الأعمال التي تمارسها المفوضية من خلال مطالبتها الجمعيات الخيرية بتقديم تقارير مالية سنوية مدققة من قبل جهات محاسبية معترف بها إلا أن دورها تعدى ذلك إلى السعي الجاد في توفير بيئة منظمة ونقية لتمارس الجمعيات الخيرية البريطانية رسالتها بيسر وسهولة، وتوفير سبل تطوير أداء هذه الجمعيات والعاملين فيها، ولذلك يجد المطلع على نشاط المفوضية كماً هائلا من الدورات والدراسات والأبحاث، فقد أصدرت المفوضية أكثر من 70 بحثا حول قضايا إدارية وقانونية تتعلق بعمل الجمعيات الخيرية، كما تصدر دورية فصلية عن شؤون العمل الخيري منذ عام 1994م.
ولقد انعكست هذه الرعاية والمساندة من قبل الحكومة على مجالات عدة في قطاع العمل الخيري في بريطانيا فقد بلغ عدد الجمعيات الخيرية البريطانية حتى ديسمبر عام 2003م، 164.781 جمعية خيرية وهي تنمو بمعدل (1000) جمعية تقريبا بشكل سنوي، كما استطاعت هذه الجمعيات أن تجمع أكثر من 31 مليار جنيه إسترليني، تصب في أعمال خيرية متنوعة داخل وخارج بريطانيا، وقد تنوعت خدمات هذه الجمعيات وتعدت الإنسان لتصل إلى الحيوان والنبات والبيئة، كما استطاعت هذه الجمعيات استقطاب أهل الكفاءات ليقدموا خدمات طوعية مجانية لمجالات تجلب اهتمامهم، ويستفيد منها المجتمع.
وبالرغم من أن عمل المفوضية في تنظيم قطاع الجمعيات الخيرية تعرض لبعض التغييرات في الفترة الأخيرة إلا أن المفوضية ما زالت تؤكد على مبدأ أن الجمعيات الخيرية يجب أن تكون حرة ومستقلة عن الحكومة.
إن القطاع الخيري لا يقل أهمية عن القطاع العام والخاص في مسيرة التنمية التي تنشدها كثير من الدول العربية وهي قادرة إذا ما فتح لها المجال أن تتخطى رتابة الأجهزة الحكومية ومادية الشركات التجارية لتصل إلى المحتاج وتلبي احتياجاته.
اسئل الله أن ينفع الله بك البلاد والعباد وأن يجعلك الله مبارك حيث ماحللت