لماذا تفشل المكاتب الإستشارية الغربية في المملكة العربية السعودية؟

  • — الأحد سبتمبر 04, 2016

 الكاتب : ستيف رويستون

السعودية تنفق أموال طائلة للحصول على الخبرات والاستشارات الغربية في محاولة لتغيير طريقتها في التعاطي بمجالات الأعمال، في القطاعين العام والخاص على حد سواء. وقد أصبحت البلاد منذ فترة طويلة سوقاً كبرى للاستشارات، وهو ما يجري اليوم، مع ما يبذل من جهود جبارة لمعالجة القضايا الملحة الآن والتي منها: السعودة والبطالة، والطاقة، والقضايا الاجتماعية مثل تعاطي المخدرات، والأمن، وقبل كل شيء تحدي الانتقال نحو الاقتصاد القائم على المعرفة. فإن معظم بيوت الخبرة والاستشارات الدولية الرئيسية اصبح لها وجود في المملكة، ومنها (McKinsey, KPMG, Booz and Co, Ernst and Young and PWC) على سبيل المثال لا الحصر.

تتمتع الكثير من هذه الشركات بسمعة طيبة للغاية، وتقوم بعمل جيد. ولكن بعض السعوديين الذين تحدثت إليهم وطلبت منهم التعليق حول الموضوع أن المكاتب الاستشارية الكبرى تجلب كبار مستشاريها للإقناع، ومن ثم تنشر صغار الموظفين، وقليلي الخبرة للقيام بالعمل. وبصرف النظر عما إذا كان هذا التعليق عادلاً، إلاّ أنني أتساءل أحيانا عما إذا كانت المملكة تحصل على مردود ذي قيمة طويلة الأجل مقابل الأموال التي قامت بتسليمها للشركات الاستشارية في القطاعين العام والخاص.

ومن واقع تجربتي في المملكة العربية السعودية فأن الشركات الاستشارية غالبا ما تقوم بإرسال منهجيات جاهزة مسبقاً، تم وضعها في نيويورك ولندن، وتحاول هذه الشركات أن تجعلها ملائمة لبيئة المملكة، وقد لا تكون مناسبة.

دعونا نأخذ مثالا نظرياً لمنظمة تريد إنشاء مركز للتعلم والتطوير المؤسسي. يقوم باستجلاب فريق من الخبراء الاستشاريين الغربيين، وخلال عام واحد ينشؤون مركزاً تعليمياً جديداً، يحظى المشروع بدعم متحمس من إدارة الشركة العليا، ولفترة معينة يتلقى بعض الاستعراضات التي تحوي ما يقوم بتحقيقه. وبعد سنوات قليلة، يتحول المركز إلى بركة آسنة، وقد غادره الاستشاريون منذ مدة، والإدارة تشعر بالحذر حيث أن الشركة على وشك إطلاق مؤسسة موازية تقوم تدريجيا بإزالة المركز الرئيس من دوره ومسؤولياته، ومن ثم يتم تركه حتى يذبل ويضمحل.

في الغرب، مثل هذه المنظمة سيتم إغلاقها، ويترك موظفيها عاطلين بلا عمل، أو يتم تكليفهم بعمل آخر. ولكن هذه ليس هي الطريقة السعودية. فعبر المشهد يمكنك أن ترى أمثلة لمنظمات فاشلة يتم إلحاقها بدائرة النسيان، بينما يتم انشاء او تعيين منظمات جديدة في نفس المكان؟!! ولعل هذا من الأسباب التي جعلت العديد من القطاعات تعج بالمنظمات التي لها وظائف متداخلة، والقليل من الشركات العملاقة، والبعض لا يزال يشق طريقه، والبعض الآخر في طريقه إلى الزوال.

وقد تتساءل، لماذا؟ هل هذه المنظمات غير متكاملة, وغير رشيدة. لم تعاد هيكلتها، كما ينبغي أن تكون في الغرب؟ الأسباب عديدة.

السعودة، التي تقف عقبة أمام أي مبادرة للتقليل من عدد السعوديين في العمل.

المحسوبية – رئيس الإدارة لديه صديق في المستويات القيادية العليا، والمدراء في المستويات القيادية الوسطى يخافون من أن يتعرضوا له. القوة التي يمكن أن تجلبها المنظمة غربية يتم تخفيفها بالمعايير المعقدة للثقافة السعودية.

وهنا مثال آخر. شركة كبيرة تقوم بتنفيذ نظام لإدارة الأداء تم تصميمه في الغرب. وبموجب هذا النظام كل موظف من الموظفين، من الإدارة العليا إلى أدنى موظف، من المفترض أن يخضع سنويا لتقييم الأداء، يتم وفقه تقييم قدرات الفرد مقابل مجموعة من الكفاءات القياسية التي تتبناها الشركة. نتائج التقييمات تحدد الزيادات التي يمكن أن تطرأ في الأجور، وكذلك الاحتياجات التدريبية للموظف والأهداف للسنة التالية.

تقوم الشركة بإنشاء مركز للتقييم يعمل فيه عدد من المختصين بالموارد البشرية. يتلقى فيه المئات من المديرين والمشرفين دورات تدريبية لتأهيلهم.

الفكر الكلاسيكي الغربي. تكلفة مركز التقييم، وتخطيط الكفاءات، التدريب واستشارات إدارة التغيير الذي لا مفر منه يستهلك ملايين الدولارات، حتى دون النظر في تكلفة انخفاض الإنتاجية.

وبعد سنوات قليلة، يتضح أن النظام الجديد لم يحقق النتائج المرجوة. بينما مجلس ادارة الشركة يُبلغ المساهمين بأن الشركة نفذت نظام حديث لإدارة الأداء. ولكن بإلقاء نظرة لما خفي داخل أعمال الشركة، سيتضح أن النظام لا يعمل.

تقييم الأداء غالبا ما ينطوي على تقييمات صريحة وسلبية أحيانا للأداء. لكن ليس من طبيعة معظم السعوديين توجيه انتقادات صريحة لزملائهم، وخصوصا عندما يتعلق الأمر بتقديم هذه الانتقادات كتابياً. كما يخشون أن تفهم انتقاداتهم على أنها إساءات أو شتائم، ويحذرون من الموظفين المزعجين الذين لديهم علاقات التي يمكن استخدامها في إلحاق الضرر بالتطور الوظيفي للمدير. ولذلك تميل التقييمات الى ان تكون مجرد مسكنات وتفتقر إلى الأسس الموضوعية، النتيجة التي تتحقق نتيجة قرارات مدفوعة القيمة ليست بالضرورة انعكاسا دقيقا للأداء.

فلماذا إذاً فشلت هذه المبادرات؟

هل فشلت لأن القيادات التي تلقت تعليمها في الغرب لم تفلح أبدا في ترجمة رؤيتها إلى واقع لأن البيئة الثقافية لم تناسبها؟ أم فشلت لأن الموظفين الأقل مرتبة الذين رأوا في النموذج الجديد بمثابة تهديد لأوضاعهم الحالية – وضمنياً يشكل خطر على وظائفهم ومكانتهم الاجتماعية – ولذلك شنوا عليه حملة المقاومة السلبية؟ وهل كانت هناك ثقافة معينة في المنظمة تتعارض مع هذه المبادرات، أم أن تلك الثقافة كانت مطابقة للأعمال السعودية ككل؟ هل فشل المركز أو نظام إدارة الأداء كسر في الواقع، أو كادا أن يفشلا – في استخدام إطاراً مرجعياً غربياً – دون المستوى الأمثل؟ وهل كانت تلك الحالة دون المستوى الأمثل، ولم تحقق ما كان يتوقع أن تحققه على المدى الطويل؟

كلها أسئلة معقدة، ولا توجد إجابات سهلة. ولكن ربما يجب أن نعود إلى فكرة أن ما يقوم الاستشاري بتصميمه لنيويورك لن ينجح بالضرورة في الرياض.

وفيما يلي بعض المقترحات حول لماذا تفشل بعض هذه الحلول المكلفة:

  1. المملكة العربية السعودية تنفق المليارات في إنشاء المنظمات وتنفيذ البرامج المستوحاة من النماذج الغربية. وقد تسارعت هذه العملية منذ دخول المملكة لمنظمة التجارة العالمية، لأن الحكومة اضطرت إلى تغيير الممارسات الطويلة الأمد وذات الصلة بالمنافسة والشفافية إلى جانب أمور أخرى.
  2. ظلت المملكة العربية السعودية وعلى مدى عدة عقود تستورد الخبرات الفنية والتقنيات الغربية من أجل تطوير البنية التحتية والمجتمع. وقد نجح استيراد التقنية، كما يتضح من البنية التحتية الحديثة التي تعمل وفق ما كان متوقعاً.
  3. الواردات الفكرية لم تنجح، وقد استثمرت المملكة العربية السعودية مبالغ ضخمة في القطاعين العام والخاص، من أجل استيراد النماذج التنظيمية التي نجحت في الغرب، ولكنها لم تكن فعالة في المملكة لأنها تتنافى مع البيئة الثقافية.
  4. الكثير من هذا الاستثمار الفكري ذهب هدراً لأنه كان مصمماً لإحداث تغيير ثوري (سريع) وليس تدريجي. المملكة العربية السعودية بطبيعتها بلداً شديد المحافظة، لا يستجيب للثورات بسهولة.
  5. معظم التغييرات التي أحدثها هذا الاستثمار كانت في تكوين بدلا من الجوهر. تواصل جوهر الحياة الاجتماعية والتجارية السعودية تتمحور حول المحسوبية والقبلية والعائلية والولاءات الإقليمية، والتطبيق العملي المحسوبية – المعروف أيضا باسم الواسطة.
  6. التغييرات الحقيقية التي حدثت في البلاد على مدى السنوات العشرين الماضية، باستبعاد البنية التحتية، شملت المواقف attitude، ووجهات النظر والتوقعات. وقد تسارعت هذه التغييرات بفضل الاتصالات السلكية واللاسلكية، ووسائل الإعلام أكثر انفتاحا، وشبكة الإنترنت، والسفر الدولي والتعليم الأجنبي. الشباب لا يستخدمون الفيسبوك لأن هذا هو ما تعلموه من آباءهم. انما يفعلون ذلك لأن والديهم اشتروا لهم أجهزة الكمبيوتر المحمولة ودفعوا لهم ثمن الاتصال بالإنترنت. لم يشجعهم أحد على زيارة المواقع الجهادية. يفعلون ذلك من تلقاء انفسهم.

بعض هذه النقاط قد تبدو واضحة، وهي بالتأكيد ليست جديدة على السعوديين أنفسهم، ولكن إن كنت تقبل جوهرها، فحينئذ يمكن القول أن تاريخ الواردات الفكرية إلى المملكة هو أن المصدرين يجنون الكثير من الدولارات، بينما المستورد يحصل على قيمة مشكوك فيها، رابح وخاسر win-lose ، ولكن بالتطلع إلى الأمام، فإن السؤال الذي يعادل 64 ألف دولار هو: كيف يمكن خلق معادلة ينجح فيها الطرفين معاً؛ رابح ورابح win-win ؟

الطريقة الوحيدة للسير إلى الأمام – كما قلت من قبل في المدونة – التحدي الأكبر أمام السعوديين هو أن يثقوا في شعبهم من أجل التوصل إلى الإجابات.

هناك ميل بين الحكومات والشركات في كل مكان لجلب الاستشاريين لأنهم لا يعتقدون أن شعبهم سوف يكون موضوعيا بما فيه الكفاية أو لديهم المهارات اللازمة، كما أن هناك ميزة إضافية إذا ما ساءت الأمور، هي أن يصبح المستشار بسهولة كبش فداء.

هذه النزعة ليست لدى السعوديين حصريا. لكنني ركزت على هذا البلد لأنه أكبر اقتصاد في المنطقة. ولكن بدرجة أقل أو أكبر أعتقد أن نفس هذه التعليقات تبدو صحيحة في دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى.

المستشارون الأجانب لديهم بكل تأكيد دورا يمكن أن يلعبوه في دوله مثل المملكة العربية السعودية، ولكن كخبراء ومرشدين، بدلا من مقدمي الحلول.

إذا أريد للحلول أن تكون دائمة ومناسبة ومستدامة، يجب أن تأتي هي نفسها من الداخل – يجب أن تنبع من عقول مواطنين اذكياء ومتحمسين على استعداد لتحمل مسؤولية قراراتهم بأنفسهم، نحن لا نهاب الفشل، على حلول أن تكون متوافقة مع الثقافة وليس ضدها.

وعلى الذين يقومون بتطبيقها يجب أن يدركوا جيداً أن تغيير العقليات والسلوك هو أصعب بكثير من بناء الطرق والمطارات ومصانع السيارات.

المصدر:

http://mideastposts.com/middle-east-business/middle-east-economics-analysis/saudi-arabia-%E2%80%93-why-western-consultants-fail/