يدهشني دائما التقديس الذي يمنح لرؤساء الشركات، ولو وضعنا غير الأكفاء منهم جانبا، فالذين يحصلون على حزم ضخمة عند مغادرتهم، أو أولئك الذين نهبوا من شركاتهم عشرات الملايين من الدولارات من الأجور والاستحقاقات، حتى عندما تتعرض شركاتهم لخسائر في الأموال أو الانهيار، أنا أتحدث حتى عن الرؤساء التنفيذيين الذين يديرون شركات رابحة.
اذا لماذا يظن البعض منا أن الرئيس التنفيذي يعرف كيف يدير الدولة؟، فالدولة ليست شركة، كما كتب بول كروغمان منذ سنوات عديدة؟!
أردت أن تناول هذا الموضوع اليوم استجابة لمناشدات عامة مختلفة من المديرين التنفيذيين الذين يقولون : “أن البلاد في حالة اضطراب، وأنهم أعلم بما هو الأفضل، وعليكم فقط الإستماع لما نقول … أيها الحمقى”. سأعود إلى المناشدات بعد قليل.
أولا، كروجمان. في عام 1996، كتب كروجمان مقالا لاذعاً بعنوان “الدولة ليست شركة” (والذي تمت طباعته في كتيب صغير). تقول بداية الكتاب:
ما يتعلمه الناس من ادارة الشركات لن يساعد على صياغة السياسة الاقتصادية، والبلاد ليست شركة كبيرة، فعادات العقل التي تجعل من الشخص رجل أعمال كبير، ليست هي نفسها التي تجعل منه محللاً اقتصاديا عظيماً. والرئيس التنفيذي الذي يكسب مليار دولار نادرا ما يكون الشخص المناسب لتقديم المشورة لاقتصاد قيمته 6 تريليونات دولار.
كتاب كروغمان يتحدث عن مجالين يدعي الرؤساء التنفيذيون أنهم خبراء فيها، ولكن يتبين أنهم لا يعرفون شيئا عنهما، وهما: الصادرات وفرص العمل، والاستثمار والميزان التجاري. ولا أعتقد أنك بحاجة لمعرفة تفاصيل حجته في تلك المجالات المحددة (لكنها مثيرة للاهتمام جدا) حتى نتمكن من الانتقال إلى ملاحظاته العامة :
ولكن حتى إذا كان كبار رجال الاعمال ليسو جيدين جدا في صياغة النظريات العامة أو في شرح ما يفعلونه، فلا يزال هناك أناس يعتقدون أن قدرة رجل الأعمال في اقتناص الفرص وحل المشكلات في حياته التجارية الخاصة يمكن تطبيقها على الاقتصاد الوطني، وفي النهاية، ما يريده رئيس للولايات المتحدة من مستشاريه الاقتصاديين ليس هو النصائح التي يحفظونها حول ما يجب القيام به بعد ذلك. ولماذا الشخص الذي أظهر قدرات جيدة باستمرار في ادارة الشركة، لا يصلح لتقديم المشورة الجيدة للرئيس حول إدارة البلاد؟ لأنه، باختصار، الدولة ليست شركة كبيرة.
الكثير من الناس يواجهون صعوبة في استيعاب الفوارق في التعقيدات حتى بين أكبر الشركات والاقتصاد الوطني، الاقتصاد الأمريكي يقوم بتوظيف 120 مليون شخص، أي حوالي 200 ضعف لعدد الوظائف التي تقدمها شركة جنرال موتورز ( أكبر شركة تقدم فرص عمل في الولايات المتحدة) ولكن حتى هذه النسبة: 200 إلى 1 تعد استخفافا إلى حد كبير بالفرق في التعقيد بين أكبر الشركات والاقتصاد الوطني، فأي شخص متخصص في الرياضيات سيقول لنا أن عدد التفاعلات المحتملة بين مجموعة كبيرة من الناس يتناسب مع مربع عددهم، وحتى لا تختلط عليك الأمور، فمن المرجح أن الاقتصاد الأمريكي أكثر تعقيدا من أكبر شركة بمئات المرات إن لم يكن بعشرات الآلاف من المرات. وعلاوة على ذلك، فهناك شعور بأنه حتى الشركات الكبيرة جدا ليست بذلك التنوع، لأن معظم الشركات بنيت حول كفاءات محددة: تكنولوجيا معينة أو بالتوجه لنوع معين من الأسواق، ونتيجة لذلك، حتى الشركة الضخمة التي يبدو وكأنها تعمل في العديد من المجالات المختلفة تميل إلى أن تكون موحدة في نشاط مركزي واحد.
والفكرة هي أن الرؤساء التنفيذيين، ورجال الأعمال بشكل عام، يعانون من ضيق الأفق، ولا أقول هذا على سبيل الإزدراء، ولكن هذه ببساطة هي طريقتهم في التفكير في مجال عملهم، منتجاتهم – وليست لديهم تقريباً القدرة على التفكير في نطاق أوسع، وهو ما نحتاجه نحن كبلد.
وأخيرا، يقول كروغمان:
في المرة القادمة ستسمع رجال الأعمال يدلون بوجهات نظرهم حول الاقتصاد، وحينئذ أسأل نفسك، هل قام هؤلاء بقضاء ما يكفي من الوقت لدراسة هذا الموضوع؟
وهل قرأوا ما يكتبه الخبراء؟
إذا لم يكن كذلك، فلا يغرنك نجاحهم في الأعمال التجارية، عليك أن تتجاهل ما يقولون، فلعلهم ليست لديهم أي فكرة عما يتحدثون عنه.
هذه الحجة لطيفة وبسيطة – وحتى أنها لا تأخذ بعين الاعتبار السبب الأكثر وضوحا لعدم وضع السياسة الاقتصادية في أيدي رجال الأعمال: فالرؤساء التنفيذيين للشركات في زماننا هذا بشكل عام، لا يهتمون بمعاناة موظفيهم، أو الطبقة الوسطى أو الفقراء.
وهذا يقودني إلى قائمة كاملة من رجال الأعمال الذين يريدون أن يقدموا لنا النصائح حول كيفية ادارة البلاد: ستيف شوارتزمان، هوارد شولتز وهاينز، 57 من رجال الأعمال وآخرون الذين ينعقون حول الدين الزائف وأزمة العجز المالي.
القيادة أمر هزلي تقريبا، إن لم يكن ضاراّ، الرئيس التنفيذي لشركة بلاكستون، ستيف شوارتزمان، يكتب اليوم في صحيفة فاينانشال تايمز، ويدعو شوارتزمان إلى “التضحية المشتركة”، ويقول في مقال بعنوان – تماسك ولا تضحك رجاءً – “غصن زيتون لأوباما: سوف أشارك الألم”:
لننسى ولو للحظة، الأنين تحت وطأة “صراع الطبقات” (وهو في نظر شوارتزمان، انتقاد لكبار الأثرياء الذين سرقوا البلاد) كيف يمكن لأي شخص أن يأخذ على محمل الجد ما يقوله رجل يربط الانتقادات بأسباب الأزمة الاقتصادية الهائلة؟ هذا مجرد معتوه.
وبالإضافة إلى ما يملكه من منازل، يمتلك شوارزمان عقار ساحلي في سان تروبيه وممتلكات على شاطئ البحر في جامايكا، وتبلغ القيمة الإجمالية للعقارات الخمسة: 125 مليون دولار. وقال شوارزمان لمجلة نيويوركر: “أنا أحب البيوت، لست متأكدا لماذا.”
وبناء على تعبيراته المتكلفة وتصريحاته العلنية عن ثروته، كنت على الأقل أعتقد أن الأداء المالي الفعلي لمجموعة بلاكستون من شأنه أن يكون قويا تحت قيادة شوارزمان، ولكن بإعادة النظر في الأمر، الاستثمارات التي قامتها بها الشركة تحت إدارة شوارزمان لم تكن بالمستوى الذي كان متوقعاً.
إذاً، لماذا يظن المرء أن ريساً تنفيذيا كهذا يمكن الأخذ برأيه والاستماع له ؟
أما هوارد شولتز، الرئيس التنفيذي لشركة ستاربكس. وربما اطلعت على كتابه “رسائل إلى أمريكا” ، يجب علينا استعادة الأمل في الحلم الأميركي. يجب أن نحتفل بكل ما تقوم به أمريكا في جميع أنحاء العالم. وبينما اعترف آباؤنا المؤسسون بقيمة الحوار السياسي البناء، علينا أن نرسل رسالة إلى المسؤولين الذين يتم انتخابهم اليوم بصوت مدني محترم يمكن أن يسمعوه ويفهموه، لقد آن الأوان لنضع المواطنة قبل التحزب.
نعم، كل ما يشغل الرئيس التنفيذي هو “الجمود الحزبي” … لقد سمعنا هذا الموال من قبل، إذا وضعنا جانبا لماذا يستمع المرء إلى الرجل الذي يعرف شيئا واحدا فقط وهو (القهوة)، فلماذا تريد البلاد بكاملها ان تستمع لشخص يريد استعادة “الحلم الأميركي”، ولكنه يتناسى بكل سهولة كيف أنه قاوم وقاتل وبكل قوة أي محاولة لتشكيل نقابات للعاملين في ستاربكس؟ إنه دجال آخر.
وأخيرا، لحقت بركب الإنقاذ كتيبة الكاتشب، الذين يريدون لنا – وأنت وأنا، أن نتحول إلى دمى – للتفكير عندما يتعلق الأمر بالدين المزيف و”أزمة” العجز:
قامت مجموعة من 57 شخصا على الأقل من رجال الأعمال البارزين والمسؤولين الحكوميين السابقين بالتوقيع على عريضة لدعم أكبر لخفض العجز، حيث أنهم سيقومون بإطلاق العريضة في مؤتمر صحفي ومن بين هؤلاء وزراء سابقين للخزانة، ومديري الميزانية والمستشارين الاقتصاديين لثمانية رؤساء من ريتشارد نيكسون إلى أوباما، زعماء سابقين في الكونجرس، ورؤساء تنفيذيين في الشركات الكبرى.
رسالتهم تعكس شعورا واسعا من الإلحاح في كلا الطرفين، وبين الاقتصاديين والشركات، بحيث يجب على الأمة وضع تدابير بعيدة المدى لتقليص العجز في المستقبل، في مستويات الإنفاق الحالية، من المتوقع أن يتضخم هذا العجز على مدى العقد القادم مع تقدم السكان في العمر ومع ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية.
العريضة لا تدعو إلى اتخاذ تدابير لخلق فرص العمل على المدى القصير مثل خفض الضرائب وخفض الإنفاق على البنية التحتية التي اقترحها أوباما الأسبوع الماضي، وهو ما يمكن من زيادة العجز الموجود أساساً.
المجموعة يقودها ديفيد كوت، الرئيس التنفيذي لشركة هانيويل، ويمكنني أن أقول أن تميزه الرئيسي، هو أنه دفع مبلغ 15.2 مليون دولار في حين أن شركته استعادت مبلغ 471 مليون دولار ولا تزال تحتفظ بخمسة على الأقل الملاذات الضريبية قبالة الساحل .
فهل هذا هو الرجل الذي نريد أن نستمع له بخصوص أي سياسة تتعلق بالصحة الاقتصادية للبلد؟ الذي يساعد الشركة في عدم دفع الضرائب ويخبئ الأموال في الخارج؟
خلاصة القول.. من الغباء الاعتقاد بأن الرؤساء التنفيذيين لديهم أي فكرة عن كيفية إدارة البلاد، السبب الوحيد، في الحياة الواقعية، أن لديهم مكبر للصوت يمكن شراؤه ببساطة – للإعلانات إما على صفحة كاملة، أو أحد بيوت الخبرة، أو سياسيينا.
ولكن، علينا أن لا نمنحهم الفرصة.
المصدر: www.dailykos.com