هارفرد بزنس رفيو || تانيا لونا و جوردان كوهين
إنها التاسعة صباحاً في مكتبنا بمدينة نيويورك، ومرّ أحدنا (جوردان) بمطبخ الطابق الخامس لأخذ ثمرة فاكهة مما تقدمه شركة “وايت وتشرز” (Weight Watchers) لموظفيها بالمجان. وعندما وصل إلى هناك، وجد ذلك المشهد المألوف: نفد الموز ولم يتبق سوى البرتقال. وعندما اقترب آخرون ولم يجدوا الموز، لم يأخذوا البرتقال المجاني وانصرفوا فحسب. ما خطب هؤلاء الناس؟ هل هناك نزعة إلى كره البرتقال بين موظفي هذه الشركة؟
اتضح أن الإجابة هي “لا”، إذ لاحظت تانيا انتشار هذه الظاهرة في مئات الشركات. أطلقنا على هذه الظاهرة اسم “مبدأ الموز”، حيث ينتهي الموز أولاً، والبرتقال أخيراً. ولا يتعلق الأمر بالفاكهة نفسها، فقد يفسر الأخصائي النفسي ذلك بالطبيعة البشرية ويفسره المصمم بسهولة الاستخدام.
والسبب ليس أن الموز في حد ذاته ألذ من البرتقال، ولكن يرجع اختلاف الإقبال عليهما إلى سبب واحد: وهو سهولة التقشير. ( تقشير الموز أسهل).
ولكي تلاحظ كيف ينطبق “مبدأ الموز” على أمور أخرى، تخيّل أنك تترأس مبادرة تغيير تهدف إلى تعزيز التعاون بين الفرق المختلفة في منظمتك وزيادته بنسبة 30% بحلول نهاية العام. فكيف ستحقق ذلك؟ إذ لن ينجح الاكتفاء بحث الموظفين على التعاون، إنما يتوجب عليك أن تكون مبدعاً.
يمكن التفكير في الأمر بطريقة أخرى، وهي نظرية “الاحتكاك”، ويُعرّف الاحتكاك بأنه القوة التي تؤدي إلى إبطاء التقدم، لذلك يتم تشحيم قضبان السكك الحديدية في معظم القطارات لتقليل الاحتكاك، ويستخدم “قطار الطلقة” فائق السرعة في الصين، الذي تصل سرعته إلى 350 كيلومتر في الساعة، الطاقة المغناطيسية لرفع القطار فوق السكة. وبالمثل، ينطبق ذلك على الطريقة التي يعمل بها الموظفون، فكم من إجراءات إيجابية أحبطتها عراقيل صغيرة؟ وكم من عادات سيئة يسهل الاستمرار بها؟ وكيف يمكنك الاستفادة من نظرية “الاحتكاك” لتصعيب السلوكيات السيئة؟ وكيف يمكنك تخفيف “الاحتكاك” لجعل السلوكيات الإيجابية سهلة وانسيابية لا صعبة وشاقة؟
رأى الفيلسوف غيوم فيريرو (Guillaume Ferrero) منذ قرن مضى أو أكثر أن الإنسان يعمل وفقاً لمبدأ “الجهد الأقل”، وعندما تكون أمامنا العديد من السبل، نختار أيسرها، وفي الوقت الحاضر، يرى شون أكور (Shawn Anchor)، أستاذ علم النفس في جامعة هارفارد، أن السلوك الذي نختاره هو السلوك الأسهل الذي يحتاج 20 ثانية أقل للبدء به، وهذا هو تقريباً الفرق بين وقت تقشير البرتقالة ووقت تقشير الموزة.
وإليكم مثالاً رائعاً على “مبدأ الموز” من شركة “فرست دبز” (1stdibs)، وهي سوق إلكترونية لتجارة الفنون والتصميمات، وتتميز شركة “فرست دبز” بثقافة ودودة ومرحبة، ولكن شأنها شأن الكثير من الشركات سريعة النمو، لم يكن موظفوها الجدد يحصلون على الاهتمام الكافي من زملائهم الأقدم.
هل هي نظرية “الاحتكاك”؟ لا يُعتبر تمييز المبتدئين وتذكّر أنهم بجاجة إلى المزيد من الاهتمام بالأمر السهل. لذلك، قرر فريق الموارد البشرية في الشركة إعطاء كل موظف جديد بالونة مكتوب عليها “أول يوم لي في فرست دبز”، حيث تحلق البالونة فوق مكتب الموظف الجديد داعية الجميع للقدوم إليه والتعريف بأنفسهم وعرض المساعدة.
وباعتبارنا شركة استشارية، تمكنّا من تحقيق الاستفادة من “مبدأ الموز” في تسهيل التعاون بين مختلف الفرق لدينا.
فهل وقفت نظرية “الاحتكاك” في طريق انسيابية التواصل بين الموظفين؟ نعم، إذ يتطلب الذهاب إلى مكاتب الآخرين وفتح الأبواب بعض الجهد، ومن الواضح أن هذه الشركة بها الكثير من الأسئلة التي تستلزم ذلك. وللتخلص من هذا النوع من “الاحتكاك”، خصصت الشركة منطقة محايدة للفرق متعددة الوظائف، حيث توجد في معظم أماكن العمل غرف اجتماعات مغلقة لهذا الغرض، إلا أن حجز هذه الغرف يتطلب المزيد من الوقت والجهد كما أنها لا تتميز بالمرونة الكافية لاستيعاب احتياجات مختلف المجموعات. لذلك، خصصت هذه الشركة الاستشارية مساحات مفتوحة بلا أبواب ليستخدمها الموظفون حسب احتياجهم. بل وقامت كذلك بطلب كراسي وطاولات مزودة بعجلات لتسهيل تحريكها من مكان إلى آخر بدلاً من جرّها إلى المكان المراد.
حتى إذا لم تتَح لك إمكانية تصميم المساحة المكتبية لديك، يتوجب عليك أن تفكر في كيفية إعادة تنظيم مكان العمل بما يضمن تعزيز السلوكيات المطلوبة.
هل تريد دفع بعض الأشخاص للتحدث مع بعضهم البعض بشكل أكبر؟ اجعلهم في أماكن متقاربة أو خصص مكاناً مشتركاً يمكنهم الاجتماع فيه.
هل تريد من الموظفين طرح المزيد من الأفكار؟ علّق ألواح الكتابة أو ضع رزماً من أوراق الملاحظات اللاصقة في كافة الغرف.
هل ترغب في تشجيع الموظفين على إبداء آرائهم وملاحظاتهم؟ حدد أماكن للمحادثات الخاصة أو قدم لهم بطاقات شراء مجانية من المقاهي المحلية.
هل ترغب في تشجيع الموظفين على الاهتمام بإعادة التدوير؟ ضع صناديق مخصصة لإعادة التدوير في أماكن مختلفة ضمن المكاتب.
ولكن، ماذا إن كان هدفك هو منع سلوك معين أو الحد منه؟ عندها يتوجب عليك أن تستمد إلهامك من البرتقال لا الموز. بعبارة أخرى، عليك زيادة قوة “الاحتكاك”. مثلاً، إذا كنت تعاني من مشكلة تجمع المراهقين بالقرب من شركتك، لن تُحل المشكلة بالصراخ عليهم أو وضع لافتات تحذيرية، إذ لن تجدي غالباً هذه الأساليب نفعاً مع المراهقين المتمردين، وبتطبيق “مبدأ الموز”، سيكون عليك أن تفعل ما ينفرهم من قضاء الوقت في هذا المكان. ونأخذ مثالاً على ذلك، نفقي مشاة في لندن انتشرت بهما ظاهرة تجمعات المراهقين المستمرة والخطرة، ولحل هذه المشكلة، استخدمت الحكومة إضاءة زهرية اللون داخل الأنفاق. نجح ذلك في إبعاد المراهقين؟ لأن الإضاءة الزهرية تعمل على إظهار آثار البثور بشكل أكبر.
ويعمل “مبدأ الموز” على نطاق أصغر بكثير. على سبيل المثال، أرادت شركة “سكوير سبيس” (Squarespace)، المتخصصة في تطوير مواقع الإنترنت، الحد من انشغال الموظفين بهواتفهم أثناء جلسات التدريب، وعلمت الشركة أن سياسة منع استخدام الهواتف لن تجدي مع موظفيها محبي التكنولوجيا، فقام فريق الموارد البشرية باستخدام “عنصر احتكاك” بين الموظفين وهواتفهم، إذ وضعوا صناديق مليئة بالألعاب الصغيرة في كافة غرف الاجتماعات بدءاً من ألعاب “السبينر” وحتى ألعاب “السلانكي” لصرف انتباه الموظفين عن هواتفهم، وانشغل الموظفون بهذه الألعاب عن تفقد هواتفهم طوال فترة التدريب، وعلى عكس ما يبدو عليه الأمر، ساعدت هذه الألعاب على استفادة الموظفين من الجلسات التدريبية بشكل أكبر.
ومن “البرتقالات” الرائعة التي نراها في الكثير من الشركات استخدام سماعات الرأس في مساحات العمل المفتوحة لمنع أي مقاطعة أو تشويش أثناء العمل، إذ أن رؤية الموظفين وعلى رؤوسهم السماعات يصعب قليلاً البدء في أي محادثات لا داعي لها، ومع ذلك، اكتشف فريق كنا نعمل معه أن استخدام سماعات الأذن الصغيرة ليس كافياً لإبعاد كافة محاولات المقاطعة، حيث يقوم الزملاء في هذه الحالة بالتلويح أمام وجوه بعضهم البعض. ولزيادة عنصر “البرتقالة”، قدّم مدير الفريق لكل موظف سماعة رأس كبيرة حمراء اللون، عندها انخفضت نسبة المقاطعات. ولتقليل محاولات المقاطعة أكثر من ذلك، أقامت شركة “واربي باركر” (Warby Parker) مكتبة لموظفيها، حيث يمكنهم العمل فيها بهدوء، وألحقت بها غرفة سرية مخفية خلف أحد رفوف الكتب للحصول على الخصوصية التامة.
لاحظ أن ما سقناه من أمثلة لا يتطلب خطابات مقنعة أو طلبات أو توضيحات، إذ تكمن قوة “مبدأ الموز” في بساطته. إذاً، في المرة القادمة التي تحاول فيها إقناع غيرك، أو حتى نفسك، بتغيير سلوك ما، بدلاً من ذلك فكر في طريقة تغيّر بها مستوى “الاحتكاك”. وابحث عن وسائل تجعل السلوكيات الإيجابية مثل الموز والسلوكيات السلبية مثل البرتقال. أما بالنسبة للفاكهة، ننصحك بالتوقف عن شراء البرتقال لموظفيك إذا استمروا في عدم تناوله.