هناك نوع واحد من المؤسسات الحكومية بدأ الآن يستعد على ما يبدو لاستخدام التمويل التجريبي للتحول الاقتصادي وهي بعض الحكومات المحلية في الولايات والمقاطعات والبلديات. حيث تحتاج هذه الحكومات باستمرار إلى تحويل أصولها إلى دخل يمكنها استخدامه لتمويل المشاريع والبرامج التي تقوم بتنفيذها. وقد أصبحت هذه السلطات وبشكل متزايد تعزل نفسها عن الحكومات الوطنية المحافظة التي تتبني السياسات التقليدية وتستخدم القوة المالية للدولة القومية لفرض سياسات رجعية على سكان المناطق الحضرية، وهي سياسات لا يحبذها سكان تلك المناطق. ويمكننا في واقع الحال أن نرى في جميع أنحاء العالم ظهور شبكة المدن التي تعيد صياغة العلاقة بين الدولة والمدينة، ونلاحظ في نفس الوقت أن افتقار هذه المدن للاستقلالية المالية يقف حجر عثرة أمام تنفيذ مشاريعها.
لقد أشارت إحصاءات العام 2008 إلى أنه ولأول مرة في تاريخ البشرية ، يصبح عدد السكان الذين يعيشون في المناطق الحضرية أكثر من الذين يقطنون المناطق الريفية. حيث أن أكبر 40 مدينة عملاقة في العالم تمثل الآن أكثر من 25٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وهو ما يعادل تقريباً إجمالي الناتج المحلي للولايات المتحدة.
بينما تنمو المدن في جميع أنحاء العالم وتكتسب مستويات هائلة من القوة الاقتصادية والثقافية، إلا أن سكانها يتم حرمانهم من حقوقهم في الخطط المعمارية التي تضعها السلطات التي تتولى التخطيط العمراني في الدولة والنظام السياسي الدولي. لقد أصبحت الآثار المترتبة على هذه الديناميكية رهيبة على مدى السنوات القليلة الماضية، حيث تنامت موجة من الشعوبية المحافظة التي تبدو غير عقلانية في المناطق الريفية التي لا تستفيد من اندماجها في الاقتصاد العالمي، وأصبحت هذه الموجة تسيطر على السياسة الوطنية في جميع أنحاء العالم.
وفي الوقت الذي تدفع فيه الحكومات الوطنية المدن بعيدا عنها من خلال السياسات التي تنتهك سيادتها البلدية، أصبحت المدن تقرب من بعضها البعض للتعاون في كل شيء، من كيفية إدارة أنظمة النقل الجماعي إلى مكافحة التغير المناخي.
السؤال متى ستشارك بلديات المدن، بشكل فردي وجماعي، في نوع الممارسات المالية التي مكنت البنوك المركزية والمصارف التجارية والشركات متعددة الجنسيات من السيطرة على الأنظمة الاقتصادية في جميع أنحاء العالم؟
ستشارك فيه عندما تتمكن من إنشاء نظامها المالي المدعوم بتقنية البلوك تشين blockchain وتقوم بربط تلك الأنظمة معا لإنشاء تمويل عالمي جديد. وعند حدوث ذلك، ستقوم الحكومات المحلية بتطوير قدرتها على تحويل نشاطها الاقتصادي إلى مصادر جديدة للثروة، والمزيد من الاستقلال الاقتصادي والمزيد من الاستقلالية في القرار.
دعنا نتخيل ولو للحظة ما يمكن أن يحدث إذا اختارت البلدية اختبار استخدام عملة مشفرة تعتمد على Blockchain بدلاً من سندات البلدية لجمع الأموال.
السندات عمومًا تأتي بصيغتين: سندات “الالتزام العام” المدعومة بالأموال العامة للمدينة والتي تأتي غالبًا من ضرائب الملكية و”سندات الإيرادات” ، التي يدعمها تدفق إيرادات محددة مثل رسوم العبور على الطرق الرئيسية أو نوع آخر معين من الضرائب. ففي سندات الإيرادات، تبيع المدينة الوعد بالإيرادات المستقبلية من المشروع إلى المستثمرين الذين يمولون المشروع الآن. وينتج عن ذلك خسارة صافية للمدينة خلال مدة الصفقة: فهي تمنح أموالًا أكثر مما تكسبه الإيرادات.
وبطبيعة الحال ، فإن السندات تمول المشروع الذي يقوم بتوليد الإيرادات ، لذلك على الرغم من أن المدينة تخسر المال على الصفقة ، فإنها تحصل أيضا على إنتاج المشروع وكسب عائد منه دون الاضطرار إلى إنفاق أي أموال في الوقت الحالي. وهو نظام جيد على أية حال.
ولكن في حالة إصدار عملة رقمية مشفرة مدعومة بالإيرادات ، تستخدم المدينة وعد الإيرادات المستقبلية لدعم قيمة الأموال الجديدة التي يتم إصدارها من خلال عملية الكسور الاحتياطية fractional reserve process. ويمكن للمدينة بعد ذلك أن تنفق هذه الأموال الجديدة فيما تراه مناسباً. وستكون النتيجة حينئذ هي تحقيق مكاسب صافٍ للمدينة، لأنه حتى في ظل سياسات الإقراض الاحتياطي الأكثر تحفظاً، فإن المدينة ستكون قادرة على خلق المزيد من الأموال الجديدة من قيمة الأصول التي ستقوم بتحويلها إلى سندات.
وعلى خلاف إصدار السندات، والذي ينتج عنه مبلغ كبير من المال يتم توفيره على الفور تقريبًا، فإن التوسع في عرض النقود من العملة الرقمية للبلدية يجب أن يتم على مراحل وخلال فترة زمنية معينة، لذلك لا يؤدي إلى حدوث تقلبات كبيرة في قيمة العملة. وهذا يجعل العملة الرقمية للبلدية أكثر فائدة لتمويل البرامج طويلة الأجل بدلا من المشاريع قصيرة الأجل مثل بناء البنية التحتية.
ومن بين المجالات التي يمكن أن تكون فيها العملة الرقمية المشفرة للبلدية مفيدةً ، هو من خلال تمكين استخدام الأصول الأصغر لتمويل المشاريع والبرامج الصغيرة الجديدة.
في الوقت الحالي ، يتم إصدار أصغر السندات بنحو 5 ملايين دولار ، لذلك لا يتم ببساطة ضم أي أصول تقع قيمتها تحت هذا السعر. بالإضافة إلى ذلك، يبلغ الحد الأدنى لاستثمارات السندات 5000 دولار، لذلك لا يمكن للأشخاص الذين يرغبون في استثمار مبالغ أقل من هذا المبلغ المشاركة في ذلك. هذا يمثل فرصة للعملة الرقمية المشفرة cryptocurrencies أن تحدث فرقاً. ويمكن للبلديات أن تستخدم أصولًا صغيرة جدًا لتعمل كضمانات سندات لدعم برنامج عملتها الرقمية، ثم تستخدم تدفقها المتنامي من العملة الجديدة لملء الفجوات في الميزانية أو تجربة البرامج الجديدة، فإذا نجحت الفكرة ، فبها ونعمت، وإن لم تنجح – فستكون الخسائر محدودة.
إذا استطاعت المدن الاستفادة من تقنية البلوك تشين لتصبح الكيانات المالية الخاصة بها، فإن الآثار ستكون هائلة، فبعد أن كانت البلديات مستهلكا للمال وكانت تضطر إلى دفع ثمنه، قد تكون منتجة للمال وتبيعه للآخرين.
إن الاستقرار المالي للبلديات وحافظات أصولها القوية تجعلها الكيانات المثالية للانخراط في هذا النوع من النشاط، والحالة الوليدة لتطور البلوك تشين (وقوانينها) تعني أن هذا هو الوقت المثالي لاستكشاف هذه الاحتمالات.
إن إنشاء البلديات “بنوك للعملات الرقمية المشفرة” خاصة يمكن أن تكون له فوائد عديدة، منها: زيادة الإيرادات للعمليات، والاقتصادات المحلية الأكثر مرونة، وتقليل الاعتماد على السياسات الاقتصادية المركزية والآليات النقدية والمزيد من القدرات عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع التمويل العالمي.
المصدر: https://www.financewithoutforce.com/