لو أمعنت النظر في أي مؤسسة تلعب فيها الثقة دورا محوريا، فستجد أن الإدارات أو الوحدات أو فرق العمل التي يتألق فيها الموظفون وتزدهر فيها الأفكار ويحققون نتائج استثنائية في أعمالهم، هي نتيجة الثقة.
الإدارة الناجحة تدرك تماما أن الثقة أصبحت ضرورة حتمية لا بد منها في مكان العمل، ومعرفة كيفية بناء الثقة والعمل بثقة في عصر يسود فيه عدم الثقة ويعد أمرا أساسيا لأي شخص يحرص على تحقيق نتائج رائعة في عمله.
بيد أن عملية بناء ثقة مستدامة تتجاوز الأساسيات، والكوادر القيادية التي تتمتع بالفعالية تجدها تعمل على رعاية الثقة وتوليها اهتماما خاصا باستخدام أساليب عديدة من أجل تحقيقها؛ واليك فيما يلي عشرة أساليب (وسائل) تساعد المديرين (القادة) على بناء الثقة في العمل:
- الاتقان والكفاءة : يجب أن تتقن كل ما تقوم به، قد يكون المحتوى موجود على الإنترنت ( او لدى الذكاء الاصطناعي)، لكن الكفاءة هي المعيار الأهم في بيئة العمل. ذلك أن الكفاءة تسهم في بناء الثقة في الأداء، وأن أداءك المتقن لعملك يعد اختباراً ملموساً للمصداقية.
- إظهار الحماس : إظهار الحماس لا يقصد به التشجيع أو التصفيق أو الحماس المفتعل، بل هو نابع من رغبة داخلية، وتصميم، ودافع خاص، وهو يعني بالنسبة للكثيرين أن تُحدث فرقًا أو أن تساهم في عمل جامع، وقد يظهر الحماس بهدوء لدى بعض القادة، وقد يكون واضحاً وصاخباً وجهيراً لدى البعض الآخر، لكنه على أية حال يمكن تمييزه بسهولة من قبل المحيطين بهم.
- تحلى بالنزاهة السلوكية : النزاهة السلوكية تعني مطابقة الأقوال للأفعال، ولن تكون هناك مصداقية، ما لم تتطابق الأقوال مع الأفعال، ولن تكون هناك ثقة مع غياب المصداقية، فالنزاهة السلوكية تدل على الجدارة في الثقة، فالذين يقومون ببناء الثقة لا يلتزمون بما لا يستطيعون الوفاء به، ولا يقدمون وعوداً لا يمكنهم الوفاء بها، ولا يتوانون في الاعتراف بأخطائهم أو عيوبهم.
- الاهتمام بالآخرين : الاهتمام بالآخرين والاحسان إليهم أمر مهم للغاية، والقادة الذين يقومون ببناء الثقة لطفاء ويقومون بمراعاة مشاعر الآخرين، ويعملون بقلوب رحيمة، فهم ينظرون إلى الأفراد باعتبارهم أفراد، ولا يمارسون أي تحيز نمطي من حيث الجنس أو الجيل.
- حب الخير للآخرين : القادة الحقيقيون هم الذين يساعدون الآخرين في إبراز أفضل ما لديهم، ومساعدتهم على تعزيز وتطوير نقاط القوة لديهم حتى يحققوا أهدافهم، هؤلاء هم الذين يقدمون التحديات والفرص لمساعدة الآخرين على النمو والتطور، إنهم يساعدون الآخرين على تحقيق النجاح.
- استمع لمن حولك : القادة الحقيقيون لا يستمعون للآخرين حتى يردون عليهم؛ بل يستمعون لكي يتعلموا مما يقوله لهم الآخرون، فمن خلال تأجيل القادة لحكمهم على الموضوع المحدد، ومن خلال وجودهم ومشاركتهم في حوار حقيقي مع الآخرين، يمكنهم تقبل الرأي الآخر، ويخلقون الانفتاح ويسهمون في تسهيل التواصل.
- كن إيجابياً : في العالم الواقعي، القادة الحقيقيون الذين يجيدون بناء الثقة يتمتعون بروح إيجابية، هناك بالتأكيد، أزمات ومشكلات يمكن أن تحدث في العمل، لكنهم لا يسارعون إلى الصراخ مع كل مشكلة، بل يتريثون قليلاً قبل أن يدقوا ناقوس الخطر، يضعون المشكلات في سياقاتها الطبيعية، ويدركون أن الأمور لا تسير دائمًا إلى الأفضل – بالرغم من الجهود الجبارة التي تبذل من أجل ذلك.
- قم بإدارة التوجه والعمل، وليس الموظفين : القادة الذين يقومون ببناء الثقة يرسمون تصوراتهم للأهداف من خلال كلمات لمساعدة الموظفين على رؤية الصورة النهائية (أو “ما يمكن أن تبدو عليه”) للوصول إلى الهدف، ويتركون للموظفين حق تحديد الاتجاه في العمل، ولا ينشغلون بإملاء التفاصيل عليهم، ويزيلون العقبات ويقللون من البيروقراطية، ويساهمون في تسهيل الأمور على الموظفين وليس بتعقيدها، حتى يتمكنوا من إنجاز أعمالهم.
- قل شكرا : القادة الحقيقيون يقدرون جهود ومساهمات من يعملون معهم، وكما يقول أرنولد غلاسكو Arnold H. Glasgow، “القائد الحقيقي يتحمل من اللوم الأكثر؛ وينال من الثناء الأقل” يقومون بالاثنين معاً.
- انظر لما هو أبعد من طموحاتك الشخصية : القادة الحقيقيون بناة الثقة، لا يتعلق الأمر بالنسبة لهم بالترقية أو المكافأة أو الإنجاز لأنفسهم؛ بل يطمحون لما هو أبعد من ذلك وأكبر، إنهم يربطون الأسباب بالمسببات ويساعدون الآخرين على رؤية المشهد المقصود، وهؤلاء هم الأشخاص الذين يمكّنون الآخرين من معرفة السبب الذي يجعل عملهم مهمًا بالفعل.
النجاح وبناء الثقة
الشيء الأهم في مكان العمل اليوم هو: أن الناس لا يقدمون أفكارهم، أو جهودهم، أو التزامهم، أو حماسهم، بل لا يقدمون أفضل ما لديهم إلا للأشخاص الذين يثقون بهم.
فإذا كنت ترغب في استقطاب أفضل الموظفين من ذوي القدرة والكفاء والاحتفاظ بهم، و أن تعزز الرفاهية، وتحسن الخدمة، والمشاركة، والإنتاجية، والعمل الجماعي، و تحقيق النتائج المرجوة – فإن بناء الثقة في العمل في هذه الحالة هي الاستراتيجية التي لابد منها؛ فالثقة بطبيعتها تشعل روح الحماس والمشاركة والابتكار وتحافظ على تحقيق النتائج الجيدة وتسهم في استدامتها.
من كتاب:
” Trust, Inc.: How to Create a Business Culture That Will Ignite Passion, Engagement, and Innovation”، Nan S. Russell.