منذ أن استعمل المستشار السابق لمجموعة بوسطن الاستشارية BCG المستر Clayton Christensen مصطلح ” الابتكار المُزعزع أو disruptive innovation” لأول مرة في عام 1995، عمدت الشركات الناشئة الذكية إلى تحدي الشركات القائمة في جميع المجالات من الموسيقى إلى التصنيع.
والآن، تتعرض شركات الاستشارات الإدارية لأضرار بسبب ما يسمى بالزعزعة التكتونية ” tectonic disruption ” كغيرها من المجالات الأخرى للأعمال، فمجالات الأعمال التي أثبتت أنها الأكثر هشاشة والأكثر عرضة لهذه الزعزعة (الاضطراب) هي تلك التي تتسم بما يلي:
- عندما تكون الشركة أو المنشأة هي اللاعب الأوحد في هذا المجال أو كان هناك عدد قليل من اللاعبين الرئيسيين
- أن تكون الممارسات التجارية للشركات العاملة قديمة نسبيًا
- البطء في تبني التقنية في أعمال هذه الشركات
ومن الغريب أن شركات الاستشارات الإدارية نادرًا ما يتم ذكرها في المناقشات حول مجالات الأعمال المعرضة لهذا الاضطراب، وذلك بالرغم من حقيقة أن هذه الشركات تنطبق عليها جميع التوصيفات المشار إليها أعلاه.
لقد نمت شركات الاستشارات الإدارية الكبرى خلال الستين عامًا الماضية، ونجحت في المحافظة على مكانتها من خلال سمعتها في السوق والعلامات التجارية وبناء علاقات طويلة الأمد مع الزبائن، وتزيد قيمة سوق الاستشارات الإدارية عن 200 مليار دولار، وفقًا لإجماع المحللين بشركة تحليل الأعمال CB Insights، لكن الشركات الاستشارية الثلاث الكبرى – ماكينزي McKinsey، ومجموعة بوسطن الاستشارية (BCG)، وشركة باين Bain– لم تعد في نهاية المطاف في مأمن من المخاطر التي تثيرها القوى المسببة للزعزعة والاضطراب أكثر من أي صناعة أخرى.
يقول Clayton Christensen : “لا زلنا في بواكير تعرض مجال الاستشارات للزعزعة والاضطراب … ومن المرجح أن الإنذارات للتنبيه لهذا الخطر لن تنطلق أصداءها إلا بعد فوات الأوان“.
مجال الاستشارات الإدارية هو من المجالات التي تعتمد بشكل أساسي على الكادر البشري وبالتالي لا يزال احتساب الفواتير فيها بالساعة أو الفواتير اليومية هي القاعدة العامة، وذلك بدلاً من التسعير على أساس النتيجة أو القيمة، (حتى مع ابتعاد بعض المجالات كالاستشارات القانونية عن نظام أجر الساعات المدفوعة). وفي ظل الوتيرة المتزايدة للتغير التقني بات ينظر إلى توصيات المستشارين بمجرد تقديمها وبشكل متزايد على أنها أصبحت قديمة.
وبعبارة أخرى، فإن مجال الاستشارات غير فعال وغير مرن وبطيء في التكيف وفي ملاحقة المتغيرات، وقد تشير كل واحدة من نقاط الضعف هذه وحدها إلى حدوث اضطراب قادم – فما بالك بتوفرها جميعًا، وهو ما يشير إلى أننا بانتظار معركة كبرى.
لقد تجاوزت في السابق بعض الشركات الاستشارية الكبرى مثل ماكينزي McKinsey، وباين Bain، ومجموعة بوسطن الاستشارية (BCG) الأزمات الوجودية ، حيث أن هذه الشركات الاستشارية تقدم منتجًا مرموقًا وقائمًا على العلامة التجارية، ويصعب بالنسبة للشركات المائة في قائمة فورتشن Fortune 100 حشد الأموال اللازمة لإنفاقها لتقديم مثل هذه المنتجات.
وبالتعمق في أنواع الخدمات المحددة التي تقدمها هذه الشركات لعملائها اليوم، فمن الواضح أن الاضطراب التكتوني (tectonic disruption) يلحق الضرر بقطاع الاستشارات الإدارية تمامًا كما أصاب العديد من مجالات الأعمال الأخرى من قبل، وقد يكون هذا تغييرًا بطيئًا وتدريجيًا، وقد تستمر الأسماء الكبيرة في البقاء – بغض النظر عن ضعف ترتيبها في المجال – ولكن التغيير قادم لا محالة.
بناء الإستراتيجية
قبل أن يقوم السيد Bruce Doolin Henderson بافتتاح مجموعة بوسطن الاستشارية (BCG) Boston Consulting Group في 1 يوليو 1963، كان مفهوم المنافسة بالكاد موجودًا في ثقافة الأعمال الأمريكية، ناهيك عن وجود إستراتيجية.
كانت هناك شركات رائعة وناجحة، حيث قامت هذه الشركات بوضع الخطط، ومع ذلك، لم تكن تلك الشركات تفكر بشكل تحليلي وصارم على مستوى عالٍ حول العناصر التقليدية الثلاث للتخطيط الاستراتيجي: العملاء والتكاليف والمنافسين.
“الشركات قبل ثورة التخطيط الإستراتيجي كانت تفتقر إلى طريقة لتجميع كل العناصر التي تحدد مصير الشركة بشكل منهجي، وكانت النظرة العالمية قبل الاستراتيجية تفتقر إلى الإحساس الصارم بديناميكيات المنافسة” والتر كيشيل Walter Kiechel
قبل قيام الشركات الاستشارية الكبرى مثل ماكينزي McKinsey، وباين Bain، ومجموعة بوسطن الاستشارية (BCG)، كان ملاك ومديرو الأعمال في أمريكا يرفضون عمومًا “التخطيط الإستراتيجي” على اعتبار أنه من اختصاص جنرالات الجيوش والحملات السياسية.
بيد أن الرعيل الأول من خبراء الاستشارات الإدارية قاموا بتغيير هذه النظرة، ونظرًا لأن الأعمال التجارية أصبحت أكثر تعقيدًا وأكثر انتشاراً على مستوى العالم في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، فقد قدمت الشركات الاستشارية أساليب متطورة لأبحاث السوق وتحليل البيانات – بالإضافة إلى إمكانية الوصول إلى الخبراء الأكاديميين والصناعيين – لمواجهة التحديات الرئيسية للأعمال. لقد ساعدت الشركات الاستشارية الشركات الأخرى على بناء سلاسل توريد أكثر كفاءة، وتحسين وضع منتجاتها، ومعرفة الأسواق التي يجب الخروج منها وأي الأسواق يجب الدخول إليها، وما إلى ذلك.
هذه الاستشارات كانت رائدة في العديد من الأدوات والأطر الرئيسية التي لا تزال الشركات تستخدمها حتى اليوم لتطوير إستراتيجية الشركة: مصفوفة 2 × 2 (the 2×2 matrix) ومنحنى الخبرة (Experience Curve) ومخططات تحليل نقاط القوة والضعف والفرص والتهديدات(SWOT) وقوى بورتر الخمسة (Porter’s Five Forces) وغيرها الكثير.
عندما حققت الشركات الاستشارية مثل شركة ماكينزي McKinsey، وباين Bain، ومجموعة بوسطن الاستشارية (BCG) النجاح، شرعت في توظيف أكثر طلاب كليات إدارة الأعمال التقنية ذكاءً الذين تمكنت من استقطابهم، وبعد ذلك أصبحت برامج ماجستير إدارة الأعمال، لأول مرة خيارًا مهنيًا محترمًا، حيث أن عدد شهادات ماجستير إدارة الأعمال الممنوحة سنويًا خلال الفترة بين عامي 1970 و1995 ارتفع من 25,000 إلى 90,000 شهادة.
حيث تقوم الجامعات الأمريكية اليوم بمنح ما يقرب من 200,000 طالب درجة ماجستير إدارة الأعمال كل عام، وقد أصبحت قيمة وأهمية التخطيط الإستراتيجي واضحة الآن لكل شركة.
حققت شركة ماكينزي McKinsey حوالي 10 مليار دولار في عام 2018، وجنت مجموعة بوسطن الاستشارية (BCG) حوالي 7,5 مليار دولار، بينما نجحت شركة باين Bain في تحقيق حوالي 4,5 مليار دولار. وكل من الشركات الاستشارية الثلاث لا تزال تنمو.
فمن ناحية، لم تعد أوضاع الاستشارات الإدارية كصناعة أكثر أمانًا من ذي قبل، ولكن مثلما يتعرض عملاء الشركات الاستشارية دائمًا للتهديد من اللاعبين الجدد والتقنيات الحديثة، فإن الشركات الاستشارية نفسها ليست في مـأمن من العوامل المسببة للاضطراب.
الوظائف الأربع للاستشارات
“المبادئ الأساسية للتخطيط الاستراتيجية تتسم بالديمومة، بغض النظر عن التقنية أو وتيرة التغيير.” – مايكل بورتر Michael Porter
منذ الأيام الأولى لعمل شركات الاستشارات الإدارية، سعت هذه الشركات إلى تمييز نفسها عن طريق تقديم المزيد لعملائها، في بعض الحالات، قامت هذه الشركات بالاندماج كما لو كانت كلها جزء من فريق واحد.
هذا ليس بالشيء الجيد دائمًا، حيث أن العادة في أن تكون “جزءًا من الفريق” قد تسببت في إغراق كل من شركة ماكنزي McKinsey وشركة باين Bain في بعض المشكلات الداخلية والفضائح الأخرى على مر السنين.
ومع ذلك، فإن هذا التكامل في معظم الحالات يفسر سبب نجاح هذه الشركات، فالاستشارات هي أكثر بكثير من مجرد نصيحة تجارية يتم تقديمها مقابل المال؛ الاستشارات عبارة عن مجموعة من أنواع الخدمات والوظائف المختلفة المرتبطة بحزمة مرموقة ومكلفة.
فالشركات التي تعمل مع بعض الشركات مثل ماكنزي McKinsey ومجموعة بوسطن الاستشارية (BCG) وشركة باين Bain تتوقع – بل وتجني – الكثير من تلك العلاقات.
عندما تكون العلاقة بين العميل والمستشار في أفضل حالاتها، يقدم الاستشاري للعميل ما يلي:
• المعلومات: البيانات والتحليلات التي تتعلق بمجالات عمل العميل والسوق وفهمها.
• الخبرة: تجربة الخبير المتمرس حول المشكلة والطرق المختلفة لحلها.
• الرؤية: التطبيق التحليلي الدقيق للخبرة للتوصل إلى رؤى تساعد الشركة على النجاح.
• التنفيذ: خارطة الطريق لاختيار وتنفيذ التغييرات المطلوب إجراؤها.
وفي بعض الحالات يتم بطبيعة الحال تعيين مستشارين إداريين لتوفير غطاء للقرارات التي لا تجد القبول أو حتى لإرسال رسالة إلى القوى العاملة، حيث يقول السيد Duff McDonald في كتابه “The Firm”، أن شركة ماكينزي McKinsey على وجه الخصوص “قد تكون المشرعن الأكبر في التاريخ لقرارات التسريح الجماعي للعمال.”
حيث يقول في كتابه: “إذا كنت مديرًا تنفيذيًا وشعرت بأنك في حاجة إلى خفض 10٪ من التكاليف ولكنك لم تشعر أنك تحصل على موافقة موظفيك، فإن التعاقد مع شركة ماكينزي McKinsey عمومًا يمكنه أن يوصل الفكرة بوضوح تام.”
عندما يعمل العميل والمستشار معًا كما هو متوقع في البداية، فإن هذه القيم الأربع – المعلومات والخبرة والرؤية والتنفيذ – هي “الحزمة” التي يقدمها الاستشاريون، وقد تعرضت كل هذه القيم إلى حالة من الزعزعة والاضطراب بطرق مختلفة خلال السنوات الماضية.
المعلومات حول العملاء والمنافسين باتت متاحة أكثر من أي وقت مضى. وجرى تصنيف الخبرات، كما تحولت الرؤية إلى منتج (وفي بعض الحالات إلى سلعة)، وقد يوكل التنفيذ في كثير من الحالات داخليًا أو يتم الاستعانة بمصادر خارجية من الذين يعملون لحسابهم الخاص.
وكما أشار Soren Kaplan في مجلة Inc الأمريكية، هناك الكثير من الأمور التي تعتري كيفية عمل شركات الاستشارات الإدارية والتي من شأنها أن تجعلها عرضة للزعزعة والاضطراب، وهي كما يلي:
- اعتمادها بشكل أساسي على الكوادر البشرية والعمل اليدوي (الحسابي) – وهو الأمر الذي باتت تؤديه أجهزة الكمبيوتر أكثر وأكثر.
- لديها هوامش ربح عالية جدًا (الفواتير للعملاء لا يتم إصدارها بناءً على النتائج ولكن على الوقت المستغرق في تقديم الاستشارات).
- القيمة مرتبطة بالزمن إلى حد كبير، بمعنى أن النصيحة غالبًا ما يتم تقديمها بسرعة.
- يتم تحديد قيمة الخدمات الاستشارية بناء على عدم تناسق المعلومات إلى حد كبير (معرفة أشياء لا يعرفها المستشارون أو الشركات الأخرى)، وهو أمر يصعب الحفاظ عليه في عصر الإنترنت.
وبالرغم من كل هذا، فالشركات الاستشارية مثل مجموعة بوسطن الاستشارية (BCG) وشركة باين Bain وشركة ماكينزي McKinsey لا تزال تنمو، وإذا كانت شركات الاستشارات الإدارية الكبرى على وشك السقوط، فلن تشعروا بذلك بالضرورة.
ومن ناحية أخرى، عندما ننظر إلى كل جزء من سلسلة القيمة الاستشارية بعين ناقدة، يمكننا أن نرى نقاط الضعف فيها، وكما قال المتنبئ الأصلي بالاضطراب: “الاضطراب في قطاع الخدمات الاستشارية لا يزال في البدايات”.
بعض المهددات التي يواجهها قطاع الاستشارات جاءت من انتقاد بعض الممارسات التجارية للشركات الاستشارية، حيث أن هناك اتهامات في السنوات القليلة الماضية لشركة ماكينزي McKinsey بتضارب المصالح، وعلاقات الفساد، والعمل مع الحكومات القمعية في جميع أنحاء العالم.
وبناء على ما ورد في ثنايا تقرير كبير صدر عن وزارة العدل الأمريكية حول “افتقار شركة ماكينزي McKinsey للصراحة” وأن الإقرارات أو “الإفصاحات” غير كافية في التعامل مع العملاء، مما أرغم الشركة على الموافقة على دفع تسوية بقيمة 15 مليون دولار.
في عام 2019، اضطرت هذه الانتقادات الشركة إلى الرد عليها علنًا، ووعدت الموظفين بأنها ستزيد من الشفافية وأنها ستتمعن أكثر في أنواع العملاء الذين تعمل معهم.
ولفهم كيف حدث كل هذا، وللتعرف على الصورة التي سيبدو عليها مستقبل شركات الاستشارات الإدارية الكبرى، سنلقي نظرة على كل من وظائف الاستشارات الأربع. وهدفنا هو أن نفهم بالضبط نوع القيمة التي تقدمها الشركات الاستشارية، وأين ستضعها عوامل الاختلال المختلفة.
1. المعلومات
في العصر الذهبي للاستشارات الإدارية، كان الموظفون الشباب لهذه الشركات يجمعون معلومات مهمة عن أعمال عملائهم من خلال بعض الممارسات كالجلوس في ساحات الانتظار وإحصاء عدد العملاء الذين يغادرون المتجر بأكياس التسوق.
كما أن ظهور شركات أبحاث السوق وقواعد البيانات أتاح للشركات القدرة على أن تقوم بنفسها بجمع بيانات قيّمة وقابلة للتنفيذ، كذلك ظهور أدوات تحليلات الأعمال أتاح لها أن تقوم بنفسها أيضاً بجمع المعلومات اللازمة حول أدائها وعملياتها.
يمكن لمحلات التجزئة اليوم الوصول إلى صور مواقف السيارات الخاصة بها من كاميرا القمر الصناعي، كما يمكنها استخدام هذه الصور لتحليل حركة الزبائن في المتجر، وداخليًا في المتجر، نظرًا لأن جميع جوانب التنفيذ والتسليم والشراء يتم تحويلها رقميًا، فيمكنهم الوصول إلى مستوى مماثل من المعلومات المفصلة حول أي جانب من جوانب سلسلة التوريد أو تجربة العميل.
“لقد أصبحت المؤسسات الآن عبارة عن مزيج من الأنظمة التي تدعم البرمجيات (في نقاط البيع، وإدارة المخزون، وتتبع الإنتاج) التي تسجل البيانات وتقوم بتخزينها”. – مجلة كلية سلوان للإدارة MIT Sloan Management Review
إن توفر هذه البيانات لا يعني أن شركات الاستشارات الإدارية لم تعد تلعب دورًا في جمع المعلومات لحل المشكلات التي تواجه العملاء، هناك حالات يكون فيها من السهل ومن المناسب أكثر للرؤساء التنفيذيون التعاقد مع الشركات الاستشارية مثل مجموعة بوسطن الاستشارية (BCG) وشركة باين Bain للقيام بهذا العمل. بيد أن هذا يعني أن هذه الحالات موجودة في سياق أضيق.
كيف تستخدم الاستشارات للعمل
كانت الشركات في السابق تذهب إلى شركات الاستشارات الإدارية بجميع مشاكلها الإستراتيجية تقريبًا، وكانت الشركات الاستشارية توظف أفضل وأذكى خريجي الجامعات للجلوس في المكاتب وجمع البيانات يدويًا من أجل استخدامها في حل تلك مشكلات، كان هؤلاء يستخدمون كل الموارد المتاحة لفهم مجالات الأعمال والأسواق ومشاعر المستهلك وخطوط إنتاج الشركات. ثم يأتي أحد كبار المستشارين، ويدرس هذه البيانات ويقوم بجمعها، ثم يقدمها إلى العميل.
لقد كان فهم العملاء لأنشطتهم التجارية في ذلك الوقت بدائياً بشكل عام.
لقد كانت إحدى تقنيات المبيعات الأكثر فاعلية في الشركات الاستشارية لعدة عقود هي سؤال العميل المحتمل عما إذا كان يعرف حجم الأعمال التي يقوم بها عبر جميع الأقسام مع أكبر عميل لديهم، ومدى ربحية هذا العمل، وكان الجواب عادة “لا”- كما يشير كيشيل Kiechel.
ومنذ ذلك الزمن أصبحت البيانات الداخلية للشركة وأبحاث الصناعة /أو السوق أكثر سهولة من أي وقت مضى. واليوم، من السهل معرفة الإجابة على سؤال مثل هذا – ويأتي التمايز مع عمق التحليل الإضافي الذي يمكنك إجراؤه باستخدام تلك البيانات.
جميع شركات الاستشارات الكبرى اليوم لديها فرق عمل مهمتها تحليل البيانات لعملائها، حيث تقوم شركة ماكينزي McKinsey بتوظيف مهندسي بيانات ذوي خبرة للعمل مباشرة مع العملاء، لمساعدتهم على بناء عمليات تجميع وتحليل البيانات المعقدة.
وتدير مجموعة بوسطن الاستشارية (BCG) فريقًا يسمى “BCG Gamma” ويتكون حصرياً من علماء البيانات والمستشارين للعمل معًا في تحليل البيانات في مجالات “التسويق وتقييم المخاطر وخدمة العملاء والتصنيع وإدارة سلسلة التوريد ومحاكاة السيناريو والذكاء التنافسي”.
بعبارة أخرى، تقوم الشركات الاستشارية الكبرى بتوظف أشخاص للعمل على المشكلات التي تأتي مع البيانات، فإذا كنت مستشفى يبحث عن تحليل دقيق لأفضل طريقة لخفض تكاليف العلاج مع الحفاظ على مستوى عال من رعاية المرضى، فيمكنك التوجه إلى شركة ماكينزي McKinsey، وإذا كنت شركة لوجستية عالمية تتطلع إلى تحليل سلسلة التوريد الخاصة بها بالكامل للتنبؤ بالأماكن التي قد ترتفع فيها التكاليف في المستقبل، فقد تذهب إلى شركة باين Bain. وفي كلتا الحالتين، الاحتمالات منخفضة لأن لديك الفريق المناسب لفهم هذه المشكلة بنفسك.
على سبيل المثال، تسلط شركة باين Bain الضوء على دراسة حالة عملت فيها مع شركة كبرى لتصنيع المشروبات مهتمة بالاستفادة من القنوات الرقمية، وفقًا لدراسة الحالة التالية:
“… وتيرة الاضطراب – التي تعتمد على الظهور السريع للتقنيات الجديدة – يمكن أن تجعل العالم الرقمي أكثر صعوبة، وعندما سعت شركة BeverageCo للاستفادة من الوسائل الرقمية، كان لديها العديد من المبادرات المعزولة (مثل الإعلان عبر الإنترنت وصفحة الشركة على الفيسبوك Facebook) قيد التنفيذ، لكنها كانت تفتقر إلى عناصر الجذب في أي منها، كما تفتقر الشركة أيضًا إلى رؤية متماسكة تعزز التعاون بين الهيكل المؤسسي الرقمي والتقليدي”.
كان لهذه الشركة وجود على الإنترنت يقوم بتوليد البيانات، لكنها تفتقر إلى القيادة أو الرؤية حول كيفية عمل هذا التواجد عبر الإنترنت أو كيف يمكنها الاستفادة من هذه البيانات في أعمالها الأساسية، ونتيجة لذلك، كانت نسبة الزيارات لموقع الشركة على الويب ومعدلات تحويل المبيعات أقل من معدلات منافسيها؛ وكان وجودها على وسائل التواصل الاجتماعي محدودًا؛ كما أخفقت أدوات إدارة علاقات العملاء الحالية في الحصول على رؤى عبر الإنترنت لمساعدة الشركة على إشراك المستهلكين بشكل أفضل.
التوصيات |
لقد اقترحت فرق المستشارين عدد من الخطوات الهامة لمساعدة شركة BeverageCo لمواجهة التحديات التقنية والتناغم مع متطلبات الفرص: مضاعفة الموارد المخصصة للتقنية واستحداث منصب مدير القسم التقني يتبع مباشرة للرئيس التنفيذي للشركة. تطوير أصول وأدوات تقنية جديدة للتفاعل مع المستهلكين ولاسيما مواقع الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي والتطبيقات الأخرى وتحديد مؤشرات الأداء الرئيسية لقياس مستوى التقدم. إنشاء إدارة متكاملة لعلاقات العملاء CRM للمساعدة على بناء علاقات مباشرة مع المستهلكين النهائيين، لجمع آراء المستهلكين ولتعزيز الولاء للعلامة التجارية. بناء استراتيجية للتجارة الإلكترونية قابلة للتوسع مع إمكانية الزيادة في المبيعات بما في ذلك تحسين محركات البحث (SEO) والتجارة الإلكترونية، وبناء استراتيجيات اجتماعية مسترشدة بخبراء استراتيجية المحتوى عبر القنوات من شركة باين Bain. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ وقد قامت شركة باين Bain مع شركة BeverageCo ببناء استراتيجية للتجارة الإلكترونية قابلة للتوسع لأحد المنتجات الرئيسية التي لديها إمكانية لزيادة مبيعاتها في المستقبل. |
المصدر: Bain
والجدير بالذكر أن التوصيات الرئيسية من دراسة حالة شركة باين Bain تبدو قياسية نسبيًا: تحديد مؤشرات الأداء الرئيسية، وتوظيف مدير القسم التقني، وتركيب نظام لإدارة علاقات العملاء CRM.
وبالرغم من صعوبة وضع مؤشرات الأداء الرئيسية الفعالة في النطاق الصحيح، والتحدي الذي يفرضه نظام إدارة علاقات العملاء العالمي على فريق المشتريات في الشركة، إلا أن هذه التوصيات لا تشكل أساسًا للتوصيات من وجهة نظر تقنية، بيد أن قيمة شركة باين Bain لا تكمن هنا في الحصول على البيانات – بل في المساعدة في تنفيذ برامج جديدة بناءً على البيانات.
كيف يعمل الاضطراب
تتيح بعض الأدوات اليوم مثل Looker وTableau وMicrosoft Power BI وQlik وSAS وDomo للشركات إنشاء تقارير فورية ولوحات معلومات حول بعض الظواهر مثل:
- قيمة عمر العميل عبر المجموعات الديموغرافية والسلوكية
- معدلات التحويل (من موقع إلى عنصر ومن عنصر إلى سلة تسوق) عبر خط إنتاج كامل
- كفاءة الإنفاق التسويقي واستهداف الإعلانات
أدوات التحليل المختلفة في السوق تعد مفيدة للأسئلة ذات النطاق الأصغر، وكذلك لدمج البيانات بشكل أفضل في ثقافة صنع القرار اليومية.
عندما يكون لشركتك 100 أو 1000 أو أكثر من 10000 شخص، فإن بناء وظيفة التحليل الداخلي يعني تغيير الثقافة، وبناء فريق عمل جديد، وإجراء تغييرات كبيرة ودائمة على طريقة عمل الشركة.
وهذه مشكلة يمكن للشركات الاستشارية المساعدة في معالجتها.
ما يميز عرض شركة باين Bain في هذه الحالة (وعروض الاستشارات الإدارية في الحالات بشكل عام) ليس ما يجلبه المستشار بقدر ما يفتقر إليه العميل.
لا يمكن لـشركة “BeverageCo” من المثال أعلاه البدء فقط في استخدام خدمة تحليل الأعمال Power BI لفهم أعمالها على مستوى أعمق، لأنها لا تعرف حتى من أين تبدأ.
ومع تقدم التقنية، من المحتمل أن ينخفض المستوى إلى الأدنى. وتدرك الشركات الناشئة التي تعمل في مجال ذكاء الأعمال والتحليلات أنها تقاتل للحصول على جائزة تبلغ قيمتها عدة مليارات من الدولارات، وقد ظهرت العشرات والعشرات لمساعدة الشركات الخمسمائة في قائمة فورتشن Fortune 500 في الحصول على الأفكار التي قد يحصلون عليها من الشركات الاستشارية مثل شركة باين Bain أو مجموعة بوسطن الاستشارية (BCG).
ولكن حتى إذا كانت “البيانات الضخمة” لا تلغي تمامًا حاجة الشركات إلى إرشادات الخبراء، إلا أنها قد تفتح مجالاً لشركات استشارية أكثر تخصصًا تتعامل بشكل خاص مع تطبيق الرؤى المستقاة من التحليلات وأبحاث السوق.
يقوم الآخرون من القادمين الجدد نسبياً بتطبيق هذه الأفكار لتحدي هيمنة الحرس القديم في سوق الاستشارات الإدارية. وشركة بلانتير Palantir للبرمجيات، المتخصصة في تطبيقات تحليل البيانات واسعة النطاق، هي إحدى هذه الشركات.
تأسست شركة بلانتير Palantir في عام 2004 واستقطبت استثمارات مبكرة من الذراع الاستثمارية لوكالة المخابرات المركزية، ونمت لتصبح واحدة من أكبر البائعين للحكومة الفيدرالية، ويقال إن الشركة لديها 1,5 مليار دولار من العقود عبر العديد من الإدارات والوكالات الفيدرالية الأمريكية، بما في ذلك وزارة الدفاع ووزارة الأمن الداخلي.
لكن خبرة شركة بلانتير Palantir تمتد إلى ما هو أبعد من عملها في مجال البيانات الضخمة للحكومة الفيدرالية – وهذه الخبرة تضع اللاعبين القدامى من الشركات الاستشارية في موقف دفاعي.
وتقدم الشركة منصتين برمجيتين منفصلتين: بلانتير غوثام Palantir Gotham، المصممة أساسًا لتطبيقات الدفاع والاستخبارات داخل الوكالات الحكومية، ومنصة بلانتير فاوندري Palantir Foundry، التي تستهدف الأعمال التجارية، حيث تم استخدام منصة بلانتير فاوندري Palantir Foundry، والتي كانت نتاج مشروع Palantir السابق المسمى ميتروبوليس Metropolis، والذي تم تجربته على نطاق واسع في بنك جي بي مورجان تشايس JPMorgan Chase في عام 2009، من قبل الشركات بما في ذلك إيربص Airbus وفيراري Ferrari وميرك Merck.
ما يميز شركة بلانتير Palantir عن غيرها من المزودين الآخرين لبرامج تحليل البيانات تقريبًا هو أنها تجمع بين برمجياتها وخدماتها الاستشارية المخصصة في منتج معلومات واحد تقوم بترخيصه لعملائها. وتشير إيداعات شركة بلانتير Palantir لدى لجنة الأوراق المالية والبورصات (SEC) إلى أن متوسط قيمة عقودها بلغت حوالي 5,6 مليون دولار في عام 2019، مما يسلط الضوء على إمكانات الإيرادات الكبيرة للأسلوب المختلط الذي تنتهجه الشركة.
بالنسبة للكيانات الحكومية مثل وزارة الدفاع، فإن نموذج أعمال شركة بلانتير Palantir غير تقليدي للغاية. عادةً ما تدفع الحكومة الفيدرالية لمستشاريها بشكل منفصل عن بائعي البرامج، وتعد شركة بلانتير Palantir استثناءً نادرًا لهذه القاعدة. ومع ذلك، بالنسبة للعديد من الشركات الخاصة، يمكن أن يقدم نموذج بلانتير Palantir الهجين لمحة عما قد يبدو عليه مستقبل الاستشارات الإدارية.
كيف تقاوم شركات الاستشارات الإدارية
لقد فهمت بعض الشركات الاستشارية الكبرى جيدًا التهديد الذي يمكن أن تشكله التقنية على أساسيات نموذج أعمالها، ففي عام 2015، استحوذت شركة ماكينزي McKinsey على شركة كوانتوم بلاك QuantumBlack، وهي شركة تحليلات متقدمة مقرها لندن تتمتع بخبرة في تحليل بيانات الأداء التنظيمي مع فرق الــ Formula 1 عبر أوروبا وآسيا.
وتقوم شركة كوانتوم بلاك QuantumBlack “بجمع البيانات من مصادر مختلفة لإنتاج بيانات ذات مغزى حول المساعي البشرية” ، مما يشير إلى أن شركة ماكينزي McKinsey تأخذ على محمل الجد الحاجة إلى رفع مستوى قدراتها التحليلية للتنافس مع عروض الخدمة الذاتية الجديدة المتاحة اليوم.
وهنك استحواذ هام آخر لشركة ماكينزي McKinsey – وهو شرائها لشركة كاربون 12 Carbon12 في عام 2016 – جاء كجزء من مبادرة ماكينزي الرقمية McKinsey Digital للشركة، وتتمثل مهمة هذا القسم الجديد في شركة ماكينزي McKinsey في جلب المصممين والمبرمجين ومهندسي البيانات وغيرهم للمشاريع التي ربما كان يديرها محللون يركزون على الإستراتيجية بالكامل في السنوات الماضية.
ومع ذلك، فإن عمليات الاستحواذ وحدها لا تكفي لشركات الاستشارات الإدارية القديمة لتظل فاعلة ومنافسة في ضوء التهديد الذي تشكله شركة بلانتير Palantir وغيرها من المنافسين مثل تايلور تكنولوجيز Tyler Technologies وفيرنت سيتمز Verint Systems.
ومن أجل هذه الغاية، طورت العديد من شركات الاستشارات الإدارية منصاتها الرقمية الخاصة لاستكمال خدمات الاستشارات الشخصية التي كانت بمثابة الخبز والزبدة لعقود مضت.
تطبيق فيكتور Vector من شركة باين Bain هي أحد الأمثلة على ذلك. حيث أن منصة فيكتور Vector ليست منتج برمجي حقيقي وليس منصة؛ بل هو إطار رقمي تقدم شركة باين Bain من خلاله خدماتها الاستشارية لعملائها. هذا يعني أنه ليس منصة برمجية يمكن لعملاء شركة باين Bain ترخيصها ونشرها.
وبينما يمثل تطبيق فيكتور Vector طريقة جديدة للاستشارات لشركة باين Bain، فهي مجرد طريقة جديدة لبيع الخدمات الاستشارية التقليدية. حيث يقوم المحللون من تخصصات مختلفة بفحص البيانات من مجموعة من المصادر التي يقدمها العميل قبل تقديم توصيات استراتيجية وتكتيكية لتحقيق الهدف المنشود. لقد أدى هذا إلى تحقيق بعض النتائج لعملاء شركة باين Bain، ولكنه لم يذهب أبعد من إعادة تجميع وتقديم خدمات شركة باين Bain الاستشارية طويلة الأمد بطريقة رقمية أولاً.
وتتخذ منصة ديجيتال فينشرز Digital Ventures (DV) التابعة لمجموعة بوسطن الاستشارية (BCG) من فكرة الاستشارات الرقمية خطوة أبعد من تطبيق شركة باين Bain من خلال تزويد الشركات الكبيرة بالوسائل التي يمكنها من خلالها الإسراع بإطلاق أعمال جديدة. وديجيتال فينشرز DV هي شركة فرعية مملوكة بالكامل لمجموعة بوسطن الاستشارية (BCG) وتعمل بشكل مشابه لمسرعات بدء التشغيل startup accelerators. ويساعد محللو منصة ديجيتال فينشرز DV الشركات العميلة على استكشاف الأفكار المحتملة للشركات الجديدة ثم البدء في تحليل ظروف السوق الحالية والفرص المستقبلية، ثم تحتضن منصة ديجيتال فينشرز DV الشركات الناشئة وتستفيد من المختصين الداخليين فيها لتنمية هذه الشركات إلى النقطة التي “تخرجوا” فيها من البرنامج.
وهذا الأسلوب هو بمثابة مكسب للجميع، لمنصة ديجيتال فينشرز DV وعملائها، ويمكن لمنصة ديجيتال فينشرز DV الاستفادة من الخبرة الاستشارية لمجموعة بوسطن الاستشارية (BCG) لعرض ما يمكن أن تقدمه للشركات الكبيرة التي تسعى إلى إطلاق شركات فرعية أصغر وأكثر مرونة، وفي الوقت ذاته، يمكن لعملائها التوسع في أسواق جديدة والاستفادة من الفرص الناشئة دون تحمل كل الجهود – والمخاطرة – بأنفسهم.
وبالمقابل، تقدم شركة بلانتير Palantir خبراتها الاستشارية جنبًا إلى جنب مع البرامج المصممة خصيصًا لتلبية احتياجات العميل. ويتيح ذلك لعملاء بلانتير Palantir ليس فقط الاستفادة من خبرة الشركة في تقديم الخدمات الاستشارية وحسب، بل أيضًا لاستخدام منصتي غوثام Gotham أو فاوندري Foundry بأنفسهم.
وحقيقة أن معظم شركات الاستشارات الإدارية تقوم بتوظيف المواهب في بعض المجالات مثل تحليلات البيانات والتعلم الآلي، هي مؤشر قوي على أنها تستجيب بشكل مباشر للمنافسة التي تفرضها عليها شركة بلانتير Palantir والمنافسين الآخرين، ولا تستفيد فقط من الأهمية الاستراتيجية لهذه التقنيات لعملائها.
وفي نهاية المطاف، قد تجد الشركات الاستشارية القديمة نفسها أمام خيارات محدود، ولن تجد بداً من الاستثمار في تطوير منصاتها التقنية الخاصة والتي يمكن أن تنافس النموذج الهجين الذي ابتكرته شركة بلانتير Palantir وشركات ذكاء الأعمال مثل فيرنيت سيستمز Verint Systems.
المصدر:https://www.cbinsights.com/research/disrupting-management-consulting/