“الثالوث المظلم في أماكن العمل : الاضطراب النفسي، والنرجسية، والميكيافيلية”

  • — الخميس أبريل 27, 2023

عندما يأتي ذكر كلمات مثل “سيكوباتي” (أو مضطرب نفسي)، تذهب أفكار البعض عادة إلى تخيل أشخاص لهم علاقة بالجريمة سواء قتلة محترفين أو زعماء عصابة وما إلى ذلك من السلوك غير القانوني. لكن الواقع أن المجرمين ليسوا “السيكوباتيين” الوحيدين في الحياة، فبعض الأشخاص الأكثر اضطرابًا نفسيًا قد نجدهم ونتعامل معهم بشكل يومي في أماكن العمل بل وعلى رأس الهرم الإداري في بعض الشركات [وغيرها].

في الإدارة أيضاً

[الثالوث المظلم في أماكن العمل : الاضطراب النفسي، والنرجسية، والميكيافيلية]

في محاضرة بعنوان “المفترسون الموجودون بيننا”، قال “روبرت هير” عالم النفس الكندي: “ليس كل المضطربين عقليًا قابعين خلف القضبان، بعضهم موجود في غرف مجالس إدارة الشركات”. ورغم أن هذه الجملة جاءت بشكل عابر في إطار إجابة عن سؤال، فإنها تصدرت لاحقًا عناوين الصحف بعد أن شكلت صدمة للكثيرين وإقرارًا لحقيقة غير معترف بها بالنسبة لآخرين.

ومع قدرتهم الكبيرة على تجنب التداعيات القانونية لأفعالهم، يعمل هؤلاء المضطربون نفسيًا على نشر المعاناة أينما ذهبوا مسببين مشاكل في محيط تواجدهم.

ويعتبر الاضطراب العقلي (أو السيكوباتية) أحد أضلاع ما يطلق عليه “الثالوث المظلم” والذي يشمل أيضاً النرجسية [الأنا] و “الميكيافيلية [الانتهازية] “، ورغم أنها صفات سيئة بطبيعتها فإنها تمنح صاحبها بعض السمات التي قد تمكنه من تحقيق نجاحات عملية.

فالأشخاص المضطربون عقليًا الذين يعتبرون أقل أمانة وأكثر قسوة من غيرهم، يمتلكون عادة اعتدادًا وثقة أعلى، بينما “الميكيافيليون” يؤمنون بأن الغاية تبرر الوسيلة متجاهلين اللعب وفقًا للقواعد، في حين أن النرجسيين عادة ما يتميزون بالشخصية الجذابة الساحرة.

وتشير بعض الدراسات إلى أن المستوى العالي من السمات “السيكوباتية” للأشخاص لا يعيق بالضرورة التقدم في السلم الوظيفي، بل أن إحدى الدراسات أظهرت أن معظم المشاركين الأكثر اضطرابًا نفسيًا شغلوا مناصب تنفيذية رفيعة المستوى.

وترتبط “السيكوباتية” بشكل وثيق بالأسلوب أكثر من الجوهر، ويمكن أن تكون القدرة على منح انطباع جيد وعرض الأمور بشكل جذاب ناجحة في حجب أو حتى تجاوز الأداء الفعلي والسلوكيات التي تسبب ضررًا فعليًا بالمؤسسة.

ورغم أن هذه الصفات السيئة تمثل علامة واضحة على مشاكل واضطرابات نفسية، فإن الدراسات أظهرت أنها تقدم أحيانًا بعض المكاسب للمصابين بها على المستوى المهني.

وأظهرت دراسات متفرقة وجود علاقة إيجابية بين النرجسية والرواتب الشخصية، كما أن هؤلاء الذين يمتلكون طباعًا سيكوباتية ونرجسية يميلون لتسلق قمة الهرم الوظيفي سريعًا وبالتالي تحقيق مكاسب مالية أعلى من الآخرين.

ومع قدرتهم على الصعود الوظيفي، فإن معدلات انتشار الاضطراب النفسي بين أعضاء مجالس إدارة الشركات [وغيرها] يكون أعلى ثلاث مرات من وجوده بين عامة الناس.

لماذا ينتصر السيئون غالباً؟

يتساءل كثير من الناس دومًا عن سبب النجاح المهني والمالي لكثير من الأشخاص غير الأسوياء نفسيًا، في الوقت الذي يعاني فيه الأفضل من حيث المهارة والأخلاق والاستقامة النفسية.

لكن الواقع أن هذه الصفات السيئة تمثل في حد ذاتها طريق نجاح المضطربين نفسيًا، فصفات مثل حب الذات والفضول والاجتماعية تعتبر جوانب أساسية من شخصيات هؤلاء الذين يمتلكون أحد أضلاع “الثالوث المظلم”.

كما أن الشخص “السيكوباتي” أو النرجسي أو “المكيافيلي” يميل إلى الانخراط في مشاعر التنافسية والسعي لإثبات النفس والتفوق مع قدرة على التأقلم والتكيف بدلاً من التعاون والتضحية في مكان العمل.

ويجيد الأشخاص السيئون استغلال الآخرين لمصلحتهم الخاصة، ورغم أن ذلك قد يؤثر سلبًا على مناخ العمل وحتى أداء الشركات بصفة عامة، فإنه يفيد المصالح الشخصية للمضطربين نفسيًا.

ويميل معظم الأشخاص إلى اللعب وفقًا للقواعد مع امتلاكهم “تحيز الثقة”، والذي يعني أنهم يتوقعون أن يعاملهم الآخرون بنفس القواعد التي يتعاملون بها وبصراحة مماثلة.

وأظهرت دراسة أنه حتى في الوقت الذي يتم إخبار البعض فيه بأن ما سيسمعونه يمثل 50% من الحقيقة ونسبة مماثلة من الكذب، فإنهم يميلون لتصديق معظم ما يقال باعتباره حقائق مؤكدة. لكن على النقيض، لا يلعب الأشخاص السيئون وفقًا لنفس القواعد، بل يتعلمون سريعًا سهولة الكذب على الآخرين والنجاة بذلك.

ولذلك يقع الكثير من الناس ضحية لخداع المحتالين أو مقدمي الخدمات الكاذبين أو أشخاص يمتلكون دوافع سيئة، لأنهم يميليون للتصديق وافتراض حسن النية.

الأمر الآخر هو أن السيئين يفهمون ديناميكية القوة وطريقة عملها، فالأشرار يفهمون جيدًا مدى سطوة السلطة والتي تمنحهم قدرات كبيرة على التأثير والتحكم وحتى الخروج بدون أضرار تذكر من بعض التجاوزات.

وأظهرت تجارب “ستانلي ميلجرام” والتي تُعرف بتجارب صدمة “ميلجرام” أن الناس عادة يكونون على استعداد لمعاقبة الآخرين بصدمات كهربائية مؤلمة لمجرد أن شخصًا ما يمتلك سلطة طلب منهم القيام بذلك.

كما يستهدف السيئون عادة الأشخاص الأقل قدرة ورغبة في الانتقام أو الرد، في الوقت الذي يقف الكثيرون مكتوفي الأيدي ويسمحون بتعرّض البعض للتنمر أو الهجوم غير العادل.

وفي بعض الحالات يستغل المضطربون نفسيًا فكرة انتشار المسؤولية؛ حيث يعتقد الجميع أن “شخصًا آخر سيتدخل للمساعدة”، وبالتالي يتنحون جانبًا انتظارًا لشخص ما ينقذ الأمر ويتدخل للمواجهة.

ماذا نفعل حيال ذلك؟

ربما يكمن الحل الأكثر منطقية منذ البداية في منع دخول الأشخاص المضطربين نفسيًا للشركات أو حصولهم على مكانة عالية في قلب إدارة المؤسسات [المنظمات].

وبالنسبة للشركات فإن الشيطان يكمن في التفاصيل؛ حيث إن تطوير إجراءات التقييم بدقة بدءًا من عمليات التعيين إلى الترقية ستكون مهمة لمنع دخول هؤلاء المضطربين نفسيًا لمقر العمل أو الحرص على إبقاء تصرفاتهم قيد السيطرة، ناهيك عن إبعادهم عن المناصب القيادية التي قد تمنحهم قدرة على توسيع دائرة ضحاياهم.

لكن مع امتلاكهم سمات مثل عدم التعاطف أو الندم، فإن بعض “السيكوباتيين” قادرون غالبًا على الاختباء جيدًا داخل المجتمع والشركات وشق طريقهم إلى مناصب إدارية رفيعة المستوى تجعلهم أكثر قدرة على التأثير في عملية صنع القرار.

يدرك هؤلاء أنهم إذا تمكنوا من تحقيق مكاسب عملية أو مادية عبر إيذاء الآخرين بدون انتهاك القانون الجنائي بشكل واضح، فإنهم سيفلتون من العقاب وسيواصلون طريق النجاح الخاص بهم.

وبالتالي فإن فكرة المواجهة تبدو حتمية من جانب كل شخص يرغب في وقف أي سلوك غير صحيح في مكان العمل، حتى لو لم يكن يتعلق به بشكل شخصي لكنه يهدد المناخ العام أو يسبب ضررًا لزملائه أو لقيم المؤسسة.

ويجب أن نتذكر أن التحيزات في الإدراك الاجتماعي قد تعطي الإحساس الواهم للبعض بأن الأشرار يربحون ولا يمكن إيقافهم، على الرغم من أن ذلك قد لا يكون أمرًا محسومًا إلا في مخيلتنا.

يستغل هؤلاء أن الناس قد لا يتدخلون بافتراض أن آخرين سوف يقومون بهذا الدور عوضًا عنهم، أو أن الأمر لا يمثل حالة طارئة طالما فضّل الآخرون السكوت.

كما يبدو من الضروري أن يطور معظمنا نوعًا صحيًا من الشك، بالطبع ليس المقصود هنا أن يفرط الجميع في الشعور بالحذر والقلق الدائم، لكن هناك حاجة لاستخدام عقولنا وطرح أسئلة تستهدف التحقق من أننا نتعامل بشكل يحمل أمانة وعدلاً.

ومن المهم استخدام عقولنا في كل ما نسمعه ونتعرض له، لتطوير القدرة على اكتشاف الحقائق وفصلها عن الأكاذيب، وعدم منح الأمان الكامل لأي شيء بدون دليل واضح.

في النهاية، ربما يبدو أن الأشخاص السيئين يربحون عادة بشكل لا يمكن إيقافه، لكن الواقع أنهم يحققون الصعود لأنهم لم يتعرضوا لتحدٍ من قبل أخيار أقوياء على الجانب الآخر.

انتصار السيئ لا يمكن اعتباره قانونًا غير قابل للتحدي، إذا صدقنا هذا فإن تحويل المسار للطريق الصحيح سيكون أمرًا أكثر سهولة.


المصادر:

أرقام –فسيولوجي توادي –هارفارد بيزنس ريفيو– كين تريل كونسلتنج
دراسة: The Devil in the Boardroom: Corporate Psychopaths and Their Impact on Business
دراسة: Corporate Psychopathy: Talking the Walk