(1)
«العيّنة غير الكافية، أو التعميم المتسرِّع»
يقع المتحدث في هذه المغالطة لأسبابٍ عديدة منها: عجزه عن التحققِ الكامل، وخدمته لآراء مسبقة شكّلتها عاطفة معينة. مثال: ”شعب موزامبيق حاقد علينا؛ عرفتُ هذا بسبب مزاملة بعضهم“. هذه نظرة جزئية قادت إلى حكمٍ كلّي! وهذا هو التعميم المتسرع.
(2)
«رجل القش، أو مغالطة التحريف»
هي أن ينسب أحدهم لخصمه حجج ضعيفة لم يقل بها، ثم يرد عليها! مثال: ”قرار الوزارة الفلانية يضيّق على المحتاجين” يرد المغالط: ”أنت ترفض قرارات الدولة، وتؤيد الفوضى في البلد!“. بسبب عدم التركيز، أو العجز عن رد الحجج القوية؛ يلجأ البعض إلى هذا الأسلوب.
(3)
«المصادرة على المطلوب، أو الاستدلال الدائري»
وهي جعل النتيجة مكان المقدمة، ونشرح المقال بمثال: ”الوزير فلان نزيه، لأن الحاكم أشاد بنزاهته“. هنا استدلال دائري فارغ لا يحمل أي دليل منطقي على نزاهة الوزير. وهذه المغالطة في الغالب صعبة الكشف لِمن لا يفرِّق بين النتيجة والمقدمة.
(4)
«السؤال المشحون، أو الافتراض المسبق»
وهي أن يطرح أحدهم سؤالاً ضمّنه فروض مسبقة، بحيث تلزم إجابة الطرف الآخر الاعتراف بمقدمات خفية. مثال: ”هل ما زلتَ ترفض النهضة الحاصلة في البلاد؟“ إذا أجبت بنعم أو لا فإنك تعترف بفرضٍ مسبق! كل سؤال ملغوم كهذا عليك أن تفككه إلى أجزاء.
(5)
«المنحدر الزلق، أو الاستقراء العبثي»
وهي رفض فكرة ما بدون أي دليل يقيني، لافتراض سلسلة عواقب وخيمة ستنتج عنها! مثال: ”نعطيهم اليوم حرية التعبير، وغدًا ينتقدون الوزير، ثم يحرضون الجماهير.. لذلك لن نسمح بحرية التعبير!“ وهكذا تُرفض الفكرة من البداية بسبب نتائج محتملة متخيّلة!
(6)
«الاحتكام إلى السلطة، أو حجة السلطة»
وهي الاعتقاد بصحةِ فكرة معيّنة لأن سلطة ما قالت بها. والسلطة هنا قد تكون حكومة أو عالِم.. أو غير ذلك. مثال: ”النظرية صحيحة لأن ستيفن واينبرغ من أنصارها“. يجب أن ننبه هنا، بأن النظرية أو الحكم قد يكون صحيحًا، ولكن طريقة الاستدلال خاطئة.
(7)
«الاحتكام إلى الجهل، أو حجة غياب الدليل»
وهي اعتقاد أحدهم بصحةِ فكرة ما لأنه لا دليل على خطئها، والعكس. ومعلوم أن ”غياب دليل الوجود ليس دليلاً على العدم”. مثال: ”لأنك لا تستطيع إثبات أن الكائنات الفضائية غير موجودة، فهي موجودة!“. نسي المتحدث هنا أن البيّنة على من ادّعى.
(8)
«الرنجة الحمراء، أو التشتيت»
وهي أن يشتت المحاور الحديث -لعجزه عن الاستدلال أو الرد- بمواضيع جانبية وبعيدة. مثال: ”لا تعاتبني على فسادي والدولة غارقة في الفساد، لنتساءل أولاً من المسؤول عن فساد الدولة؟“. (الرنجة الحمراء: سمكة يستعملها المجرمون لتشتيت الكلاب البوليسية) فتيقّظ!
(9)
«الاحتكام إلى القوة، أو حجة العصا»
وهي الاعتماد على التهديد والتخويف بدلاً من الحجج لفرض الفكرة. مثال: يخاطب أحدهم مسؤولاً: لماذا علي تطبيق هذا النظام إذا كان خطأً؟ يرد: ”لأنك لا تريد أن تدخل السجن!“. هنا تهديد غير مباشر، وهو ما يفعله -في الغالب- أصحاب السلطات لفرض أفكارهم.
(10)
«الشخصنة، أو إدانة المصدر»
وهي أن يتجاهل الشخص كل الحجج المقدمة من الطرفِ الآخر، ويعمد إلى عيبٍ فيه فيظهره بهدف إسقاط حججه! مثال: ”مَن أنت لتنتقد المفكر الكبير فلان؟!“. من الواضح هنا أن المغالط نفذ إلى شخص خصمه ليُسقط حججه، ولكن القدح الشخصي هنا ليس دليلاً على خطأ الكلام.
(11)
«التقسيم المخطئ، أو الأبيض والأسود»
وهي افتراض أحدهم وجود خيارين فقط، مع إمكانية وجود خيارات أخرى. مثال: ”إما أن تكون معنا ضد الشعب الموزامبيقي أو أن تكون خائنا!“. وهذه المغالطة محببة لدى المتعصب، فإنه دائمًا ما يجعلك بين خيارين، الأول: رأيه المقدّس، الثاني: رأي آخر ظاهر البطلان.
(12)
«المصدر المجهول»
وهي استخدام أحدهم مصدرًا مجهولاً في حجته، ليصل إلى نتائج تخدم قضيته. ومن العبارات المشهورة: (قال العلماء، أثبتت الدراسات..). مثال: ”أكّدت الدراسات أن الشذوذ حالة طبيعية!“ بدأ المتحدث قوله باستدلال مجهول المصدر لخداع المتلقي، والاستدلال يجب أن يكون واضحًا.
(13)
«تسميم البئر، أو تشويه المصدر»
وهي تشويه صورة الآخر بهدف إسقاطه كمصدر موثوق، والاعتماد على هذا التشويه في نقض حججه. مثال: ”أما ترى هيئته ولحيته الكثة، كيف تقرأ كتبه في الفلسفة؟“ هنا تسميم للبئر وتشويه واضح لصورة الكاتب بهدف التنفير عنه وعن إنتاجه الفكري، والحجة لحيته الكثّة!
(14)
«مغالطة الهروب للمستقبل»
وهي اعتقاد فلان بأن فكرة ما صحيحة لأن المستقبل كفيل بإثبات أدلة صحتها. مثال: ”قد تبدو نظريتي لك الآن غريبة، ولكن مُستقبلاً ستكتشف صحتها وتظهر أدلة صوابها“. هنا تعليق للحكم حتى ظهور الأدلة الكافية! هذه الأساليب تستخدم بكثرة في المجتمعات العلمية.
(15)
«الإطراء، أو تلميع التفاح!»
وهي مدح الطرف الآخر للتأثير على عواطفه ليقبل الفكرة التي تريد. مثال: ”غريب أن يكون شخصا بذكائك وعِلمك واطِّلاعك الواسع لا يؤمن بنظرية التطور!“. هنا محاولة صريحة للتأثير على رأي الآخر بأسلوب الإطراء، وفي الغالب ينجح هذا الأسلوب في تغيير آراء الخصوم في النقاشات.
قبل الختام..
بعد هذا العَرض المُيسّر -في زَعمي- والمقتضب جدًا لأشهرِ المغالطات المنطقية المشاهدة في حواراتنا اليوم، أقول وأسأل الله السداد والقبول:
اعْلَم -أيها الكريم- أن الغرض من هذا العرض ليس الحِفظ المدرسي، فهذا لن يجعلك محصّنًا من الوقوعِ في المغالطات أثناء النِّقاش، بل ما أردته هو فقط تنبيه العقل، وجعله في حالةِ تيقّظ أثناء الحوار. واعْلَم أن للنقاد رأي معتبر في دِراسة المغالطات، يقولون: ”دِراسة المغالطات لا تكفي لإجادة التفكير الاستدلالي، مثلما أن معرفة الأخطاء في لعبة كرة القدم مثلاً لا تكفي لإجادة اللعب. إنما ينبغي أن نتجه مباشرة إلى دِراسة قواعد الجدل الصحيح ومعايير الاستدلال الصائب“.
• المغالطة في تعريفٍ لها تقليدي: ”نمط من الحجج الباطلة التي تتخذ مظهر الحجج الصحيحة“. فأردتُ من هذا العرضِ السريع -ظاهر القصور- أن أُنبه عقلك لبعض مظاهرها التي تتبدّى كاستدلالٍ قوي أثناء الحوارات، وهذه المظاهر منتشرة وتتكرر في أغلبِ نقاشاتنا اليوم في وسائل التواصل الحديثة والإعلام التقليدي. أردتُ أن أنبهك عليها لأنها تُستخدم إما جهلاً أو خِسّة، وطموحي أن تربأ بنفسِك عن منازِل الجهلاء ودَرَكات الأخسّاء.
• الوقوع في الخطأ الاستدلالي أثناء النِّقاش سببه -في الغالب- انحيازٌ إدراكي لجانبٍ معيّن تكوّن من عِدّة أسباب عاطفية ونفسية. وكما هو ظاهِر لك؛ فإن هذا دليل قصورٍ في المنهج المنطقي مُوقع صاحِبه -لا محالة- في السطحيةِ والانحراف عن سكّة الموضوعية. ولِذا فإن التعرّف على الأساليب الخادِعة في الاستدلال، وبيان مدى ضَعفها، يكون خير معين على يَقظة العقل والتحرّز من مواطن الهشاشة في التفكير. وفي مقدمة كِتاب ماجد الحمدان يقول: ”الهدف من التعرّف على المغالطات المنطقية، هو التأسيس للفكر العقلاني والذي يمثّل الأرض الذي يستند عليها التفكير العِلمي“.
• إدامة التأمل في هذا الباب، والقراءة فيه، ينشّط التفكير النقدي لديك، والذي في غيابه ”نكون رهائن للمؤثرات المحيطة؛ فلا يسعنا إلا أن نُكرر تكرارًا أعمى تلك الاستجابات التي تعلّمناها من قبل؛ ولا يسعنا إلا أن نقبل قبولاً أعمى كل ما يُقال لنا في أبواق الدعاية السياسية والتجارية، وفي الصحافة والكُتب، وكل رأي يصدر عن «سلطة»“.
• أعْلَمُ والله أنك تقول في نفسِك وأنت تقرأ ما سقتهُ من مغالطاتٍ مشهورة: ”ما هذا؟ هذه أمور واضحة لكُل أحد، ويعرِفها كل عاقل!“. وقد صَدقت، ولكني أخبرك وللأسف؛ مع شدةِ وضوحها لا نراها! والسبب ما يطرأ على العقلِ البشري من أحداثٍ تنتج عنها عاطفة مُشتتة للأفكار وقائدة للميل عن الصواب أو عدمِ التيقّظ له. لذلك وجَبَ التنبيه والتذكير حتى يتخلّص الإنسان مما يعتري عقله من الأسباب التي تَخلق الإعياء في تفكيره المنطقي.
وأختم بما أورده صاحب «الحِجاج والمغالطة» في آخر مقدمته عن أبي حيان التوحيدي متمثلاً به أمامك: ”فكُن عاذري عند خللٍ يمر، إذا أبيت أن تكون شاكري عند صوابٍ تظهر عليه“. وأُذكرك يا كريم بما خطّه عادل مصطفى في آخر مقدمة كتابه «المغالطات المنطقية»: ”خُذ البلاغة ولا تؤخذ بها. وفرِّق دائمًا بين الخطابة والبُرهان. ولا يخلبك زُخرف القول عن جوهر الحُجة. ولا تَقف عند التشبيه البليغ وتظنه المحطة النهائية وتأخذه مأخذ الدليل“.
ولمن أراد الاستزادة فليرجع إلى الكُتب التسعة التي سأسردها، مع العِلم أنها كلها يعتريها النقص والخطأ كعادةِ كُتب البشر! وأنا أنصح بالتشبّث بكتاب يوسف بوحايك -مع التحفّظ الشديد على بعضِ أمثلته- لأنه آخر ما صدر ولغته واضحة ميسّرة.
الكُتب:
١. المغالطات المنطقية لعادل مصطفى، ٢. رجل القش ليوسف بوحايك، ٣. الحِجاج والمغالطة لرشيد الراضي، ٤. قائمة المغالطات لماجد الحمدان، ٥. في الغلطِ والمغالطة أو السفسطة اللغوية للدكتور مجهول، ٦. كتاب المغالطات نيكولاس فاليتا، ٧. مختصر المغالطات لمرضي العنزي، ٨. المحاورة بالحيلة (مصور صغير) للموسوي، ٩. المغالطات المنطقية في وسائل الإعلام لأحمد دعدوش، ١٠. حبذا قراءة ما كتبه حبنَّكة في الفصل الثالث من كتابه «ضوابط المعرِفة» عن مراتب الحجج والمغالطات صـ٢٩٧-٣١٣.
والسلام.