يروي عقبة بن عامر -رضي الله عنه- أن النبي ﷺ أنه خَرَجَ رَسُولُ الله ﷺ وَنَحْنُ في الصُّفَّةِ فقال: «أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَغْدُوَ إِلَى بُطْحَانَ، أو الْعَقِيقِ فَيَأخُذَ نَاقَتَيْنِ كَوْمَاوَيْنِ زَهْرَاوَيْنِ، بَغَيْرِ إِثْمٍ، باللهِ عزّ وجل ولا قَطْعِ رَحِمٍ؟».
قالُوا: كُلُّنا يَا رَسُولَ اللهِ، قال ﷺ: «فَلأَنْ يَغْدُوَ أَحَدُكُمْ كُلَّ يَوْمٍ إلى المَسْجِدِ فَيَتَعَلَّم آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ الله عزّ وجل خَيْرٌ لَهُ مِنْ نَاقَتَيْنِ، وَإِنْ ثَلاثٌ فَثَلاثٌ مِثْلَ أَعْدَادِهِنَّ مِنَ الإِبِلِ» سنن أبي داود (4/ 231).
لقد أراد ﷺ التَّقريب وهو يُخاطب أصحابه بأغلى شيءٍ يعرفونه؛ حيث وصف تعلُّم كتاب الله عزّ وجل «خيرٌ له» أي أفضل له، من «نَاقَتَيْنِ كَوْمَاوَيْنِ زَهْرَاوَيْنِ» والناقة الكوماء الزهراء؛ عظيمة السنام، كثيرة اللحم، مائلة إلى البياض من كثرة السِّمَن، وهي مِنْ خيار أموال العرب آنذاك؛ وهذا أفضل من التصدق بمجرد ناقة، كما جاء في حديث التبكير إلى صلاة الجمعة.
و «الصُّفَّة»: موضعٌ مُظَلَّل من المسجد النَّبوي الشريف كان فقراء المهاجرين يأوون إليه، وكانوا أضياف الإسلام. و «يَغْدُوَ إِلَى بُطْحَانَ، أو الْعَقِيقِ »: أي: يذهب في الغَدوة وهي أول النهار، و«بطحان»: أحد أودية المدينة الثلاثة؛ بطحان، والعقيق، وقناة. وسمِّي بطحان بذلك: لسعته وانبساطه من البطح وهو البسط، و «العقيق»: قيل: أراد العقيقَ الأصغر، وهو على ثلاثة أميال أو ميلين من المدينة، وخَصَّهما ﷺ بالذِّكر؛ لأنهما أقرب المواضع التي يقام فيها أسواق الإبل إلى المدينة، والظَّاهر أَنَّ (أو) للتنويع.
هذا خبرُ مَن لا ينطق عن الهوى ﷺ، في فضل القرآن الكريم، وأجر تعلمه وتعليمه وقراءته، والأمر أعظم من ذلك، والله تعالى أعلم.
اللهم اجعل القرآن العظيم لقلوبنا ضياءً، ولأبصارنا جلاءً، ولأسقامنا دواءً، ولذنوبنا ممحِّصاً، وعن النيران مخلِّصاً، وارزقنا تلاوتَه آناء الليل وأطراف النَّهار على الوجه الذي يُرضيك عنا.
اللهم اجعله حجة لنا لا حجة علينا، ومؤنسا لنا في قبورنا، شفيعاً لنا يوم القيامة.
آمين، وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمدٍ، وآله وصحبه.