إحداث الاختراقات الاستراتيجية يتطلب اختيار النهج الصحيح لتجنب المصائد والفخاخ السيكولوجية الشائعة. فما الذي يجب على المدراء فعله لكي يتأكدوا من أنهم لا يبالغون كثيراً في قدراتهم ويقللون من حجم التحديات؟
بول ستريبل وآن فاليري أولسون
الأشخاص الناجحون وأصحاب الطموح يصلون إلى المناصب التي تمنحهم الصلاحيات اللازمة للاستمتاع بتحقيق رغباتهم. حيث يمكنهم بناء تبريراتهم المتسلطة لإقناع الآخرين- وكذلك أنفسهم- بأن كل ما يفعلونه عين الصواب. فهم أذكى وأرفع منزلة من أن يتحدث الآخرون إليهم لحثهم على تحقيق رغباتهم، حتى وإن كان ما يقولونه محض خيال، ومنفصلٌ تماماً عن واقع الحال.
صحيح أن الدراسات تشير إلى أن الأشخاص الناجحون وذوي الطموح لديهم تقدير لأنفسهم أكثر مما لدى الآخرين. لكن الركون إلى نجاحاتهم السابقة يوقعهم في براثن العجرفة (والبطر والغرور)، وهو ما يدفعهم إلى المبالغة في تصوير قدراتهم والتقليل من حجم التحديات التي تواجههم، فيقعون في حبائل الأنا والأنانية.
فما الذي يمكنهم فعله إذاً، إذا ما أرادوا زيادة فرصهم في إحداث اختراقات استراتيجية؟
من خلال دراسة مجموعتين من الشركات تتكون كل منهما من حوالي عشر شركات، اكتشافنا خمسة أنواع من الحركات الكبيرة – نقلات تحتاج توظيف موارد هائلة لتحقيق الأهداف الجديدة_ وهذه الخطوات يمكن أن تكون مرتبطة بمنحنى الأداء كما في الشكل التالي :
(منحنى الأداء ويمكن أن يحدث بأي ترتيب، فالترتيب الموجود في الشكل هو الترتب الذي نوقشت فيه هذه الخطوات).
وقد توصلت الدراسة البحثية إلى أن كلٌ من هذه الخطوات هي بشكل عام مرتبطة بنوع معين من أنواع الغطرسة hubris، وهذا يتسبب في خلق بقع إدارية عمياء Managerial blind spots بالنظر إلى عامل النجاح الرئيسي بالنسبة للخطوة موضع النقاش.
بيد أن النهج الاستراتيجي السليم يمكن أن يساعد الإدارة في احتواء غطرستها ويكون سياجاً واقياً لها من فخ الأنا.
البحث عن لعبة جديدة
” البحث عن لعبة جديدة” كناية عن إنشاء نموذج أعمال جديد كلياً ليحل محل نموذج الأعمال الحالي الذي بدأ يفقد فعاليته، أو من أجل الاستفادة من الفرص التقنية الحديثة المتاحة في السوق، فهو يمثل اختراقا في مجال الصناعة.
وعندما يكون المدراء ناجحون، فمن الطبيعي أن تفترض أن ذكاء المدراء ومهاراتهم القيادية لعبت دوراً مركزيا في تحقيق النجاح. فإذا كان المدراء محظوظون بما يكفي ليحققوا النجاح تلو النجاح ويرتقون في سلم الأعمال إلى أعلى، فسيكونون مقتنعين بكل بساطة بأن ذكاؤهم ومهاراتهم القيادية أعلى من المستوى المتوسط بكثير، وبما يكفي من الالتزام والحيوية والنشاط، وسيعتقدون بأنه بمقدورهم تحقيق النجاح تقريباً في جميع الأعمال التي يقومون بها.
البحث عن لعبة جديدة هو الخطوة الكبرى التي تستلزم عدم المواصلة في النهج القديم، ومن ثم الابتعاد عن مخاطر أكبر تهدد بالفشل، عند محاولة البحث عن لعبة جديدة، فإن السيكولوجية الذكية هو أن تطلب من شخص ذي خبرة سابقة إبداء ملاحظاته ونصائحه، حيث أن رؤية الصورة بحجمها الأكبر يساعد على نظرة الشخص لإنجازاته في حجمها الحقيقي.
النجاح في اللعبة الجديدة يتطلب زيادة التجربة الحالية، وقد لا تكون تلك تجربة خاصة بصناعة بعينها، ولكن مجموعة من القدرات والمهارات التي يمكن نقلها إلى مجال العمل الجديد.
القيام بالتوسع اللازم للبدء في لعبة جديدة لن يكون له معنى يذكر إلا إذا كانت القيمة الجديدة المفترضة مميزة جداً، وأن النمو المتصاعد كبير فعلاً، والتحدي هو إدخال نموذج الأعمال الجديد بالتركيز على عملية التنفيذ.
الانتقال إلى النمو
الانتقال إلى النمو هو من الخطوات الكبرى التي تتميز بكونها الأقل مخاطرة، حيث يستفاد من نموذج الأعمال الناجح القائم أصلاً، فالأمر هنا هو بمثابة تحريك نموذج أعمال أثبت فاعليته، وذلك من خلال تطوير الموارد اللازمة للاستفادة من المشاعر الإيجابية للعملاء، وركوب موجة النمو التي تحقق لك حصة في السوق الحالية والانتقال إلى الشرائح المجاورة ومناطق جغرافية جديدة.
التحدي في استئناف النمو يكمن في تجنب الوقوع في فخ الانا، والاعتقاد بأن الشخص يمكنه محاكاة المنافسين ومن ثم التغلب عليهم في ميدانهم.
رجال الأعمال والعلماء والباحثين والمهندسين (ولاسيما المهندسين الماليين)، والمصممين ومطوري المنتجات، كل هؤلاء على اختلاف مشاربهم معرضون جميعاً للوقوع في فخ “نحن الخبراء أعلم” يعتقدون بأنهم دون غيرهم، هم الذين يمكنهم تحديد ما ستحتاجه عملية بيع المنتج التالي (فمن غير المتوقع في نظرهم، أن يعرف العملاء ما يريدون)، وحتى لو كان بينهم فائز أو فائزان، فقد تكون هناك شكوك حول معرفتهم بالأساليب التي يمكن أن تنجح في العملية التالية لبيع المنتجات.
الأمر الأكثر أهمية عند التوجه لبيع المنتجات، هو فهم السلوكيات الشرائية في الأسواق الجديدة، وقبل الدخول في التزامات كبيرة لبيع هذه المنتجات، من الضروري أن تنظر إلى الأمور من منظور المستهلكين في الأسواق الجديدة، ومراقبة سلوكياتهم في شراء واستخدام المنتج- ثم اسأل وتقصى عما يريدونه على وجه التحديد، لا تتحدث إلى خبراء شركتك عن السلوكيات الشرائية في الأسواق الجديدة، ولا تستخدم الدراسات المسحية التي صممتها شركتك للتعرف على رضا العملاء لتأكيد أنهم يريدون نفس القيمة المقترحة الحالية على ما هي عليه دون أي تعديل.
ومن الأهمية بمكان أيضاً البحث عن أسواق لديها إمكانية كبيرة للنمو وذلك لتبرير الموارد التي يتم تخصيصها لعملية البيع، والسوق عليه أن يتمتع بالديمومة اللازمة وأن تكون فرص النمو مكافئة للجهود التي تبذلها لإضافة بعض القدرات المكملة إذا دعت الضرورة، حيث أن المراحل اللاحقة من عملية البيع عادة ما تتطلب مثل هذه القدرات لتمييز القيمة المقترحة في الأسواق الجديدة.
العودة إلى الوضع الطبيعي
هذه الخطوة الكبرى ضرورية للتجاوب مع العلامات الأولى لتراجع الأرباح، وذلك قبل وقت كاف من تطور المشكلة إلى مستوى أزمة، فالوضع في هذه الحالة يستلزم خفض التكاليف، وعمليات جديدة، وانسيابية سلسلة القيمة لنشاطات الشركة لتقديم الأرضية المناسبة لمعدلات النمو المربحة فيما بعد، وهي في العادة لتصحيح الأخطاء والحد من الإسراف، وتستلزم إعادة ضبط نموذج الأعمال بعد التركيز الهائل إما على القيمة المقترحة أو التركيز على العملاء المهمين.
قد يكون من الصعب عادة ملاحظة ما إذا كان التراجع في المستويات الأساسية للأداء حالة مؤقتة وسيصحح نفسه بنفسه، أم أنه علامة على تراجع الكفاءة وضعف القدرة التنافسية.
المدراء لا يمكنهم تعديل المسار عند أي حالة اصطدام في الطريق أو التفاعل مع انتقادـ وعليه، فإن الميل الطبيعي هو باتجاه تبني جلد سميك وتجاهل الإشارات السالبة، ولكي يتمكن المدراء من المحافظة على طاقات موظفيهم، عليهم حمايتهم من الارتباك وما قد يترتب عليه وتذكيرهم بأن أداؤهم كان رائعاً: “نحن ناجحون ونعمل بين أفضل الموظفين، ليس هناك ثمة شيء خطأ في أعمالنا”.
العودة إلى الوضع الطبيعي وتحسين مستوى الكفاءة ليس بالأمر المثير، والحاجة إلى هذه الخطوة أكثر تشتيتاً مما هي عليه بالنسبة للخطوات الكبيرة الأخرى، والأمر المهم لنجاح هذه المرحلة، ولتجنب الوقوع في فخ الإنكار النرجسي- فإن السيكولوجية الذكية هي أن تستمع لمختلف الأشخاص في الخط الأمامي ومن ثم دمج وجهات نظرهم لتحديد موقع المؤسسة في منحنى الأداء، فعلى سبيل المثال، إذا كان الموظفون يشتكون من أن العمل يعاني من التشظي والتفتيت وأن الشركة كانت في حالة النمو المتصاعد، وحققت الكثير من عمليات الاستحواذ، فإن الفرص مبعثرة، ولابد من إعادة الشركة إلى الوضع الطبيعي.
الخطوة الاستراتيجية لتصحيح الأوضاع تتمثل في وضع النفقات تحت السيطرة، وتحقيق مستويات أفضل في الحجم والعمليات وكفاءة الشبكة، ومن ثم السعي إلى تحقيق الميزة التنافسية في سلسلة القيمة، بيد أن عملية التصحيح الحقيقية لا يمكنها أن تستقر وتتجذر دون أن يكون هناك وقفة في النمو.
التحدي الذي يحول دون العودة إلى الوضع الطبيعي هو تسلسل التطور في القدرات، بحيث يقوم أحدها ببناء الآخر، فمن المستحيل على سبيل المثال، تطوير كفاءة الشبكة الخاصة بالمؤسسة دون أن تكون هناك عمليات فعالة تقوم بربطها مع بعضها البعض، والعمليات لا يمكن تنفيذها دون أن يكون هناك قدر من الاستقرار في التقنية التشغيلية من خلال الانتاج المتكافئ مع الحجم.
استئناف النمو
استئناف النمو هو استجابة لتراجع مستويات النمو بسبب التباطؤ في حركة السوق، أو بسبب زيادة المنافسة، فهي تتطلب الاستحواذ على شركات جديدة ذات علاقة أو إنعاش القيمة المقترحة لخدمة شريحة محددة بشكل جيد في السوق والتعجيل بمعدل النمو.
التحدي في استئناف النمو يكمن في تجنب الوقوع في فخ الانا والاعتقاد بأن الشخص يمكنه محاكاة المنافسين ومن ثم التغلب عليهم في ميدانهم. ولكي يصل المدراء إلى المراتب العليا، عليهم خوض المنافسة، والعمل بجد واجتهاد للفوز في العديد من المراحل المختلفة.
فرصة مقارنة نفسك مع الآخر لمعرفة من يقف أمامك، هي من الأمور التي تزيد من التشويق في عالم الأعمال. والنقطة المرجعية هي أفضل منافس في اللعبة. ولكي تتمكن الشركة من استئناف النمو، عليها أن تنظر في مدى جاذبية قيمتها المقترحة بالنسبة للعملاء، وهذا يعني القيام بأكثر من مجرد محاكاة ما يبدو أنها ممارسات ناجحة للمنافسين ومحاولة التغلب عليهم وبشروطهم، بالإضافة إلى فهم ما يجعل شركتك متميزة وفريدة من نوعها، وكيف تخلق قيمة للمساهمين في الشركة.
عندما لا تفكر إدارة الشركة بأسلوب خلاق، فقد تقع في مخاطرة الوصول إلى وضعية المحاكاة “وأنا أيضاً” بدلا من أن تكون لديها قيمة مقترحة مميزة، والتحدي في استئناف النمو يكمن في تصميم قيمة مقترحة جديدة بحيث تستفيد من جزء على الأقل من سلسلة القيمة الحالية لنشاطات الشركة.
إعادة التنظيم يتطلب عملية خلاقة لتجزئة السوق لاكتشاف الأنواع المختلفة للعملاء ومن ثم إعادة تصميم سلسلة القيمة، من أجل تقديم ما يريده العملاء على وجه التحديد وبتكلفة معقولة قدر الإمكان.
استعادة الربحية
وأخيراً، “استعادة الربحية” الرجوع عن الحالة التي تصنع الخسارة، وهذه تستلزم خفض التكاليف وتصفية الاستثمارات وما شابه ذلك من المعالجات، بحيث تتفرغ الشركة للتركيز على الجوانب المربحة في نشاطها.
وبالمقارنة مع حالة العودة إلى الوضع الطبيعي، فإن الاتجاه المطلوب محدد بشكل واضح لا لبس فيه، ولكن تطبيقه كما هو وبشكل حرفي قد يكون أكثر إيلاماً حيث أنه يستلزم تسريح الموظفين ووقف بعض العمليات الانتاجية.
المدراء الناجحون ينظرون إلى أنفسهم على أنهم يخوضون مخاطر محسوبة المآلات والعواقب لشق طريقهم للخروج من المصاعب، وهذا يعني أن تكون مبدعاً وشجاعاً بما يكفي لتطوير منهج جديد للشركة، بدلاً من الاستسلام أمام أول علامة لظهور الشدائد الحقيقية، وحيث أن المزيد من النفوس الخجولة ستنسحب، إلا أنهم يشقون طريقهم إلى الأمام، وقدرتهم على النجاح في مواجهة المعارضين هي ما يدفعهم إلى مواصلة المسير، وما دامت هناك فرصة لتحقيق النجاح، فسيذهبون إليها، يسيرون دائماً إلى الأمام، وهذا هو ما يتوقعه الناس منهم، والبديل هو الاستسلام والفشل في نموذجهم للأعمال وزملائهم.
ولتجنب فخ الأنا في رفع سقف الرهان، فإن السيكولوجية الذكية هي أن تسأل كيف سيفسر المدراء ممارساتهم أمام السوق وأمام المجلس، ولماذا راهنوا بالشركة كلها مقابل خطوة نمو غير معروفة العواقب، بدلا من حماية أموال المساهمين بإعادة الهيكلة.
إن سر النجاح في إعادة الهيكلة هو في بساطة نموذج الأعمال بالاستناد إلى ما يدر من أموال حقيقية (تحقيق عائدات فوق تكلفة رأس المال) ومن ثم معالجة، أو بيع أو إغلاق النشاطات التي تسبب الخسارة.
بيد أن المخاطرة الكبرى تكمن في خفض التكاليف بشكل عشوائي، ودون تمييز التي تقضي على السمات الخاصة لنموذج الأعمال، وللمحافظة على السمات الخاصة والاستفادة منها، فمن المستحسن توجيه الاستثمارات إلى الأجزاء القوية في النشاط، بينما الجوانب الضعيفة يتم تقليصها.
المصدر : Strategy Magazine