الكاتب : مورغن هاوسل
قام هنري فورد الثاني بتوظيف المستر روبرت ماكنمارا لمساعدته في إعادة ترتيب شركة فورد موتور، حيث منيت الشركة بخسائر مالية بعد الحرب العالمية الثانية وكانت بحاجة إلى “فتى عبقري whiz kid ” – كما كان يسميه هنري فورد – شخص ينظر إلى إدارة الأعمال على أنها علم التشغيل والعمليات المدفوعه بحقيقة الإحصائيات المثلجة Ice-Cold truth of statistics .
ويصف فيلم وثائقي عن حرب فيتنام فلسفة مكنمارا عندما اصبح بعد ذلك وزيراً للدفاع قائلاً:
“تعهد روبرت مكنمارا بجعل قوات الولايات المتحدة العسكرية فعالة من حيث التكلفة، وطالب بأن يكون كل شيء محسوب كمياّ، وأمتثل له القادة العسكريون بكل إخلاص، حيث كان هو وموظفوه يقومون بتوليد بيانات يومية وأسبوعية وشهرية وربع سنوية من مئات المؤشرات المنفصلة – والمزيد من البيانات التي يمكن تحليلها على نحو ملائم.”
بيد أن الاستراتيجية التي أثبتت نجاحها في شركة فورد اعتراها عيب في وزارة الدفاع، ويصف روفوس فيليبس، وهو عميل سابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، يصف النتائج العكسية التي أسفرت عنها استراتيجية إدارة مكنمارا أثناء حرب فيتنام قائلاً: قرر وزير الدفاع حينئذٍ ماكنمارا أنه سيرسم مخططًا ليحدد ما إذا كانت الولايات المتحدة ستنتصر في (فيتنام) أم لا.
كان يستخدم أشياء مثل أعداد الأسلحة التي استردت، وقتل عدد من مقاتلي الفيتكونغ Viet Cong الفيتناميين، وعدد المنشقين من الفيتكونغ ، وكان إحصائياً جدا. حيث طلب من إدوارد لانسديل، رئيس العمليات الخاصة في البنتاجون آنذاك، أن يأتي لمقابلته. وقال له: “انظر إلى هذه البيانات.” فنظر لانسديل إلى البيانات وقال: “هناك شيء مفقود هنا.”
فقال مكنمارا : “ماذا؟”
فأجابه لانسديل بقوله: “مشاعر الشعب الفيتنامي.”
لا يمكنك استثناء ذلك من الإحصائية.
كانت تلك القضية محورية في إدارة حرب فيتنام، فالمسافة بين إحصائيات المعركة التي تصلنا هنا في واشنطن والمشاعر بين الذين يخوضون غمار المعركة على الميدان يمكن أن تزيد عن مسافة 10 أميال.
وقال الجنرال ويستمورلاند، الذي كان قائداً للقوات الأمريكية حينئذٍ، للسيناتور فريتز هولينجز : “نحن نقتل هؤلاء الناس [يقصد مقاتلي الفيكونغ] بمعدل 10 إلى 1 ” فرد عليه هولينجز بقوله : “الشعب الأمريكي لا يهتم بالـعشرة، بل يهتم بالشخص الواحد. ”
وقد عبر تشي مينه عن ذلك بصراحة أكثر: “ستقتلون منا عشرة مقاتلين، وسنقتل مقابلهم جندياً واحداً منكم، لكنكم أنتم الذين ستتعبون أولاً على أرض المعركة”. فمن الصعب وضع ذلك في مخطط على الرسم البياني.
بعض الأشياء مهمة للغاية. فهي إما من المستحيل تحديد كميتها ، أو ربما يعد ذلك بعيد المنال، ولكنها يمكن أن تُحدث فرقاً هائلاً في العالم، وذلك لأن عدم القدرة على تقديرها كمياً يجعل الناس يقللون من أهميتها أو حتى ينكرون وجودها.
الفكرة هنا هي أن الاستثمار فن وعلم في آن واحد.
بعض الأشياء يمكن عدها، بينما هناك أشياء أخرى عليك أن تشعر بها فقط.
جمع المعلومات علم، وتصفية الازعاج فن.
تصفية القيمة الحالية علم، بينما التعرف على ثقة وشغف المدير التنفيذي فن.
التعرف على الممارسات التي أثبتت نجاحها في الماضي علم، بينما فهم لماذا الأمور مختلفة الآن فن.
وبما أن هذه هي مجموعات المهارات المتضاربة، فإن التبادل بين الاثنين أمر صعب. وهذا هو السبب في صعوبة الأعمال والاستثمار. كان ستيف جوبز Steve Jobs عبقرياً من الناحيتين الفنية والتقنية. ووارين بوفيت Warren Buffett يستطيع حساب أرقام في رأسه، لكنه يسقط أيضًا بعض المشاعر الجياشة مثل : “مع الكوكاكولا ، الأمر لا يتعلق بحصة السوق؛ بل يتعلق بالميل الذهني” وهذا النوع من المرونة العقلية سمة نادرة.
إذا كنت تعتقد أن العالم كله أشياء فنية فستفقد كمية الأشياء المعقدة التي لا يمكن التفكير فيها بشكل حدسي، معظم الناس يدركون ذلك، ولكن إذا كنت تعتقد أن كل ما في العالم يتعلق بالبيانات، فستفقد مقدار التعقيد الذي لا يمكن تلخيصه في الإحصاء.
بيد أن هذا الأمر أكثر صعوبة على ما يبدو.
Jul 5, 2018 by Morgan Housel @ www.collaborativefund.com