المواسير الحكومية
في كل مؤسسة مجموعتان من المواسیر: مواسیر كبیرة توفر القیمة للمتعاملين كي تحقق المؤسسة رسالتھا، ومواسیر صغیرة تغذي المواسیر الكبیرة وتدعمھا. مواسیر ”الرسالة“ أو الغایة تضیف قیمة، والمواسیر الفرعیة المساندة تدعم وتساند مواسیر الرسالة، وتوفر لھا الموارد البشریة والتكنولوجیا، والمال، والقرارات، وتوفر لھا البیئة القانونیة، والمادیة، والمعنویة التي یدور فیھا العمل. من دون منظومة الدعم یتعذَّر على منظومة الرسالة أداء مھامھا، ودون منظومة الرسالة، لا جدوى من وجود منظومة الدعم. إن لم تكن تعرف نوع عملك، اسأل نفسك: إذا غاب عملي أو لم یكن عملي موجوداً، ما الذي یمكن التخلي عنه أیضاً؟ إذا أجبت بـ”لا شيء“ أنت لست معنیاً برسالة المؤسسة، وإذا أجبت بـ”كل شيء“، فأنت صاحب الرسالة وجزء جوھري منھا.
صنِّف مواسيرك
إذا نزلت أسفل أي مبنى، سترى مواسیر متعددة الأشكال والألوان، إذ یختلف لون مواسیر المیاه الساخنة عن لون مواسیر الصرف، ویختلف شكل مواسیر الغاز عن تمدیدات شبكات الھاتف والبیانات، وھكذا. المواسیر الأخیرة تكون ذات ألوان زاھیة وشفافة لتسھل على الفنیین تمییزھا وتحدید مكان المشكلات فیھا. یمكن للمؤسسات الحكومیة أیضاً تمییز مواسیر الرسالة عن مواسیر الدعم حتى لا یختلط الحابل بالنابل، وھذه بعض الإرشادات العملیة لتغییر وتحسین ثقافة الدعم والتمیز :
- اجتماعات الموظفین: أعط الأولویة لإدارات العملیات (الخطوط الأمامية)، ثم وظائف الدعم والمساندة، ویحق لإدارات العملیات الاعتراض على أي إجراء مُقترح.
- التخطيط: تضع إدارات العملیات خُططھا التشغیلیة والاستراتیجیة أولاً، وتختصُّ باقي الخطط بمساعدة إدارات العملیات في تحقیق أھدافھا.
- تشكیل فرق استشاریة لتحسین مواسیر الدعم ذات التأثیر الأكبر على مواسیر الرسالة مثل: التعیین، والمشتریات، والعملیات المساندة لتكنولوجیا المعلومات، وھنا یتكون نصف الفریق على الأقل من مدیري وموظفي الرسالة الذین یمثلون ”المستفيدين“ مواسیر الدعم.
- الأولویة لطلبات مواسیر الرسالة في جمیع الحالات في كل أقسام المؤسسة. یتضمَّن ذلك بنوداً مثل: متطلبات المیزانیة، وتحسین منظومة تكنولوجیا المعلومات، وتخطیط رأس المال البشري، وتحسین عملیات الإنتاج، والاستشارات القانونیة.
التحول
لقد آن أوان تجمیل الإدارة الحكومية البائسة، ومن واجبنا اصلاح المواسير، وإزالة الصدأ، وسنبقى دائماً بحاجة إلى رفع كفاءة الأداء لتقدیم أفضل الخدمات. نحن بحاجة ماسة إلى التحول من البطيء إلى السریع، ومن الضعیف إلى القوي، ومن القبیح إلى الجمیل، والتحولات الشخصیة والمؤسسیة تمر بھذه المراحل الثلاث: الفھم، والتنفیذ، والمعایشة.
افهمها
قبل أن یكون التحول ممكناً، یجب أن نحرك في عقولنا أفكاراً جدیدة. قد یتمثَّل ھذا في قراءة الكتب أو الاستماع إلى أفضل المحاضرات في أفضل المنتدیات، أو استشارة الخبراء والأصدقاء، وبغض النظر عن ھذا أو ذاك، لا بد من حدوث ما یُنمِّي وعینا. لن تكون الأمور في خیالنا وأمام ناظرینا واضحةً دائماً، ما یعني ألا نحجم أبداً عن إجراء مزیدٍ من البحوث والدراسات، وحین یتبلور مفھوم جدید في أذھاننا، نتبع خیطاً مكوناً من الحقائق والعواطف قبل أن نفھم الأمر كلیةً، ومع البحث والتقصي، ستتخذ عقولنا مساراً منطقیاً كما یلي:
- إدراك أن لدینا مشكلة.
- التأكد من أن الحل سوف ینجح.
- التأكد من أن المنافع تستحق الجھد.
نفذها
من المھم أن ندرك على المستوى الشخصي والمؤسسي أنه لیس مھماً أن نقتنع بكل شيء قبل تنفیذه. یتضمن التحول، في واقع الأمر، التأرجح لفترة من الزمن بین الفھم والتنفیذ. ویعتقد الناس أحیاناً أنھم فھموا كل شيء، ثم ینفذونه، ثم یخفقون، ثم یتعلمون، ثم ینفذون العمل الصحیح. الانتقال الدائم بین الفھم والتنفیذ یقودنا إلى الإتقان، لكن التعمق ھو الأساس، إذ یؤدي اتباع أي منھج بانتظام إلى التحول، وكثیراً ما ندرك أن ما یُمارس كھوایة ویُطبَّق بعشوائیة، یؤدي إلى الإخفاق، وإھدار الجھد، والإحباط. التزم بالتغییر، وھذا یعني أن تتبنَّاه، وتمارسه، وتتقنه.
عِشها
المرحلة الأخیرة في التحول ھي أن نعیشه. إذا فھمنا التحول، ووضعنا منھجیة لتنفیذه -وعبرنا مراحل الإخفاق والتعلم، ثم العمل بما تعلمناه- یمكن أن تصبح المعایشة سھلة. ستعرف أنك تعیش التحول حین لا تستطیع ولا تفكر في العودة إلى طُرقك وأفكارك القدیمة؛ أن تعیش التحول یعني أنك نجحت في تقویم المواسیر وإزالة الصدأ، وھذا یعني:
❂ رؤیة المشكلات في نظام العمل لا في قدرات وسلوكیات العاملین.
❂ إدارة نظام العمل بدلاً من إدارة أفراد وأعضاء فرق العمل.
❂ تحسین النظام لا المُنظِّمین والمُنفِّذین.
❂ استخدام البیانات في فھم المنظومات، لا في محاسبة الناس.
❂ اعتبار الموظفین متطوِّعین، وھذا یعني أن العمل المطلوب منھم تطوعي لا إلزامي.
حیاة التحول لا تناسب الجمیع. سینتقل بعض العاملین معك من مرحلة ”افھم“ و”نفِّذ“ بسرعة، وستصادف كثیرین عاجزین عن فھم طبیعة التحول، ولذا من المھم دائماً أن تستثمر كل طاقتك. نحن نتعامل مع بشر من لحمٍ ودم، نتعامل مع عقول الناس وقلوبھم، ما یعني أنه لیس من حقنا تطویعھم وقولبتھم وتعدیلھم وإعادة تصنیعھم.
[العمل الحكومي عمل نبیل وشرفٌ كبیر، وموظفو الحكومة رائعون وقادرون ویستطیعون.]
ولكن تبقى بعض منظومات الإدارات الحكومیة تعج بالفوضى والاختناقات، ولھذا لن نحقق نتائج عظیمة، إلا إذا تعاون العاملون في المنظومة مع المتعاملین معھا والمستفیدین منھا، وفي ھذه الحالة الذھنیة والتطبیقیة من القیادة الموقفیة، یصبح الخیالُ واقعاً، والمستحیلُ ممكناً.
الجزء الأول : إصلاح مواسير الأجهزة الحكومية ( 4-1)