لقد تركت جائحة فيروس كورونا (COVID-19) تأثيرا عميقا على مدن العالم، وحتى في البلدان والمناطق الأكثر تأثراً بهذا الفيروس، وأعلى معدلات الإصابة والوفيات ظهرت داخل المدن الكبيرة، ويواجه عُمد المدن ورؤساء البلديات تحديات يومية وقرارات مصيرية تتعلق بالحياة أو الموت على نحو لا مثيل له في العصر الحديث، وبالرغم من هذه التحديات الهائلة، تشير الأدلة حول العالم إلى أنهم على قدر التحدي الذي يواجهون، ويتصرفون بسرعة لحماية الأرواح وتأمين سبل العيش، ويتبعون الأساليب العلمية ويتطلعون للمساعدة في تحقيق انتعاش اقتصادي مستدام وعادل بعد الأزمة التي تسبب فيها فيروس كورونا.
وفيما يلي بعض الإجراءات التي يقوم بها بعض العمد ورؤساء البلديات في المدن الكبرى حول العالم:
- رؤساء البلديات يستمعون للعلماء Mayors listen to the scientists :
ظل العمد ورؤساء البلديات عبر السنين يطالبون باتخاذ خطوات أكثر إلحاحًا لمواجهة التغيرات المناخية أكثر من أي مجموعة أخرى من السياسيين، وذلك لأنهم يدركون أن مواطنيهم سيكونون الأكثر تضرراً من آثار التغير المناخي، ولعله ليس من قبيل المصادفة أن رؤساء البلديات في العديد من البلدان كانوا أيضًا أول من اتبع النصائح العلمية بشأن أزمة تفشي فيروس كورونا، ففي الولايات المتحدة ، أعلنت عمدة مدينة سان فرانسيسكو، لندن بريد London Breed ، حالة الطوارئ في 25 فبراير، وفي ذلك الوقت لم تكن هناك حالات مؤكدة في المدينة، وقد أوضحت حينئذ أنها تستمع إلى آراء المختصين في الخطوط الأمامية من ذوي المعرفة العلمية في هذا الشأن، كما أصدر عمدة هيوستن سيلفستر تورنر Sylvester Turner أوامره لجميع السكان بالبقاء في منازلهم، محذرًا من أن الأدلة الطبية والعلمية كانت حاسمة للغاية بحيث لا يمكن تجاهلها، حتى عندما كانت ولاية تكساس، تقاوم تطبيق أوامر “البقاء في المنزل”، وفي لوس أنجلوس ، نصح العمدة غارسيتي Garcetti السكان بارتداء الكمامات في الأماكن العامة اعتباراً من يوم 7 أبريل ، وفي 29 أبريل أمر بإجراء الاختبار المجاني لفيروس كورونا (COVID-19) لسكان مدينته، وكلا القرارين طبقت على نطاق واسع في أماكن أخرى من العالم، رغم انه لم يوافق عليه من قبل الحكومة الفيدرالية الأمريكية.
وبالمثل، في أمريكا اللاتينية، اتخذ رؤساء البلديات في مدن ميديلين Medellin في كولومبيا وريو دي جانيرو Rio de Janeiro وكوريتيبا Curitiba والسلفادور Salvador وساو باولو Sao Paulo في البرازيل وفي العديد من الدول الأخرى إجراءات حجر صارمة في مراحل وأوقات سبقت المستوى الفيدرالي أو الوطني، بينما كان التناقض لافتاً للنظر بشكل خاص في البرازيل، حيث يواصل الرئيس جاير بولسانارو Jair Bolsanaro تجاهله لهذا الوباء.
- رؤساء البلديات يبحثون عن الفئات الأكثر هشاشة في مدنهم
Mayors are looking out for the most vulnerable in their cities
قال نائب الرئيس الأمريكي الأسبق آل غور Al Gore في حديثه في قمة C40 العالمية لرؤساء البلديات في كوبنهاجن في أكتوبر الماضي: “إن الأمور تستغرق وقتًا أطول مما تعتقد حتى تحدث، وتحدث بشكل أسرع بكثير مما كنت تعتقد”، حيث رأينا في بعض المدن حول العالم، اعتماد السياسات وتنفيذ التغييرات بين عشية وضحاها لمعالجة بعض القضايا الأكثر تعقيداً في عصرنا الحاضر.
في مدينة لوس أنجلوس، تلك المدينة الثرية التي تعاني رغم ذلك من أزمة تشرد مزمنة قبل تفشي الوباء، تعهد العمدة غارسيتي Garcetti، الذي يرأس قمة C40 العالمية لرؤساء البلديات، في بداية الإغلاق بأنه سيتم تأمين سكن لكل مشرد يريد سكناً يؤويه، وحتى هذا الأسبوع، قامت المدينة بفتح 24 ملجأ مؤقت في مراكز الترفيه التي آوت 900 شخص.
بالإضافة إلى ذلك، يتم استخدام ما يقرب من 3000 غرفة فندقية، وكما قال العمدة غارسيتي Garcetti: “هذه الإجراءات ستساعد في توفير الإيرادات لفنادقنا وموتيلاتنا التي هي في أمس الحاجة إليها، وستعيد الكثيرين إلى فرص العمل التي فقدوها مع المحافظة على حياة أولئك الذين يعانون من التشرد وإنقاذ أرواحنا جميعًا من خلال الحد من انتشار فيروس كورونا “.
كما أصدر العمدة غارسيتي Garcetti مؤخراً حظرًا مؤقتًا على عمليات الإخلاء لجميع المستأجرين غير القادرين على دفع الإيجار بسبب الظروف المتعلقة بجائحة فيروس كورونا (COVID-19) لمنع السكان من التشرد، وأمر بتجميد الزيادات في إيجار العقارات، حيث أن المدينة تتمتع بالولاية القضائية في هذا الشأن، كما وفرت بطاقات الخصم لسكان المدينة مع تغذيتها بالأموال التي توفرها المدينة عند الطلب لمن هم في أمس الحاجة إليها ، دون طرح أية أسئلة، ودون استثناء للمهاجرين غير المسجلين.
وفي كولومبيا، يوفر نظام التضامن في مدينة بوغوتا Bogotá، الدخل الأساسي إلى 350.000 من الأسر الفقيرة والضعيفة في المدينة، طوال فترة الإغلاق، ولعل هذه الإجراءات لها هدف مزدوج وهو: ضمان عدم وجود أي شخص بدون منزل أو طعام، ومساعدة الأشخاص الذين قد يضطرون إلى مغادرة منازلهم لكسب لقمة العيش على الامتثال لمتطلبات الحجر الصحي، والمستفيدون الرئيسيون هم العمال غير الرسميين والعاطلين عن العمل والنساء ضحايا العنف والأسر التي تعيش على حافة خط الفقر.
وفي مدينة فريتاون Freetown ، استفادت العمدة أكي سوير Aki-Sawyerr من تجربتها في الاستجابة لتفشي فيروس إيبولا في سيراليون، وذلك من خلال توفير المعدات والتدريب للأشخاص الذين يعيشون في مستوطنات غير رسمية لزراعة خضرواتهم.
وفي مدينة لاغوس Lagos بنيجيريا، أنشأت المدينة 25 سوقًا مؤقتًا في المدارس، من أجل توفير الإمدادات الغذائية للفئات الضعيفة في المجتمع، في ظل استمرار وطأة التأثير الاقتصادي للحظر.
وفي جوهانسبيرج Johannesburg قامت المدينة بالاستناد إلى قاعدة البيانات التي تحتفظ بها للأسر الضعيفة، قامت بتوزع طرود غذائية طارئة تحتوي على حوالي 15 كجم لكل أسرة من الخضروات (الملفوف والجزر والبصل والفلفل، وما إلى ذلك) كل أسبوعين من خلال مراكز توزيع محددة.
- رؤساء البلديات يعيدون النظر في كيفية استخدامنا لشوارعنا
Mayors are reimagining what our streets are for
هناك أدلة متزايدة على أن فيروس كورونا أكثر خطورة في المناطق ذات التهوية السيئة، وذلك بسبب ارتفاع معدلات أمراض الرئة الناتجة عن تلوث الهواء وقد ينتقل الفيروس عبر جزيئات التلوث، وذكرت صحيفة الجارديان أن الهواء النظيف في أوروبا “يؤدي إلى تقليل عدد الوفيات بحوالي 11000 حالة ” لأن الملايين من السيارات كانت متوقفة أثناء فترة الإغلاق، وتشير تقديرات كاليفورنيا إلى أن فيروس كورونا قد ساهم في تخفيض عدد حوادث المرور والوفيات على طرق الولاية بأكثر من النصف، وقد كانت الأدلة تشير وبكل وضوح منذ فترة طويلة إلى أن المركبات ذات محركات الاحتراق الداخلي هي من بين أكبر المساهمين في انبعاثات غازات الدفيئة التي تسبب أزمة التغير المناخي، ولذلك ، ليس من المستغرب أن يبدأ رؤساء البلديات وسكان المدن في التساؤل عما إذا كانوا يريدون إعادة السيارات والشاحنات إلى شوارع مدنهم بمجرد انقشاع الأزمة الحالية، حيث أعلن عمدة ميلانو بأنه سيتم تحويل 35 كيلومترًا من الشوارع على مستوى المدينة لركوب الدراجات والمشي، وذلك للسماح للسكان بالتنقل بأمان في جميع أنحاء المدينة، كما ستقوم مدينة نيويورك بفتح 100 ميل من الشوارع للأنشطة الترفيهية “التي تتحلى بالمسؤولية الاجتماعية” خلال أزمة فيروس كورونا، والتي تركز على المناطق الأكثر احتياجًا. وفي أوكلاند Auckland، بنيوزيلندا ، وهي الدولة التي أفلحت الإجراءات الحكومية القوية فيها في تجنب الآثار الأكثر سوءاً لفيروس كورونا، قررت السلطات توسيع ممرات الدراجات والمشاة في الطرق الرئيسية في وسط المدينة.
- رؤساء البلديات يتواصلون فيما بينهم ويتبادلون أفضل الأفكار
Mayors are reaching out and sharing their best ideas
رؤساء البلديات في المدن الكبرى في العالم لم يترددوا أبدًا في مشاركة المعرفة أو تبني الأفكار الجيدة من أقرانهم، وقد جعلت أزمة فيروس كورونا هذا التعاون أكثر وضوحًا من أي وقت مضى، ففي شهر مارس الماضي، وفي ذروة الأزمة بالنسبة للعديد من المدن، شارك أكثر من 40 رئيس بلدية في ندوة عبر الإنترنت للاستماع لبعضهم البعض حول الإجراءات والأساليب الأكثر نجاحاً وما هي الخطوات التي ينبغي عليهم اتخاذها.
لقد كانت الرسالة واضحة، من المدن الصينية وسيول وسنغافورة – (إجراء الفحوصات والمتابعة) TEST & TRACE، وقد رأينا في وقت لاحق أن معظم المدن تقوم بالتخفيف من حدة إجراءات الإغلاق فقط عندما تقترب الإصابات الجديدة من الصفر، ثم تقوم باتباع برنامج صارم للفحص والعزل والحجر الصحي، هذا الأسلوب القائم على خبرة زملائهم من رؤساء البلديات في المدن الأخرى ساهم دون شك في إنقاذ آلاف الأرواح.
وبالمثل، بات واضحاً منذ الأيام الأولى من أزمة فيروس كورونا، أنه لا توجد إرشادات دولية حول كيفية التعامل مع النفايات في ظل هذه الجائحة، ومن خلال شبكات المدن في مجموعة C40 ، قام خبراء من مدن ديربان Durban ، وبوينس آيرس Buenos Aires ، وفيلادلفيا Philadelphia ، وليما Lima ، وفانكوفر Vancouver بتطوير إرشادات خاصة بالنفايات الناجمة عن فيروس كورونا، مع تقديم المشورة بشأن كيفية إدارة النفايات المنزلية التي يحتمل أن تكون معدية، والإجراءات المتبعة لضمان سلامة العمال وقواعد جديدة لفصل النفايات، وقد أصبحت هذه المبادئ التوجيهية على الفور من أفضل الممارسات العالمية.
- رؤساء البلديات يستعدون لإعادة بناء مدنهم بشكل أفضل وبيئية خضراء
Mayors are preparing to build back better — and greener.
أشار عمدة مدينة لندن صديق خان في مقال نشره في صحيفة “إيفننج ستاندارد Evening Standard إلى أن “الطرق الأكثر هدوءاً وقلة تحليق الطائرات النفاثة جعلت البيئة أكثر متعة، وسيطالب سكان لندن بحق الأحياء التي تعمل بشكل دائم في المشي وركوب الدراجات، وتجديد الحملة المعنية بمعالجة حالة الطوارئ المناخية”. هذه الرسالة تسمع في عدة مدن حول العالم، حيث قامت مجموعة C40 لبلديات المدن مؤخرًا بتشكيل فريق عمل من رؤساء عدة بلديات حول العالم لمعالجة آثار فيروس كورونا، من أجل تحريك الانتعاش الاقتصادي المستدام والعادل بعد الأزمة وشُكّل فريق العمل المشار إليه، بقيادة عمدة مدينة ميلانو، وبعضوية رؤساء بلديات فريتاون Freetown وهونغ كونغ Hong Kong ولشبونة Lisbon وميديلين Medellín وميلانو Milan وملبورن Melbourne ومونتريال Montréal ونيو أورليانز New Orleans وروتردام Rotterdam وسياتل Seattle وسيول Seoul، وسيقوم الفريق بوضع إطار مشترك يمكن لجميع المدن الأعضاء في مجموعة C40 استخدامه لخلق “الوضع الطبيعي الجديد” لاقتصادات المدن في عصر فيروس كورونا ودعم الانتقال الضروري إلى اقتصاد أكثر استدامة وشمولاً، وأقل تلوثاً بالكربون وأكثر صحة للناس وكوكب الأرض.
المصدر: medium.com