تواجه نظم الإنتاج الغذائي والزراعي في جميع أنحاء العالم تحديات لم يسبق لها مثيل، من تزايد الطلب على الأغذية نتيجة ارتفاع عدد السكّان، وتفاقم الجوع وسوء التغذية، والآثار السلبية لتغير المناخ، والإفراط في استغلال الموارد الطبيعية، إلى فقدان التنوع البيولوجي والفاقد والمهدر من الأغذية.
ومن شأن هذه التحديات أن تقوّض قدرة العالم على تلبية احتياجاته الغذائية في الحاضر والمستقبل، ما يعني أنّ عددًا أقل من السكّان يحصل اليوم على ما يكفي من الغذاء المغذي.
ينبغي للزراعة، لكي تكون مستدامة، أن تلّبي احتياجات الأجيال حاضرًا ومستقبلًا، مع ضمان الربحية وصحة البيئة والإنصاف الاجتماعي والاقتصادي، وتسهم استدامة الأغذية والزراعة في الركائز الأربع للأمن الغذائي كافة – وهي : توافر الأغذية، والحصول عليها واستخدامها واستقراراها – وفي أبعاد الاستدامة الثلاثة : البيئية والاجتماعية والاقتصادية.
وتشجّع منظمة الأغذية والزراعة (FAO) استدامة الأغذية والزراعة لمساعدة البلدان في جميع أنحاء العالم على تحقيق هدف القضاء على الجوع والأهداف الأخرى للتنمية المستدامة، وهناك خمسة مبادئ أساسية لاستدامة الأغذية والزراعة ، كمايلي :
الأول : تحسين كفاءة استخدام الموارد عامل أساسي للزراعة المستدامة
يركز هذا المبدأ على محرّك التحول، ومن الضروري تحقيق مزيد من المكاسب على صعيد الإنتاجية في المستقبل لكفالة الإمدادات الكافية من الأغذية والمنتجات الزراعية الأخرى بموازاة الحد من اتساع الأراضي الزراعية، واحتواء تداخل النظم الإيكولوجية الطبيعية. لكن في حين كانت الكفاءة تقاس في الماضي من حيث الغلال (كلغ لكل هكتار من الإنتاج)، سيكون من الضروري الآن مراعاة أبعاد أخرى لزيادة الإنتاجية في المستقبل، وستكتسي نظم الإنتاج الذكية في استخدام المياه والطاقة أهمية متزايدة في ظلّ ازدياد الشحّ في المياه؛ وسيتعيّن على الزراعة إيجاد سبل كفيلة بخفض انبعاثات غازات الدفيئة، وستكون لهذا تأثيراته على استخدام الأسمدة والمدخلات الزراعية الأخرى.
الثاني : الاستدامة تتطلب إجراءات مباشرة للحفاظ على الموارد الطبيعية وحمايتها وتعزيزها
يعتمد إنتاج الأغذية والزراعة على الموارد الطبيعية، وبالتالي تتوقف استدامة الإنتاج على استدامة الموارد نفسها، ويمكن عمل الكثير للحد من الآثار السلبية ولتعزيز حالة الموارد الطبيعية. ففي حين أن التكثيف يؤثر تأثيراً إيجابياً على البيئة من خلال تقليص التوسع الزراعي والحد بعد ذلك من التعدي على النُظم الإيكولوجية الطبيعية، فإنه ينطوي أيضاً على آثار سلبية على البيئة، وتشمل أكثر نماذج التكثيف الزراعي انتشاراً استخداماً مكثفاً للمدخلات الزراعية، بما فيها المياه والأسمدة ومبيدات الآفات، وينطبق نفس الشيء على الإنتاج الحيواني وتربية الأحياء المائية وما يترتب على ذلك من تلوث للمياه، وتدمير لموائل المياه العذبة، وتغيير خصائص التربة، وأدى التكثيف أيضاً إلى خفض شديد في التنوع البيولوجي للمحاصيل والحيوانات، ولا تتفق تلك الاتجاهات في التكثيف الزراعي مع الزراعة المستدامة، وتشكِّل خطراً يهدِّد الإنتاج في المستقبل.
الثالث : الزراعة التي لا تحمي ولا تحسِّن سُبل المعيشة والمساواة والرفاه الاجتماعي في الريف ليست مستدام
يمكن لضمان إتاحة إمكانية وصول المنتجين إلى الموارد الإنتاجية وسيطرتهم عليها بشكل كافٍ، والتصدي للفجوة بين الجنسين، أن يسهم بدور كبير في الحد من الفقر وانعدام الأمن الغذائي في المناطق الريفية.
الزراعة هي النشاط الأكثر كثافة في العمالة من بين كل الأنشطة الاقتصادية، وتوفر الزراعة، بصورة مباشرة وغير مباشرة، مورد رزق للأسر الريفية التي يبلغ مجموع عدد أفرادها 2.5 مليار نسمة، غير أن الفقر يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالزراعة، وتمثل الزراعة أكثر أنواع الأعمال عرضة للمخاطر، ولا يمكن للزراعة أن تصبح مستدامة ما لم توفِّر ظروف العمل اللائق لمن يزاولونها في بيئة صحية ومأمونة اقتصادياً وماديا.
الرابع : تعزيز قدرة الناس والمجتمعات والنُظم الإيكولوجية على الصمود عامل أساسي في تحقيق الزراعة المستدامة
تؤثر الظواهر الجوية الشديدة وتقلبات السوق والنزاعات المدنية على الزراعة، ويمكن أيضاً للسياسات والتكنولوجيات والممارسات التي تبني قدرة المنتجين على الصمود في وجه التهديدات أن تساهم في تحقيق الاستدامة.
وكشفت عدة إشارات في الماضي القريب عن المخاطر التي يمكن أن تمثلها الصدمات بالنسبة للزراعة والحراجة ومصايد الأسماك، وتؤثر التقلبات المناخية المتزايدة، سواءً أكانت متصلة بتغيُّر المناخ أم غير متصلة به، على المزارعين وعلى إنتاجهم، ومن الناحية الأخرى، يؤثر تقلب أسعار الأغذية على المنتجين والمستهلكين الذين لا تتاح لهم بالضرورة وسائل مواجهة تلك الصدمات، وربما شجِّع ازدياد العولمة على سرعة نقلها إلى مختلف أرجاء العالم وازدياد آثارها التي لا يمكن التنبؤ بها على نُظم الإنتاج، ولذلك تغدو القدرة على الصمود محورية في التحول نحو زراعة مستدامة ويجب أن تشمل الأبعاد الطبيعية والبشرية على السواء، ولا يمكن أن يتحقق الانتقال إلى الإنتاج المستدام إلا عندما يكون هناك توازن سليم بين مبادرات القطاعين الخاص والعام فضلاً عن المساءلة والمساواة والشفافية وسيادة القانون.
الخامس : الأغذية والزراعة المستدامة تتطلب آليات حوكمة رشيدة وفعالة
ويحمل تعميم الاستدامة في نُظم الأغذية والزراعة في طياته إضافة البعد المتعلق بالمنفعة العامة إلى المشاريع الاقتصادية، وتمثل الزراعة وستظل تمثل نشاطاً اقتصادياً مدفوعاً بحاجة من يزاولونه إلى إدرار الربح وضمان معيشة لائقة من مزاولة تلك الأنشطة، ويحتاج المزارعون والصيادون والمشتغلون بالحراجة إلى حوافز سليمة تدعم تطبيق الممارسات المناسبة على الأرض، ولن يتسنى تحقيق الاستدامة إلاّ من خلال الحوكمة الفعالة والمنصفة، بما يشمل سياسة مناسبة وتمكينية وبيئات قانونية ومؤسسية تحقق التوازن السليم بين مبادرات القطاعين العام والخاص، وضمان المساءلة، والمساواة، والشفافية، وسيادة القانون.
المصدر : WWW.FAO.ORG