༺مدن إيجابية صديقة للإنسان والبيئة༻

  • — الأحد ديسمبر 18, 2022

المدن من تصميم البشر، لكنها أيضًا مثل كائنات حية، وكما أشار عالم الأنثروبولوجيا الفرنسي “كلود ليفي ستروس” : “المدن شيء يُعاش وشيء يُحلم به”. وكصنّاع لأماكن معيشة الناس، لا يمكن أن نساعد في تدهور البيئة الطبيعية، لكن كحالمين بمدن مثالية، فيمكننا البدء في رؤية أكثر وضوحًا للطابع الحقيقي للمكان الذي نسكنه، وروح هذا المكان، وسوف نصنع الأماكن التي تحتفي بالإبداع البشري وعلاقته الغنية والمنسجمة بالأرض الحية!

(مدن إيجابية Positive Cities)

إن تحديات تحويل المدن إلى الاستدامة بقدر الإمكان هائلة، لكنها أيضًا ملهِمة؛ لأن المدن يمكن أن تؤدي دورًا محوريًّا في إيجاد حلول من أجل عالم أكثر استدامة، فالمدن هي محركات للابتكار والطاقة المبتكرة، وكما تظهر شبكات من قادة المدن، فإن ادارة المدن المحلية أيضًا جهات فاعلة قوية؛ فهي تجمع نقاط قوتها، وتضع جداول الأعمال البيئية، وتمارس القيادة العالمية، ويجب أن يستجيب رؤساء البلديات ومدراء المدن والمجالس البلدية، والمستثمرون، والاقتصاديون، والمخطِّطون للحاجة المُلِحَّة إلى إعادة تصميم العناصر الأساسية للمدن سريعة النمو -من الألف إلى الياء- والكيفية التي يُعاد بها تصوُّر المشهد الحضري وتخطيط النمو لأنه ستؤثر تأثيرًا عميقًا على مستقبل الحياة على الأرض.

العديد من المدن تتخذ خطوات مهمة للحد من تلوث الهواء والمياه، إنها مدن تصبح “أقل سوءًا”. غير أن الكفاءة وحدها لا تكفي لنقلنا إلى مستقبل إيجابي. فإذا كانت المدن قادرة أيضًا على أن تكون فعالة وأكثر جدوى، فلو استطعنا على سبيل المثال تحويل النفايات إلى عناصر مفيدة، فيمكنها أن تدفعنا نحو المستقبل الذي نريده، وليس فقط الحد من الآثار غير المرغوب، أي ستصبح المدينة أكثر فائدة، وليست فقط “أقل سوءًا”.

ويمكن إيجاد رؤية واضحة لإعادة تصوُّر المدن وعلاقاتها بالمناطق الريفية المحيطة بها عن طريق استنساخ نظام تشغيل العالم الطبيعي، ففي الأساس، تعمل النظم الطبيعية بواسطة الطاقة المجانية المستمدة من الشمس، والتي تتفاعل مع الكيمياء الجيولوجية للأرض للحفاظ على النظم البيولوجية المنتجة والمتجددة، ويمكن للنظم البشرية التي تعمل بموجب القوانين نفسها، بما فيها المدن، أن تقترب من فاعلية النظم الحيوية.

ويمكن تكثيف القوانين في صورة ثلاثة مبادئ رئيسية، هي المعادلة بين النفايات والغذاء، وتعظيم استخدام الموارد الشمسية، والاحتفاء بالتنوع في النظم البيئية:

أولاً : المعادلة بين النفايات والغذاء

في الطبيعة لا وجود للنفايات، فكل كائن يُسهِم في صحة النظام ككل. إذ تقع أزهار شجرة الفاكهة على الأرض وتتحلل لتصبح طعامًا لكائنات أخرى. وتتغذى البكتيريا والفطريات على النفايات العضوية لكلٍّ من الأشجار والحيوانات التي تتناول فاكهة الأشجار، وتخلِّف العناصر الغذائية في التربة لتستفيد منها الأشجار في النمو. وبهذا تصبح نفايات كائن حي غذاءً لآخر. وتتدفق المغذيات بشكل دائم في دورات متجددة من النشوء والتحلُّل ثم النشأة من جديد. إن النفايات تُعادِل الغذاء.

صُممت مدننا الحالية للتدفُّق الخطي. تدخل المواد الغذائية الحيوية (مثل الغذاء والخشب) والمواد الغذائية التقنية (مثل المعادن والبلاستيك) عند أحد طرفين، ويجري استخدامها، ثم التخلُّص منها. وبعد غربلة النفايات للحصول على المواد القيِّمة القابلة لإعادة التدوير، مثل المعادن والورق وبعض اللدائن، تتدفق البقية من الطرف الآخر، وتتجه إلى مدافن القمامة أو المحارق. هذه العملية هي عملية “أخذ، وتصنيع، ونفاية”. ولكن كما عملنا على إعادة تصميم بعض المنتجات الاستهلاكية ليجري تفكيكها، وإعادة تدويرها أو إعادة استخدامها، يمكننا تصميم المدن بطريقة مماثلة، وبأسلوب دائري: أخذ، تصنيع، استعادة، إعادة تصنيع، تجديد.

في المدينة الإيجابية، تصبح النفايات موارد، وتأمَّل مياه الصرف الصحي، في مدينة خطية In a linear city ، تقوم محطات معالجة مياه الصرف الصحي بمعالجة مخلفات الأغذية والنفايات البشرية -متضمنةً المعادن القيِّمة التي تحتويها، مثل الفوسفات- وإطلاق النفايات السائلة في الأنهار كملوِّثات، ويقوم المزارعون بشراء المزيد من الفوسفات لصنع أسمدة جديدة لزراعة المزيد من الغذاء في التربة التي فقدت تلك المعادن، لكن في المدينة الدائرية، فتصبح محطات معالجة مياه الصرف الصحي بمنزلة مصانع للأسمدة، ويعود الكربون والفوسفات والنيتروجين الناتج عن المنشأة إلى التربة بدلًا من إلقائه في أقرب نهر، وتنقِّب المدن عن الفوسفات في مياه الصرف الصحي وتحوِّله إلى أسمدة للمتنزهات والحدائق النباتية على أسطح البنايات والمزارع والغابات المحيطة بالمدينة، وتلغي هذه العملية الحاجة إلى شراء المزيد من الفوسفات من مصادر بعيدة، كما أنها تتجنب أيضًا انبعاثات الطاقة والكربون التي تنتج عن التعدين والنقل. وهناك شركات رائدة في جمع ستروفايت الفوسفات المعدني للمخصِّبات من حمأة مياه الصرف الصحي.

ويمتدُّ التخلُّص من مفهوم النفايات ليشمل جميع النظم، لذا فإن المدن الإيجابية تقوم بتصميم المواد الواردة من أجل “الاستخدام التالي next use” بدلًا من “نهاية العمر End of life”. على سبيل المثال، تتيح تقنيات حديثة إمكانية معالجة لوحات الدوائر الإلكترونية للهواتف الخلوية بطريقة مربحة في منشأة نظيفة؛ إذ يجري استرداد جميع المعادن النادرة والثمينة لإعادة استخدامها في منتجات إلكترونية جديدة.

ثانياً : تعظيم استخدام الموارد الشميسة

المبدأ الرئيسي الثاني للطبيعة، والذي يمكننا تسميته بالمدن الإيجابية، هو أن كل شيء يستمد طاقته من الشمس، وأحيانًا -كما هي الحال في مدينة ريكيافيك عاصمة آيسلندا- من الطاقة الحرارية الأرضية، وتقوم الأشجار والنباتات بتصنيع الغذاء من أشعة الشمس، وهو نظام أنيق وفعال يستخدم المصدر الدائم الوحيد للطاقة على الأرض، ويمكن للبنايات الاستفادة من الشمس بتحويل ضوء الشمس مباشرة إلى طاقة، عن طريق الجمع السلبي للإشعاع الشمسي من أجل الحرارة والإضاءة الطبيعية، كما يمكن أيضًا الاستفادة من الرياح -وهي تدفقات حرارية تمدها أشعة الشمس بالطاقة. ويمكن للطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الحرارية الأرضية معًا أن تولِّد ما يكفي من الطاقة بتكلفة اقتصادية لتلبية احتياجات مدن ومناطق كاملة، بل وحتى دول. وتحرز مدن مثل سان فرانسيسكو بالفعل تقدمًا كبيرًا نحو الاعتماد على الطاقة المتجددة بنسبة 100% في غضون الخمس عشرة سنة المقبلة.

ثالثاً : التنوع في جميع النظم البيئية الصحية

التنوع موجود في جميع النظم البيئية الصحية، فلكل كائن حي استجابة فريدة لمحيطه، تعمل بتناغم مع الكائنات الحية الأخرى للحفاظ على النظام. كل كائن حي يناسب مكانه، وفي كل نظام، يزدهر الأكثر مناسبة وملاءمة.

مصممو المناطق الحضرية يهتمون بعناية بالبيئة المحلية ويهدفون لإيجاد ما يناسبها، لذا يعملون على تقييم الجيولوجيا، والهيدرولوجيا، والغطاء النباتي والمناخ، ويجمعون التاريخ الطبيعي والثقافي جنبًا إلى جنب، وعن طريق الجمع بين هذه القرائن، يكتشف المصممون الأنماط المناسبة لتطوير البيئة الطبيعية، ومن خلال ذلك، يخلقون إمكانيات للنمو الإيجابي الداعم للحياة.

في نهاية المطاف، نريد مدينة مصممة بشكل يسمح للناس بالعيش والعمل في نفس الحي، فإذا ما تمكن السكان من تفكيك الهواتف الخلوية في مصنع نظيف يتناسب مع النظام البيئي للمدينة، فلا حاجة إلى نقل المصنع إلى مناطق صناعية خاصة سيئة السلوك في ضواحي المدينة، فالمدينة الإيجابية تلغي الحاجة إلى تقسيم المناطق بدافع القلق بشأن الأنشطة غير الآمنة أو غير الصحية، ويمكن أن تكون المصانع في وسط الأحياء السكنية النظيفة، لتوفر فرص عمل لأناس يعيشون على بُعد مسافة يمكن اجتيازها سيرًا على الأقدام أو بالدراجة الهوائية، وتلك الفرصة بدورها تقلل إلى حد كبير من الحاجة إلى السفر أو التنقل، الذي يمثل هدرًا كبيرًا للموارد وللوقت، وإذا ما زُرِعَ طعام صحي طازج على أسطح المنازل في جميع أنحاء المدينة، فلن تصبح النفايات العضوية المحلية مصدرًا لنظم زراعة الأغذية فقط، وإنما ستوفر لمَن يعملون في المزارع مكانًا للعيش على أسطح منازلهم.

وتخيَّل كل ما نفعله كبادرة تدعم الحياة، وتلهم البهجة، وتبحث عن الانسجام مع الطبيعة، فالمباني تعمل كالأشجار، بحجز الكربون، وإنتاج الأكسجين، وتقطير المياه، وتوفير المسكن لآلاف من الأنواع، وتحول الموارد الشمسية لتكفي احتياجاتك من الطاقة الحرارية والكهربائية وتبيع فائض الطاقة للجيران، وأما المباني في مواقع الأراضي الرطبة والحدائق النباتية فسوف تستعيد المغذيات من مياه الصرف الصحي، وتنظف ما تبقى منها في المطابخ والحمامات، وسيكون الهواء النقي والنباتات المزهرة وضوء النهار في كل مكان، وستعمل المباني والمجتمعات المحلية كنظم داعمة للحياة.

ومع تصوُّر هذه الرؤية، يمكننا أن نتخيل المواد الغذائية وقد أُنتجَت في المناطق الريفية المحيطة بالمدينة، باستخدام أدوات وتقنيات مصنوعة في المدينة. وتعيد المدينة النفايات كمواد خام تجدد النظام، ليعود المعنى الحقيقي لكلمة موارد. يتحرك كل شيء في دورات متجددة، من مدينة إلى ريف، ومن ريف إلى مدينة، في شبكات طبيعية وثقافية تنشر التغذية الحيوية والتقنية، أجهزة وبرمجيات القرن الحادي والعشرين. تسمح عملية التمثيل الغذائي والمدينة الإيجابية للمستوطنات البشرية والعالم الطبيعي بالازدهار معًا. وإذا أردنا أن نجعل مدننا مستدامة بحق ومفيدة للجميع، فعلينا أن نأخذ ذلك كحقيقة حرفية استراتيجية توجِّه جميع تصميماتنا.

ربما هذه مبادئ لمستقبل طوباوي؛ لكن هل يمكن للمدن الحالية أن تضعها موضع التنفيذ اليوم؟

الإجابة ، نعم، وهناك بعض المنشآت الصناعية الحديثة عرفت كيف تفعل ذلك، وإليكم بعض الأمثلة كما يلي :

نموذج للاستدامة الصناعية

أدى تجديد وتوسعة مركز فورد روج Ford Rouge Center في ديربورن بولاية ميشيجن إلى تحويل المجمع الضخم والتاريخي لصناعة السيارات والشاحنات إلى نموذج للاستدامة الصناعية. شملت الخطة الرئيسية سقفًا أخضر بمساحة 10 أفدنة، وهو قلب نظام مكون من حدائق الأراضي الرطبة wetland gardens وأرضيات مسامية وأسوار من الشجيرات البرية والأشجار وسطوح حيوية من عناصر طبيعية لإزالة الطمي والتلوث من المياه، لقد حول المشروع موقعًا صناعيًّا عمره 100 عام إلى نظام بيئي مزدهر، يلتقط المياه ويطهرها لتتدفق منه ببطء إلى نهر روج المجاور بطرق تدعم صحة تجمعات المياه، لقد عادت طيور الزقزاق الصَّيَّاح المحلية إلى أعشاشها بعد أسبوع من انتهاء أعمال البناء.

قاعدة الاستدامة Sustainability Base

هناك نموذج آخر هو “قاعدة الاستدامة”[2]، في مركز وكالة ناسا الجديد للعلوم والحوسبة – مركز أبحاث أميس في موفيت فيلد بكاليفورنيا، وهي منشأة لديها القدرة على توفير جميع احتياجاتها من التدفئة والتبريد والطاقة -بل تحقق فائضًا من الطاقة أيضًا- من مصادر الطاقة الشمسية والطاقة الحرارية الأرضية وخلايا الوقود ذات التحكم المتقدم في إدارة الطاقة، ويجري التعامل مع مياه الصرف الصحي ومعالجتها في الموقع.

منتزه مستدام

كما يُعَدُّ مشروع تطوير منتزه ” 20|20 Park [3]” في هوفدورب بهولندا، نموذجًا آخر، والمشروع عبارة عن مجموعة متنوعة من المباني والمساحات المفتوحة التي شارفت على الانتهاء على مساحة 28 فدانًا، يمكن للناس الوصول إلى المنتزه بسهولة عن طريق الجو والقطار والحافلات والدراجات، وتوفر المناطق الخضراء والساحات العامة والحدائق العامة وممرات القنوات بالحديقة اتصالًا بالمجتمع الأكبر، وحسن حجم كل مبنى وهيكله واتجاهه بهدف التقاط طاقة الشمس وضوئها، وتتكامل في البنايات عبر المنتزه نظم الطاقة والمياه وإدارة النفايات، وتعمل وكأنها كائن حي مستقل بذاته.

فهل يمكننا توسيع نطاق تلك النجاحات لتشمل مدنًا بأكملها؟

تجربة مدينة كورتينا في البرازيل

إن الإلهام يأتي من بعض الأماكن المثيرة للاهتمام، وأحد هذه الأماكن مدينة كوريتيبا Curitiba في البرازيل، فقد بدأت في التحوُّل في سبعينيات القرن العشرين، تحت إشراف المعماري والمخطط الحضري جايمي ليرنر Jaime Lerner ، الذي كان عمدة للمدينة (أمين/رئيس البلدية) ثلاث مرات بين عقدي السبعينيات والتسعينيات، وخلال فترة ولايته الأولى، أدرك ليرنر أن البلدة الفقيرة المكتظة بالسكان تحتاج إلى وسائل أفضل للنقل العام، وبسبب التكلفة الكبيرة لإنشاء مترو أنفاق أو نظام للسكك الحديدية، طلب ليرنر من شركة فولفو السويدية تصنيع 270 حافلة مترابطة، يتم تصنيعها داخل المدينة من أجل توفير فرص عمل للسكان، استأجرت المدينة بعض السكان المحليين لبناء مستودعات فوق الأرض ومحطات انتظار لمن يريد الانتقال إلى أي مكان مقابل أجرة ثابتة، وبدلًا من دفع الركاب أجرة انتقالهم بعد استقلالهم للحافلة، وهي عملية بطيئة، أتاح ليرنر نظام الدفع المسبق فور الدخول إلى محطة الانتظار والركوب، مما قلل من وقت تحميل الركاب ورفع من كفاءة النظام، وكنتيجة للنمو السريع في كوريتيبا، تراكمت القمامة في الأزقة الضيقة، التي يصعب وصول شاحنات جمع القمامة إليها، فأطلق ليرنر برنامجًا لتعليم الأطفال كيفية فصل القمامة، وأرسلهم إلى منازلهم لتعليم ذلك لعائلاتهم. وفي مقابل فرز القمامة، حصل المواطنون على تذاكر مجانية لركوب الحافلات وطعام طازج، وبذلك أصبح الجميع فجأةً يستخدمون وسائل النقل الجماعي، واليوم، يستخدم 85% من سكان كوريتيبا الحافلات العامة، ويعمل 90% منهم في إعادة تدوير القمامة، تقوم كوريتيبا بإعادة تدوير 70% من نفاياتها، وهو من أعلى المعدلات في العالم.

واستمر هذا التفكير الابتكاري، وبدلًا من بناء مكتبة مركزية كبيرة في وسط المدينة، أنشأت المدينة شبكة من 50 مكتبة صغيرة، أُطلقَ عليها اسم “منارات المعرفة Lighthouses of Knowledge “، في جميع أنحاء أحياء المدينة، حتى يصبح كل طفل على مقربة من مكتبة، وبطبيعة الحال، شيد البناة المحليون المباني الملونة الزاهية، وتعاونت المكتبات مع المدارس البلدية وقدمت الآلاف من الكتب وخدمات الدخول إلى الإنترنت مجانًا للمواطنين، من عمر الثالثة إلى الثمانين، وهذه الخطوات وغيرها حولت المدينة إلى نموذج للعمل والحياة.

الآن تخيل لو كان لدى مانهاتن نفسه الرؤية، مع الأغذية المحلية التي تنمو على أسطح مئات المدارس والمستشفيات، والتي توفر الغذاء وكذلك الوظائف المحلية، ويمكن للأطفال فرز القمامة، وفصل البلاستيك بمفرده، وتقديمه لمراكز إعادة التدوير بدلًا من انتهاء المطاف به إلى المحيط، ومن ثم الحصول على ألعاب ترفيهية نظير ذلك، ومن شأن المصانع النظيفة أن تعيد صياغة اللدائن إلى مونومرات monomers يمكن استخدامها مرة أخرى، وكل شيء يحصل على طاقته من الشمس، والمواد تتدفق في دورات مستمرة من التغذية الحيوية والتقنية!.

ما نسعى إليه، من أجل الناس جميعًا، هو ما أطلق عليه “حياة جيدة Good life”، حياة آمنة وكريمة ومبدعة، والمدن الإيجابية هي الأماكن التي يمكن أن تحقق ذلك، فإذا ما صُمِّمَت وشُغِّلَت على هذا المبدأ، كل شيء سيتحسن. علينا أن نُصِرَّ على حقوق البشر والطبيعة في التعايش المشترك، لكي نجمع المدينة والريف المحيط بها معًا.

وفي الختام.. المدن من تصميم البشر، لكنها أيضًا مثل كائنات حية، وكما أشار عالم الأنثروبولوجيا الفرنسي “كلود ليفي ستروس” “المدن شيء يُعاش وشيء يُحلم به”. وكصنّاع لأماكن معيشة الناس، لا يمكن أن نساعد في تدهور البيئة الطبيعية، لكن كحالمين بمدن مثالية، فيمكننا أن نبدأ في رؤية أكثر وضوحًا للطابع الحقيقي للمكان الذي نسكنه، وروح هذا المكان، وبينما نحن نشكل طبيعة مدننا، علينا أن نستحضر أثر الإنسان على التشوه الجيولوجي للأرض، وسوف نصنع الأماكن التي تحتفي بالإبداع البشري وعلاقته الغنية والمنسجمة بالأرض الحية، بذلك نصوغ جغرافيا جديدة للأمل.

_________________________________________________________________

[1] “ويليام ماكدونو William McDonough” مهندس معماري رائد في التصميم من أجل التنمية المستدامة.

[2] http://www.mcdonoughpartners.com/projects/nasa-sustainability-base/

[3]  http://www.mcdonoughpartners.com/projects/park-2020-master-plan/