«التفكير المنظومي وحل المشكلات»

  • — الأحد يناير 19, 2014

إن طبيعة التفكير المنظومي (بالإنجليزية: System Thinking) تجعل منه أسلوباً فعالاً للغاية في معالجة أصعب المشكلات وأكثرها تعقيداً؛ كالمواضيع التي تعتمد بقدر كبير على أفعال الآخرين أو الماضي، وكذلك المشكلات التي تنبع من التعرض والتنسيق غير الفعال بين الأطراف المشاركة في قضايا ومهام وموضوع واحد.

وإليكم لمحة عن التفكير المنظومي

تأسس هذا العلم على يد البروفيسور “جاي فوريستر” حيث أدرك الحاجة إلى طريقة أفضل لاختبار الأفكار الجديدة في النظم الاجتماعية، بنفس الطريقة المتبعة في اختبار الأفكار في مجال الهندسة.

التفكير المنظومي له أصوله في مجال النظم الديناميكية، ويساعد على تكوين الفهم الخاص للنظم الاجتماعية الظاهرة، والعمل على تحسينها بنفس الأساليب المتبعة في المبادئ الهندسية لتوضيح الأفكار وتحسين وتعزيز مستوى الفهم.

ومنهج التفكير المنظومي يختلف عن الأساليب التقليدية للتحليل؛ الذي يركز على فصل الأجزاء الفردية للمادة التي تخضع للدراسة، وكلمة “تحليل”  تأتي في واقع الأمر من المعنى الأساسي وهو “الدخول في المكونات”. بينما التفكير المنظومي نقيض ذلك؛ فهو يركز على كيفية تفاعل الشيء موضوع الدراسة مع المكونات الأخرى للنظام – مجموعة من العناصر تتفاعل فيما بينها لإنتاج سلوك معين- والتي هي جزء منه؛ مما يعني أن التفكير المنظومي يعمل من خلال توسيع الفكرة بدلاً من استبعاد الأجزاء الصغيرة من النظام الذي يراد دراسته، بحيث تأخذ في الحسبان أعداد كبيرة من التفاعلات كموضوع خاضع للدراسة.

يؤدي -في بعض الأحيان- هذا الأمر إلى نتائج مختلفة وملفته للنظر عكس أساليب التحليل التقليدية، وخاصة عندما يكون الشيء الذي يخضع للدراسة معقد أو لديه قدر كبير من الملاحظات من مصادر أخرى، سواء داخلية كانت أو خارجية، وفيما يلي أمثلة لكفاءة التفكير المنظومي الملحوظة :

  • مشكلات تتعلق بالأطراف الفاعلة؛ أنظر الى “الصورة” الكبيرة، وليس فقط أدوار الأطراف فيها.
  • مشكلات متكررة أو التي ازدادت سوءاً بفعل المحاولات السابقة لحلها.
  • مشكلات يؤثر (أو قد أثر) السعي لمعالجتها على البيئة المحيطة، سواء كانت البيئة الطبيعية أو البيئة المنافسة.
  • مشكلات لا تكون حلولها ظاهرة.

أمثلة توضيحية لاستخدام التفكير المنظومي

رش المحاصيل الزراعية بالمبيدات الحشرية

الخطوات التي يتم اتخاذها للحد من الأضرار التي يتعرض لها محصول ما بسبب الحشرات، تتمثل بردة الفعل البيئية وهي رش المبيدات الحشرية، فلو تجاهلنا الفاعلية المحدودة لبعض المبيدات الحشرية، والتلوث الذي يمكن أن تسببه للمياه والتربة، فنتخيل أن لدينا مبيد حشري ذو فعالية عالية يقضي على جميع الحشرات، وليست له أي آثار جانبية سلبية على الهواء أو الماء أو التربة، فسيكون المتوقع أن استخدام هذا المبيد سيجعل المحاصيل بحال أفضل؟

لو قمنا بتمثيل أسلوب التفكير الذي يتبعه مستخدمو المبيدات فسيكون الأمر كما يلي:

استخدام المبيدات الحشرية

صفر

الحشرات التي تفسد المحصول

———————————->

فلو نظرنا إلى الشكل أعلاه: نجد أن السهم يشير إلى اتجاه العلاقة السببية- أي أن التغيير في كمية المبيدات المستخدمة يسبب تغير في أعداد الحشرات التي تفسد المحاصيل.

وبناء على طريقة التفكير هذه، فكلما زاد استخدام المبيدات الحشرية، كلما أدى ذلك إلى تناقص أكثر في أعداد الحشرات التي تفسد المحاصيل، وبالتالي تقل الأضرار التي تتعرض لها المحاصيل. وهذه التجربة توحي لنا بأن القضاء على الحشرات التي تفسد المحاصيل سيحل المشكلة؛ غير أن الأمر في الواقع ليس كذلك.

فمشكلة فساد المحاصيل بسبب الحشرات عادة ما يطرأ عليها بعض التحسن – على المدى القصير. ولسوء الحظ، فأن الفكرة التي يعبر عنها الشكل أعلاه تمثل جزءاً واحداً فقط من الصورة الكلية. وما يحدث عادة هو تفاقم المشكلة في السنوات التالية لتصبح أسوأ مما كانت عليه وتزداد تعقيداً عام بعد آخر، والمبيدات التي بدت وكأنها تتميز بفعالية اصبحت منعدمة الفعالية. ذلك أن الحشرة التي كانت تأكل المحاصيل كانت تتحكم في أعداد الحشرات الأخرى، أما من خلال افتراسها أو منافستها. وعندما تقوم المبيدات بقتل الحشرة التي كانت تأكل المحاصيل، فأن هذه المعالجة تؤدي إلى إنهاء الدور الذي كانت تمارسه الحشرة بالحد من أعداد الحشرات الأخرى. وبالتالي تزداد بكميات كبيرة وتلحق أضراراً بالمحاصيل أكثر من الضرر الذي كانت تلحقه بها الحشرات التي كانت تقتلها المبيدات الحشرية.

وبعبارة أخرى، فإن الخطوة التي كانت تهدف لحل المشكلة، أدت إلى تفاقمها أكثر من ذي قبل، ذلك لكون الطريقة التي يتغير بها النظام  بفعل الآثار الجانبية غير المقصودة يؤدي إلى تفاقم المشكلة؛ وتشير بعض الدراسات إلى أن البدء بأكثر من (25) حشرة لها قدرة على إلحاق الضرر بالمحاصيل في كل عام تصبح مشكلة بسبب الدورة المينة، من خلال الشكل الهندسي، الذي يمثل طريقة حدوث هذا الأمر على كما في الشكل أدناه:

S&O

يوضح الشكل السابق كيفية العلاقة بين متغيرين اثنين : فالرمز “S” يعني أن التغيير في المتغيرين يسير في نفس الاتجاه- أي أنه إذا اتجه أحدهما إلى أعلى فالآخر أيضاً يتجه إلى أعلى، بينما الرمز “O” يشير إلى ان التغيير في المتغيرين يسير في اتجاهين متعاكسين- أي أنه إذا اتجه أحدهما إلى أعلى فالآخر يتجه إلى أسفل أو العكس

وبناء على هذا الفهم، فكلما زاد استخدام المبيدات الحشرية، كلما قلل ذلك من أعداد الحشرة A (الحشرة الأصلية) التي ستأكل المحصول، وهذا سيؤدي إلى تناقص سريع في أعداد الحشرات التي تأكل المحصول (لاحظ أن هذا هو الأثر الذي يريده مستخدمو المبيدات الحشرية). ولكن هذا العدد القليل من الحشرة A سيؤدي في النهاية إلى عدد كبير من الحشرة B (علامة التجزئة على السهم تشير إلى التأخير) لأن الحشرة A لم تعد تتحكم في أعداد الحشرة B بنفس المدى، وهو ما سيؤدي إلى تزايد أعداد الحشرة B بكميات هائلة، وهذه الأعداد الكبيرة من الحشرة B ستفسد المحاصيل، وهو عكس ما كان مقصوداً، وهكذا فبرغم أن الآثار قصيرة المدى للمبيدات الحشرية هي نفس الأثار التي كان يراد تحقيقها، إلا أن الآثار بعيدة المدى كانت مختلفة كلياً.

وانطلاقا من هذا التفكير المنظومي، طورت خطوات أخرى لها نتائج أفضل على المدى الطويل، مثل “نظام الإدارة المتكاملة لمكافحة الآفات الزراعية”؛ وهو نظام يتضمن التحكم في الحشرة التي تأكل المحصول من خلال إدخال المزيد من الحشرات التي تقتات عليها في المنطقة، وهذه الأساليب أثبتت جدواها وفاعليتها من خلال بعض الدراسات التي أجرتها جهات أكاديمية كـ MIT ، والأكاديمية الوطنية للعلوم، وغيرها، إضافة الى خلوها من مخاطر تلويث المياه والتربة.

– مثال آخر يتعلق بعلاقات المستفيدين

إحدى الجهات التي كانت تفتقد الى التنظيم في عملها، حيث بدى الأمر وكأنها تقوم بإجراءات سليمه من خلال عملها في حل مشكلة تتعلق بعلاقات المستفيدين، لقد بدى من أول وهلة نجاح تلك الإجراءات في حل المشكلة من خلال فريق من الموظفين المؤهلين الذين استخدموا طرق سبق ان ثبت نجاحها أكثر من مرة، بل أنهم نجحوا في حث بعض المستفيدين للمشاركة بإبداء الراي حول المقترحات المساعدة على تدارك الخلل. غير أنهم لم يوفقوا في رؤية الصورة الكبرى والشاملة التي أظهرت أن وسائل الحل التي استخدموها في الماضي أسهمت في تفاقم المشكلة الحالية.

وباستخدام التفكير المنظومي خلق الفهم الضروري واللازم للكيفية التي تفاقمت بها المشكلة، والخطوات التي يمكن القيام بها لحل هذه المشكلة للحصول على نتائج أفضل على المدى البعيد، ووضع استراتيجية للمعالجة وجدت إجماعاً من قبل أعضاء الفريق وأيضاً من المستفيدين/المتعاملين. فمن خلال النظر إلى الصورة الكاملة وعناصرها الكلية، تمكن الفريق من التفكير في حلول جديدة لم تخطر لهم رغم الجهود الجيدة التي بذلوها سابقا.

الخلاصة ..

إن للتفكير المنظومي القدرة على إيجاد رؤى وأفكار لحل المشكلات، وأفضل طريقة للتعامل مع مشكلاتنا الأكثر تعقيداً، إذا ما طبق بشكل جيد، فأغلب المشكلات التي تواجهنا اليوم هي مشكلات مركبة ومعقدة، وتتعلق في العادة بعدة أطراف فاعلة، ونتاج لأعمال ومحاولات سابقة ولاحقة من بعض هذه الأطراف التي قد تكون واجهة صعوبة بالغه في التعامل مع هذا النوع من المشكلات، كنتيجة لضعف التحليل التقليدي الى درجة مثبطة للتعاطي معها بطريقة فعالة.

التفكير المنظومي يساعد المنظمات والأفراد على التعامل بفعالية مع المشكلات المعقدة في الحالات الصعبة التي تتسم بكثرة التفاعلات وغياب الحلول الناجعة؛ فيرتفع مستوى التفكير إلى المستوى الشامل الذي توضع فيه النتائج التي نريد تحقيقها على المدى البعيد بنجاح.

1

  1. يقول ghadah:

    شكرا جدا مفيد ..هل يوجد امثله اخري غير الحشرات؟

Comments are closed.