أصاب بلدة الحريق -جنوب مدينة الرياض- جفاف، فيبست الزروع وجفت الضروع وتشققت الأرض وأمحلت ويبس النخيل، فأقاموا صلاة الاستسقاء، ولم يكن الشاعر محسن بن عثمان الهزاني معهم، وظل المطر محبوساً فتحير الناس ولم يعرفوا ما يصنعون أمام هذه المصيبة التي حلت بقريتهم وهي تشكو ألم الجفاف حتى ظهر الشحوب على وجوه الناس.
فقام محسن الهزاني من شعراء الحريق -توفي عام 1245هجرية-، بنظم هذه القصيدة العجيبة وجمع الأطفال الصغار والشيوخ الكبار وعزم أن يتضرع لله -سبحانه وتعالى- لعل الله يغيثهم، وذهب بهم إلى الصحراء (البادية) فصلى وقال لمن معه أنا سأدعو وأنتم أمنوا، ثم ابتهل بهذه القصيدة العجيبة الجميلة، فأسقى الله البلدة وهطل المطر بغزارة وهدر السيل وأعشبت الأرض بعد سنوات الجفاف وفرح الناس برزق الله، كما وصف، ويقال أن محسن الهزاني ترك الغزل ولزم التقوى بعد هذه القصة.
إنها البصائر النيرة والعقول المتدبرة والقلوب الصادقة مع الله سبحانه!
والقصيدة التي تعد من أجمل ما كتب الشعراء في الاستغاثة والابتهال إلى الله، وفيها من الوصف العجيب للسحاب والسيل والمطر، نموذج لفخامة اللغة العربية ووزن المقامات وعظمة المعاني ودقة الربط وسلس النطق لا تقف أمامها لغة أخرى.
تقول أبيات القصيدة:
دع لذيذ الكرى وانتبه ثم صل
واستقم بالدجى وابتهل ثم قل:
يا مجيب الدعاء يا عظيم الجلال
يا لطيف بنا دائم لم يزل
واحد ماجد قابض باسط
حاكم عدل كل ما شاء فعل
ظاهر باطن خافض رافع
سامع عالم ما بحكمه ميل
أول آخر ليس له منتهى
جل ما له شريك ولا له مثل
بعد لطفك بنا ربنا افعل بنا
كل ما انت له يا الهي أهل
يا مجيب الدعاء يا متم الرجاء
اسألك بالذي بالإله نزل
به المصطفى مع شديد القوى
واسألك بالذي دك صلب الجبل
الغنى والرضا والهدى والتقى
والعفو والعفو ثم حسن العمل
وأسألك غادياً مادياً كلما
لج فيها الرعد حل فينا الوجل
وادق صادق غادق ضاحك
باكيا كلما هل مزنه هطل
المحث المرث المحن المرن
حامياً سامياً آنياً متصل
واسألك بعد ذا عارضاً سائحاً
كن دقاق مثنى سحابه طبل
داير حاير عارض رايحاً
كل من شاف برقه تخاطف جعل
من سحاب صدوق جفول عريض
مريض وني عجل
كم مزنه إلى ما ارتدم وارتكم
في مثان السداء دامرات الحلل
ناشياً غاشياً سداه فوق السهل
كن مقدم سحابة يجرجر عجل
مدهش مرهش مرعش منعش
لمع برق كما سيوف هند تسل
كن نثر الطها يوم هب الهوى
في فرق يم جفل وارتهش واجتول
كل ما أخطفق وأصطفق وأندفق
واستهل وانتهل انهمل كالهلل
أدهمٍ مظلمٍ موجف مركم
جورسيله يعم الوعر والسهل
يه يحيط الحصى بالوطا من علا
منجي بالرفاء والغثا بالشلل
حينما ارتوى واستوى واقتوى
واستقل وانتقل اضمحل المحل
بعد ذا آخر ماض جورماه
ثم يشيل الشجر في مسيل الفحل
كلما ازدجر واندجر وانفجر
ماه حط الحجر في جروف الجبل
والفياض اخصبت والرياض اعشبت
والرطايا ارجعت والمقل اسفهل
والحزوم اربعت والجوازي سعت
والطيور اسجعت فوق زهر النفل
كن وصف اختلاف الزهر في الرياض
بالتلاون فروش الزوالي تفل
بعد ذا علها مرهش قالطن
في بقايا أربع من سماك العزل
بعد هذا يعله زلال بدلال
قدر شهر سقا راسيات النخل
راسيات المثاني طوال الخطور
مستطيل المقادم جريد مظل
حيث هن الذخاير الا ما بقى
بالدهر ما يدير الهدير الجمل
تغتني به رجال بوادي الحريق
هم قروم كرام الحاجا المحل
هم جزال العطايا غزار الجفان
هم باب بضيف بليل هشل
يا مجيب الدعاء يا متم الرجاء
استجب دعوتي اني مبتهل
امسح سيئتي واعف عن زلتي
انني يا إلهي محل الزلل
الذي مدفيك الاهي فلا
خاب من مدفيك يا الهي أمل
أهدني يا الاهي فانني اقول
دع لذيذ الكرى وانتبه ثم صل
ثم ختم الصلاة على المصطفى
عد ما انحن سحاب صدوق وهل.
(مقطع 👇 انشادي للقصيدة ).