تخلق الشللية في مجتمعات الأعمال بيئة طاردة وقاتلة للكفاءات الإدارية المتميزة والخبرات، والوظائف.
عندما يتولى مسئول (ما) رئاسة مؤسسة (ما)، فإنك تلاحظ أنه بمجرد أن يضع قدمه داخل المؤسسة يبدأ في تسخير جزء كبير من وقته للبحث عن الأصحاب المقربين له، وإن لم يبحث فهناك “متطوعين” للقيام بهذا الدور، وما تعانيه اليوم بعض المؤسسات من مشكلات إدارية في بعض مجتمعات الأعمال ناتج عن “الشللية في بيئة العمل.
هذا الخلل الإداري يؤدى إلى دخول المجاملات والمحسوبيات إلى ميدان العمل على حساب الكفاءة والخبرات؛ فالشلة في العمل -غالباً- لن تسمح لمن هم خارجها بالدخول أو الاقتراب من حرمها، وقد تعلن الحرب على أصحاب الفكر والرؤية المخالفة والناقدة والمبدعين من خارجها ، ويجعلون سياجاً لمنع الوصول إلى صاحب القرار ما قد يكون تهديدا لمصالحهم، وقد ينسبون بعض الرؤى التي تناسبهم لأنفسهم اذا أحسوا أن لها قبول عن المسؤول؛ وتموت بذلك الكفاءة الإدارية، ويفشل المسؤول في تحقيق الأهداف التي اختير لتحقيقها!؟
إن الأشخاص أصحاب الأفكار السليمة البناءة يفرون من البيئة المنفرة والطاردة إلى البيئة الجاذبة، فبيئة العمل تؤثر تأثيرا مباشرا في الوحدات الاقتصادية، فالبيئة الطاردة في العمل تجعل الموظف لا يفكر في العمل والإنتاج والإبداع بقدر ما يفكر في الهروب وتغيير الوظيفة، بمحاولته التخلص مما يتعرض له من مؤامرات ودسائس، فهذه البيئة لها تأثيرها السلبي على إنتاجية المنشأة وهروب الكفاءات منها.
إن وجود الشللية في المؤسسات والشركات تؤثر بشكل مباشر تأثيرا كبيرا في غياب تغليب المصلحة العامة، وذلك نتيجة توجيه كافة المخصصات لشلة معينة، حيث لا يتم تطبيق النظم واللوائح على هذه الشلة أو تلك المجموعة، فترقياتهم مضمونة، وأخطاؤهم مغفورة ومقبولة فلا يحاسبون عليها، فأخلاقهم الغرور وأعمالهم مهما كانت صغيرة تعد إنجازات تستوجب المكافأة والشكر والتقدير والعرفان!!!
تعد الشللية في العمل نظاما غير رسمي، يضر بالمصلحة العامة، ويضرب بسياسة الشركات ومصلحتها عرض الحائط، ولا يهم أفراد الشلة سوى تحقيق أهدافهم وتعميق غير عابئين بما ينتجه نظامهم غير الرسمي من تغييب لآراء مخالفيهم فتختفي بذلك معايير الكفاءة والإنتاجية.
ولا يجب أن نعمم أن كل الشللية ضارة ففي بعض الأحيان تكون داعمة ومقوية لبنيان وهيكل الشركة بما لدى أفرادها من أفكار متنوعة وبناءة تدعم العملية الإنتاجية.
إلا أنه في أغلب الأحيان، يؤدى وجود مثل هذه التجمعات (الشللية) إلى خطر كبير وخلل في العمل والعلاقات والترابطات داخل الوحدات الاقتصادية والعمالية، خاصة إذا استطاعت مثل هذه المجموعات الوصول إلى مصدر صياغة واتخاذ القرارات في المنشأة.
إن بيئة عمل كهذه لن تكون بيئة مشجعة على الإبداع، والانتماء، والمشاركة فقد يتحول المخلص إلى منسحب، والمبدع إلى محبط، والمبادر إلى سلبيا، والمتحمس إلى لا مبالي.
ولو أبصر كل مسئول له شلة بعين العقل لأيقن أن هذه الشلة ما هي في الواقع إلا تحذيرا بالنتيجة الحتمية والمنطقية وهي فشله وفقده ثقة من قام باختياره إلى هذا المنصب و ولاه تلك المسئولية، وواجب الإدارة الواعية أن تحاسب هؤلاء المديرين الذين يجعلون بيئة العمل طاردة، وعدم تركهم بهذا الشكل السيئ.
إن انتشار وانتقال الشللية في مجال الأعمال مع كل تغيير للقيادات يقتل الكفاءات والإبداع ويؤدى إلى كثير من المشكلات الإدارية والاجتماعية؛ حيث تكون الصورة الذهنية في المجتمع براقة لكن الوضع الحقيقي لا يتفق مع تلك الصورة!!!
(من مقالة أ. محسن عليوة- بوابة دار المعارف)