تحقيق مجلة المدير
إلى متى ستبقى الإدارة العربية هاجساً يشغل ذهن كل قيادي عربي؟
إلى متى سنبقى نتحدث عن فوارقنا الثقافية مع الغرب وأثرها على اسلوبنا في الإدارة؟
إلى متى نستمر في تنفيذ إجراءات إدارية بائدة؟
إن التغيرات التقنية العالمية أوصلتنا إلى استيعابها واتقانها والتفنن في استخدامها حتى وصلنا الآن إلى أن عرب الخليج بالذات وصلوا إلى المرحلة الأولى في استخدام التويتر.
في كتاب صدر حديثاً للأستاذ ابراهيم البليهي بعنوان “مكمن التقدم” طرح فيه نظرته للأخلاق والسلوك المقارن يثبت فيها أن الاخلاق والسلوك أهم من المعرفة والمهارة. يشرح فيها أن الأخلاق والسلوك مرتبط بالبيئة التي يعيش فيها الانسان في حين أن المعرفة والمهارة يُمكن اكتسابها بالعلم والممارسة. يؤكد البليهي أن اخلاق الامريكي يختلف عن سلوك العربي وأن الانسان ابن بيئته بما يخص السلوك.
كتابات البليهي كلها تصب في منبع بحثه عن مكامن التخلف وبنيته ومكمن التقدم المبنى على السلوك والأخلاق لأن كل ما يلم بالعالم المتخلف بنظره مرتبط بالسلوك ولأن العالم النامي أغفل الفلسفة التي اسسها العرب أيام الدولة الأموية بالشام والأندلس بترجمة الفلسفة اليونانية إلى العربية. ماتت هذه البذرة الفلسفية قبل ألف عام.
نشأت النظريات الإدارية في الغرب قبل مائة عام بداية في برياطنيا وفرنسا وانتقلت مع المهاجرين الأوائل إلى أمريكا بالذات من فئات معروفة من مهندسين متخصصين في دراسة الحركة والوقت. نشأت الإدارة الغربية إذن في كنف هؤلاء المهندسين وترعرعت في المناجم والمصانع من أساس جوهري وحيد في تحسين ورفع إنتاجية العامل فيما هو معروف عندهم في الكفاءة والإنتاجية واستغلال الوقت.
نحن لم نتعرف حتى الآن في الكفاءة ولم نمارس أي شيء له علاقة في الإنتاجية حتى الآن.
بناء النظرية الادارية العلمية الغربية تم قبل مائتي عام من افتراضات بحتمية العمل الجاد وبكل كفاءة ممكنة أي بأقل تكلفة ممكنة وأقل جهد ووقت.
الوقت له أهميته وقيمته في الادارة الغربية ولذلك جاءت نظرية الادارة العلمية حينها بدراسة الحركة والوقت ليتمكنوا من الانتاج الصناعي بأقل تكلفة ممكنة ويمكنهم تحقيق المنافسة والتنافسية؛ اين لنا في الدول النامية من تحقيق أي منافسة؟
تفترض النظرية والممارسة الادارية الغربية أن يتم انتاج السلعة أو الخدمة في الوقت المحدّد وتسليمها للمشتري في الموعد المحدَّد.
لا يعرفون في الغرب “تعال بكره” والموعد المحدَّد يتم تنفيذه بالحرف الواحد ولا مجال لوجود تعال بكره.
لهذا لم نتمكَّن في العالم النامي من تنفيذ الادارة العلمية الغربية.
تم ممارسة نظرية الإدارة العلمية في جميع دول العالم الغربي وشركاته العالمية في آسيا. نقلت اليابان كل ممارسات ونظريات الإدارة الأمريكية التي صاغها مهندسون. انتقل إلى اليابان آلاف الأمريكان وزرعوا فيها جذور الكفاءة والإنتاجية. لك أن تتخيل أن الفرنسيين نقلوا إلى طوكيو عن طريق البحر قبل مائتي عام الطوب لأنه لم يكن معروفاً لدى اليابانيين. كان عدد العمال الأجانب من بريطانيين وفرنسيين وأمريكان بعد الحرب العالمية الثانية في اليابان أكثر من العمال اليابانيين وحتى عام 1948؛ تصوروا ما حدث في اليابان أثر هذا الانتقال العلمي للكفاءة والإنتاجية ونظريتهم في الوقت المحدد.
زرعت الدول الغربية الادارة العلمية خارج حدود بلادهم في كثير من الدول العربية في البحث عن البترول أو خلال فترة الاستعمار والانتداب. زرعت السلوك الغربي بالعاملين المحليين في جهاز الانتداب أو شركات البترول. تعلَّم ابناء البلاد الانضباط في الدوام وأتقنوا المهارات الغربية وأصبح لديهم سلوكاً كما زملائهم الغربيين.
في بحث قمت باجراءه قبل خمس وثلاثون عاماً عن انتقال المعرفة الادارية عن طريق شركات البترول الأمريكية وصدر لاحقاً بكتاب عن دار نشر امريكية عام 1980م اثبتت فيه عملياً هذا الانتقال. في استقصاء لثلاث عينات من العاملين ثبت فيه تقارب وتماثل ما بين الأمريكيين والسعوديين العاملين في أرامكو مع اختلاف واسع بين السعوديين خارج أرامكو مقارنةً بالسعوديين داخلها.
ثبت من خلال هذا البحث أن المديرين السعوديين العاملين في أرامكو يتماثلون مع المديرين الأمريكان في أرامكو ولكنهم يختلفون مع أقرانهم السعوديين خارجها. هذا يثبت توجهات البليهي نحو السلوك بأنه مرتبط بالبيئة. فسلوك الأمريكي في الادارة والعمل يختلف عن سلوك العربي لأن البيئة الأمريكية لها أثر على تصرفات وتوجهات من يعيشون في أمريكا. العربي الذي يعيش كل حياته في أمريكا يختلف عن العربي الذي يعيش حياته في البلاد العربية وهذا ما ذهب اليه البليهي كذلك.
كل ما قمنا به من ترجمة وتعريب للنظريات الادارية الغربية لم يحقق للعالم العربي أي نهضة أو صحوة ادارية حتى الآن لأن الافتراضات السلوكية والأخلاقية والتنظيمية غير متوفرة في العالم العربي.
يجب أن نبدأ مهما كانت الظروف والاختلافات والملابسات في بناء سلوك عربي مبتدئاً قبل كل شيء في رفع الإنتاجية لكل عربي مهما عليت أو قلت مرتبته. إذا ابتعدنا عن الكفاءة والإنتاجية فلا مجال لنا في دخول النادي العالمي في التنافسية أو حتى لا مجال لنا في أن ننتقل إلى مصاف الدول الناشئة.
هل يمكن أن نبدأ في نقل نماذج غربية موجودة في العالم العربي كله حسب النظرية المعاصرة في المقارنة المرجعية؟
أرجو وأتمنى أن ينتقل نموذج أرامكو إلى الشركات الأخرى إن شاء الله.