مشاريع التنمية تُصمَمُ عادةً بهدف التأثير بشكل إيجابي على حياة المستفيدين لفترة زمنية طويلة، ومن المذهل أن نرى كيف تتبخر جوانب الاستدامة في المشاريع أثناء أو حتى قبل البدء في التنفيذ.
إن الأسباب الكامنة وراء بقاء الاستدامة حبراً على الوراق في بعض المشاريع التنموية، انها لم تناقش بما فيه الكفاية، كما أن الصعوبات في المحافظة على إنجازات المشاريع للمستقبل يتم التعرف عليها في المراحل الختامية من تنفيذ تلك المشروعات.
إن العوامل التي تحول دون هذه الاستمرارية يمكن ارجاعها إلى جميع مراحل إدارة المشروع، وفيما يلي مناقشة لتلك العوامل المضادة للاستدامة، والتي أخترت أن أسميها ” قَتَلَة الاستدامة في المشاريع” :
أولا : مشروعات غير مرغوبه
لايفاجأ أحد إذا علم بأن المشروعات الغير مرغوب فيها لدى أصحاب العلاقة الرئيسيين، ستكون مجالاً للنقاش والجدل وعدم الاتفاق، وعلى النقيض نجد أن المشاريع المرغوبه والتي يجتمع فيها الرعاة والمستفيدين لتحديد الأهداف الطموحة والواقعية بالتراضي فيما بينهم مجالاً للتوافق والتعاون.
إن المشاريع الغير مرغوبة تتميز بأهداف يُشككك فيها بشكل منتظم من قبل عدد كبير من أصحاب العلاقة ، وفي الواقع هم يشككون لأنهم ليسوا مقتنعين بالكيفية التي صمم بها المشروع، والغرض منه، وبالتالي يصبح غير مهم وفي خطر، وفي ظل هذه الظروف فمن المستحيل تقريبا ان تكون مخرجات مثل هذه المشاريع غير قابلة للإستخدام في المستقبل اي غير مستدامة .
نقل تقرير الأمم المتحدة حول ” قياس التنمية المستدامة” (2008) إشارة داسجوبتا Dasgupta إلى أن “مجرد كونها مستدامة لا تجعل مسار التنموي مرغوب فيه، ومن المهم معرفة ما إذا كان نوع المسار التنموي هو الذي يريد المجتمع أن يسير عليه، وهو ما يعتمد على العوامل التي تحدد الرفاهية لأفراد المجتمع”. فمن غير المعقول أن نتوقع الاستدامة من مشاريع غير مرغوبه أصلاً.
ثانياً : الثقافة والممارسات التنظمية المضادة للاستدامة
الثقافة والممارسات التنظيمية من العوامل الحاسمة لاستدامة المشاريع، والثقافة التنظيمية هي التي تملي على المرء اتخاذ القرارات على مستوى اللاوعي، فإذا لم تكن الاستدامة جزءا من ثقافة المنظمة، سيكون من الصعب على أفرادها تعزيز الحلول الدائمة. ومن المخيف أن نرى بعض المنظمات أقرت الإستدامة رسميا، ولكنها في نفس الوقت تقوم بممارسات تضعف هذه الاستدامة.
ثالثاً : مستوى منخفض جدا من المساءلة والمسؤولية الاجتماعية
التنمية المستدامة عملية طويلة المدى تتطلب التمسك بالأهداف النهائية لرفاهية المجتمع، والالتزام بالأهداف النهائية يتطلب وجود نظام مساءلة قوي، كما تتطلب الاستدامة التحسين المستمر، وهذا بدوره يتطلب قدر كبير من الطاقة والالتزام. متطلبات المساءلة والمسؤولية الاجتماعية تحمل الناس على مراجعة أعمالهم من وقت لآخر وتجنب الإهمال لتحاشي العقوبة التي قد تنجم عن سوء الاداء، أو لاستغلال إمكانية الحصول على المكافأة بعد تحقيق نجاحا استثنائية.
وفي ظل غياب المساءلة، سيميل الناس إلى القيام بالأعمال التي يرغبون القيام بها فقط. وغني عن الإشارة أن معظم جوانب الاستدامة إنما هي جهود تستغرق وقتا طويلاً، في حين أن الناس العاديين يفضلون أسهل الأشياء التي تتطلب أقل قدر من الجهد .
رابعاً : ضعف إدارة التنافس بين أبعاد الاستدامة
هناك أبعاد للاستدامة التي قد تتنافس على موارد المشروع، وليس مستغرباً أن نرى أصحاب المصلحة يجأرون بالشكوى من أن المشروع قد تعرض للإهمال أو التقليل من أهمية أحد الأبعاد. فعلى سبيل المثال في أحد البرامج التي أتيحت الفرصة لإداراتها وهو برنامج يتعلق بالصحة والبيئة الحضرية، شكى بعض أصحاب المصلحة الرئيسيين من وجود خلل في توزيع الموارد بين المكونات الاجتماعية والبيئية للبرنامج، وكان من المثير للاهتمام أن نرى كيف قدم الناس كل ما بوسعهم للحصول على الموارد المالية للمشاريع الجديدة للمكون البيئي. ومدير المشروع يريد التفاوض على مستوى عال، وحل المشكلات ومهارات حل النزاعات بالإضافة إلى فهم جيد لحالة قطاع الأعمال.
إن سوء إدارة التنافس بين أبعاد الاستدامة قد يؤدي إلى اختلال في التوازن بين هذه الأبعاد، وهذا بدوره قد يؤثر سلبا على انسجام النظام، ومن المدهش أن نرى الناس وهم يحددون أن هذا الخلل يرجع إلى مرحلة التخطيط الأولى، ووضع كل شيء على عاتق القائمين على المشروع.
خامساً : المنافسة غير المنضبطة بين مستويات الاستدامة
المشاريع الكبيرة والمعقدة التي تغطي مساحة شاسعة من الأراضي، يفترض أن تكون منظمة في عدة مستويات(طبقات). وكل مستوى من المستويات الإقليمية يمكن أن يتوافق مع طبقة من طبقات الاستدامة. فعلى سبيل المثال، لدينا مشروع يتعلق بالزراعة، ولنقل أنه يركز على رفع مستوى جودة البذور، فيمكن أن ينظر إليه بشكل مختلف على المستوى الوطني وعلى المستوى المحلي، فقد ترغب المجتمعات المحلية في رفع جودة بذور المحاصيل الغذائية، في حين أن استراتيجية القطاع تقوم بتشجيع المحاصيل الموجهة نحو السوق، ويعتقدون أنها تقوم بتعزيز دور الاقتصاد الوطني. وهذا الوضع من الاختلاف بين احتياجات المجتمعات المحلية من جهة، والتوجه الوطني من جهة أخرى، قد يؤدي إلى التنافس بين هذه المستويات.
أحياناً، تكون المسابقة سلبية والمجتمعات المحلية ببساطة تتبع الاستراتيجيات الوطنية، ومن المحتمل أيضا أن تتحدى المجتمعات المحلية الاستراتيجيات الوطنية بكل شدة، وذلك من خلال المطالبة النشطة بتلبية الاحتياجات المحلية.
هذا التنافس بين طبقات الاستدامة من الصعب على إدارته، وفي معظم الحالات، يقع هذا التنافس خارج نفوذ فريق إدارة المشروع، وفي هذه الحالة، يأتي دور إدارة الاستدامة بأخذ النموذج واستخدام أدوات وتقنيات إدارة المخاطر.
ولاشك في أن استمرار المنافسة النشطة بين طبقات مشروع معين قد تؤدي –بكل تأكيد- إلى قتل استدامته.
سادساً : خطط إدارة المشاريع التي تتعارض مع جوانب الاستدامة
خلا مرحلة التخطيط يقوم فريق إدارة المشروع بإنتاج خطط مختلفة من شأنها توجيه عملية تنفيذ المشروع، وعلى الرغم من أن التخطيط عمل تكراري، إلآ أن الخطط الأولى لديها عديد من الفرص لتنفيذها، وبالطريقة التي وضعت بها، ما لم تتعرض لاعتراضات شديدة. ولذك فإن خطط إدارة المشاريع التي تتعارض مع جوانب الاستدامة لا يمكن أن تؤدي إلى حلول دائمة .
سابعاً : عدم وجود أدوات سهلة الإستخدام لإدارة الاستدامة
بالرغم من أن الاستدامة عامل حاسم لمشاريع التنمية، فمن المخيف أن نعرف أن هناك غياب لأدوات سهلة الإستخدام لإدارة الاستدامة. والتعقيد الذي يتضمنه مفهوم الاستدامة لا يسمح بتطوير أدوات واضحة لإدارتها. والقائمين على إدارة المشاريع، والذين لديهم استدامة في تحمل مسؤولياتهم، يستخدمون أدوات الإدارة التقليدية لتعزيز وتصميم ورصد وتقييم الاستدامة، ومن الصعب تعميم الاستدامة باستخدام هذه الأدوات التي صممت لأغراض أخرى.
بعض مديري المشاريع، ربما طور قوائم مراجعة يتم تصميمها لرصد ومراقبة وتقييم الاستدامة، وهذه مبادرة ممتازة، ولكن لابد بذل المزيد من الجهود لوضع مفهوم موحد للمقارنة بين المشروع والمنظمات .
ثامناً : ضعف إدارة أصحاب العلاقة (Stakeholders)
إدارة أصحاب العلاقة أمر في غاية الأهمية لاستدامة المشروع، والمشاركة الكاملة من قبل أصحاب العلاقة الرئيسيين في التخطيط والتنفيذ والتحكم في المشروع يزيد من فرص الاستدامة، وتزيد فرصة الاستدامة عندما يتم التعامل مع توقعات أصحاب العلاقة بموضوعية، وكذلك بنشر المعلومات بشكل جيد بينهم.
تاسعاً : لا أحد مسؤول عن الاستدامة في المشروع
حتى تكون الاستدامة قابلة للتحقيق، يجب أن ترتبط بالنشاطات المحددة بالمشروع، والتي تم تعريفها في خطة العمل. ويتحقق ذلك إذا كانت الموارد المطلوبة متوفرة، ومخصصه في الوقت المناسب، كما أن الكوادر البشرية المؤهلة والملتزمة بعملها تعد من أهم الموارد اللازمة لتحقيقه. وهذه القاعدة الذهبية لإنجاز النشاطات تنطبق على الاستدامة.
يمكن تحديد السياسات والاستراتيجيات الجيدة، ولكن إذا لم يكن هناك من يقوم بتنفيذها، فمن غير المعقول أن نتوقع منها تحقيق نتائج كبيرة، وإذا لم يعين شخص بعينه لتعزيز الاستدامة ورصد التقدم الذي يتم تحقيقه في المؤشرات ذات العرقة، فإن الاستدامة حينئذ ستبقى حبراً على ورقة .
الكاتب : غراتيانجسابا، مدير مشروع ومن ذوي الخبرة، ويقدم خدمات استشارية في تطوير خطط العمل وتقييم المشاريع على المستويين المحلي والدولي وخاصة في مجالات تطوير قدرات المنظمة، والحوكمة، والصحة والزراعة.
المصدر: PMHUT