الاستخدام غير المقنن لمؤشرات الأداء أو الافراط في الاعتماد عليها كمقاييس لمستوى جودة الخدمات قد يؤدي إلى “التضبيب” على الواقع، وخاصة ما يتعلق بقياس الخدمات التي تلامس حاجات السكان المباشرة (المياه، الكهرباء، الاتصالات، النظافة، الشوارع والطرق، السلامة، الاسكان، التعليم، الصحة، البيئة، العمل الخيري والتطوعي) لا يمكن قياس الاثر الملموس منها بمؤشرات أداء، ناهيك عما تتطلبه من الوقت والجهد اللذين تستغرقهما للمتابعة والتحديث ورفع التقارير، ما قد يوجه الطاقات نحو تحقيق “المؤشرات” دون أثر ملموس، ناهيك من أن بعض تلك المؤشرات قد تكون تنظيرية (مضللة) وضعت من قبل أشخاص ليسوا من أهل الخدمة ولا يملكون الخبرة الكافية، ولا الاختصاص!
إن عملية فرض تلك المؤشرات في المؤسسات على المستويات الوسطى والدنيا، يؤدي إلى تلقي تغذية راجعة غير دقيقة ممن هم في أرض الواقع العملي؛ فأصبحت سباق محموم لهذه المؤشرات، مجرد أداء واجب تؤدي دون أي قناعات لعدم واقعيتها ومناسبتها، ولذلك تضع الأجهزة في مواقف محرجة عندما يواجهون المشكلات الحقيقية التي في الغالب لا تقيسها تلك المؤشرات، وقد يجعل ذلك “البعض” إلى كسب الوقت واستنطاق الأرقام، فيزيد الأمر تضليلا، ولذلك فتصبح بعيدة عن الواقع والمصداقية، وقد يترتب عليها قرارات غير صائبة بنيت على قياس غير دقيق (مضلل).
وقد تجد ان يتسابق “بعض” بانجازات مؤشرات الأداء، حتى أضحينا نسمع بأن الرد على الأعداد الكبيرة للبلاغات والشكاوى عبر قنوات التواصل -مؤشر على النجاح- بينما لا نعلم هل كان الاتصال، بسبب قصور الخدمة أصلا من الجهة؟ وما مستوى الجودة التي قدمت للمستفيد، وماهية نوعية المعالجة؟ وماذا كان رأي الطرف الآخر-المستفيد؟ وهل رأيه أيضاً بُني على معايير سبق أن وضحت دُرِّب عليها على نحو كاف، وأصبحت أكثر وعيا بحيث يقدم تغذية راجعة ذات مصداقية لتحسين الأداء فعليا؟
أشارت دراسة للنظام الصحي الوطني البريطاني إلى أنه اكتشف خلل في قياس مؤشرات الأداء للمرضى المراجعين للطوارئ في المستشفيات العامة؛ حيث لوحظ حرص العاملين والمسؤولين على عدد الحالات التي يتم استقبالها، بغض النظر عن أهمية المرضى؛ إذ لوحظ أن المستشفيات تبدو مدفوعة بالهدف بدلاً من القيام بما هو أفضل للمريض، سواء كان المريض مصاباً بألم في إبهامه، أو بنوبة قلبية، وتمت الإشارة إلى أن الحرص على العدد مقابل الكيف وفرز الحالات قد يؤثران في جودة وسلامة المرضى، وقد يؤديان إلى مزيد من المضاعفات.
إن الجهات التي تقيس خدماتها من خلال الحصول على بيانات وأرقام تتوافق -فقط- مع “المؤشرات” سيكون ذلك على حساب الجوانب التشغيلية، وقد يؤدي إلى تقصير في الجوانب الخدمية وذات الأولوية والأكثر أهمية ذات الأثر الملموس لدى المستفيدين، والتي لا تقيسها مؤشرات الأداء ولذلك يجب عدم الاعتماد عليها كلياًّ، والنزول والتفقد والمقابلة والاستماع مباشرة من الناس.