«استَحيوا منَ اللَّهِ حقَّ الحياءِ»

  • — الجمعة يوليو 26, 2024

قال ﷺ:«استحيوا من الله حق الحياء، قلنا: يا رسول الله إنا لنستحيي والحمد لله، قال : ليس ذاك ، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس ، وما وعى ، وتحفظ البطن ، وما حوى ، ولتذكر الموت والبلى ، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا ، فمن فعل ذلك فقد استحيا يعني : من الله حق الحياء» [صحيح الترمذي]

الحياء خير كله، وكان نبينا صلى الله عليه وسلم متصفا بهذه الصفة، وقد حثنا على الاتصاف بها، ورغبنا فيها، وهذا الحديث يُعتبر قاعدةً مهمةً في تفسير الاستحياء من الله، وبيان كيفية تحقيقه عند العبد المؤمن، فعندما قال ﷺ:

أن تحفظ الرأس وما وعى؛ ويكون بحفظ ما في الرأس عن الحرام، فيَغض البصر عما حرَّم الله، ويكفُّ السمع عن الحرام، ويُمسك لسانه عن الغيبة والنميمة والكلام الفاحش، ولعله يدخل في ذلك حفظ العقل مما يفسده كالخمر والمخدرات، وكذلك الأفكار الفاسدة والباطلة، والله أعلم.

 والبطن وما حوى؛ وهذا يشمل حفظ القلب أولًا عما يُفسده من الحقد والحسد والبغضاء، والنفاق والرياء، وكذلك حفظ البطن من دخول المأكل والمشرب الحرام إليه، ويدخل فيه حفظ الفرج عمَّا حرَّم الله من الزنا وسائر الفواحش، وقيل أنه يشمل الأيدي والأرجل لاتصالهما بالبطن، فيحفظها عما حرَّم الله، ولا يستخدمها إلا في طاعته.

 وأنْ تذكر الموت والبِلَى؛ على المؤمن الفِطن أن يُذكِّر نفسه دائمًا بالموت والبِلى، فكل المخلوقات مصيرها إلى ذلك، وفي هذه التذكرة حملٌ للنفس على التزود من الطاعات والأعمال الصالحة، وكفٌّ لها عن المعاصي والذنوب، وهذا أمرٌ من شأنه أن يُزهد المرء بالدنيا، فمن تأمَّل حال الموت والموتى وما صار إليه حالهم أصبحت الدنيا في عينيه حقيرة دنيئة.

 ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا؛ فمن أراد الآخرة حقًّا ترك زينة الدنيا وشهواتها وملذاتها ابتغاء مرضاة الله، وطمعًا فيما عنده من النعيم المُقيم، فإن المؤمن إذا ترك تلك الشهوات والزينة، خفَّت نفسه ونشطت للطاعة وتعلَّقت بالآخرة، بخلاف من حمَّل قلبه فِكر الشهوات والملذات، فإن نفسه تكون ثقيلةً متباطئةً عن الطاعات، فكلما ازدادت الشهوات تثاقلت النفس إلى الأرض، وأصبحت همَّتُها ثقيلة.

 وترك زينة الدنيا لا ينافي أن يأخذ الإنسان نصيبه من الدنيا بما أحلَّه الله؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾ [القصص: 77]، فيأخذ المرء ما يكفيه ويَسُدُّ حاجته، ويمنعه من تكفُّف الناس وسؤالهم، إنما المذموم هو الانشغال بملذات الدنيا وزخرفها، وأن يجعلها همَّه، فقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَن كانت الآخرة همَّه، جمع الله شمله، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا صاغرة، ومن كانت الدنيا همَّه، شتَّتَ الله شمله، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما قُدِّر له).

ثم قال ﷺ فهذا جِماع الاستحياء من الله؛ فمن حفظ رأسه وما فيه، وبطنه وما فيه عن كلِّ حرام وقبيح، وذكَّر نفسه بالموت والفناء، وتخفَّفَ من شهوات الدنيا وزينتها – فقد حقَّق الاستحياء من الله، وبلغ مرتبة الأتقياء المُحسنين؛ كما قال تعالى في سورة النحل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴾.

ا. ه.

اللهم اجعلنا ممن توكل عليك فكفيته، واستهداك فهديته، واستغفرك فغفرت له، واستنصرك فنصرته، ودعاك فأجبته.