«مرض الجمال: كيف يؤذي الهوس بالمظهر الفتيات والنساء»

  • — السبت يوليو 27, 2024

ليس سرا أن مظهر المرأة تحت المجهر باستمرار، ويجري بشكل خاطئ تذكير الفتيات والنساء بافتقارهن إلى الشكل المثالي، وانتشرت في الآونة الأخيرة اضطرابات الشهية بشكل مبالغ فيه، بل وتحولت إلى حمية غذائية يمكن لأي مراهقة تبنيها لتصل إلى الوزن المثالي، كما ارتفعت قيمة الاقتصاد القائم على مستحضرات التجميل بشكل مهول، وتزايد عدد الخاضعات لعمليات التجميل، وفاضت منصات التواصل الاجتماعي بالنصائح الضارة للوصول إلى الشكل المثالي.

لقد أصبح هوس التجميل والسعي وراء الجمال بمعايير خاطئة فرضتها العولمة وخطاب الحداثة الرأسمالية، الذى كرس صورة نمطية معطوبة للمرأة الجميلة الحديثة بوصفها مستهلكة لمستحضرات التجميل ومكرسة للاهتمام بمظهرها الخارجي، ظاهرة متفشية كالوباء في المجتمعات المختلفة، حتى بتنا نلمح أعراض ذلك الوباء في مظاهر حياتنا اليومية المختلفة بداية من تركيز الفتيات لساعات على مظهرهن من أجل التقاط صورة مثالية متشبهات بعارضات الأزياء ونجوم السينما، وغيرهن من المشاهير، ومرورا بهوس النساء بعمليات التجميل و حتى الاستهلاك المفرط لمستحضرات التجميل.

هذا الهوس حول الجمال إلى مرض يفترس النساء، حذرت منه أستاذة علم النفس “د. رينيه إنجلن(*)” في كتابها «مرض الجمال: كيف يؤذي الهوس الثقافي بالمظهر الفتيات والنساء»، التي تكشف كيف أن الهوس الثقافي بمظهر المرأة هو وباء يضر بقدرة المرأة على المضي قدما والعيش حياة سعيدة وذات مغزى، ويتعمق في الآثار الضارة لمعايير الجمال المجتمعية على الصحة النفسية للمرأة، ويتناول الكتاب كيف يؤدي الضغط للتوافق مع مُثُل الجمال غير الواقعية إلى الشك في النفس، وتدني احترام الذات، ومشاكل نفسية مختلفة بين الفتيات والنساء.

تواجه فتيات اليوم مجموعة محيرة من التناقضات عندما يتعلق الأمر بالجمال؛ إنهن لا يردن أن يكن مجرد دمى «باربي»، ولكن، قيل لهن إنهن يجب أن يشبهنهن؛ إنهن غاضبات من معاملة وسائل الإعلام للنساء لكنهن يستهلكن بشره المنافذ التي تقلل من شأنهن؛ إنهن يسخرن من نموذج الجمال السخيف للثقافة الحديثة وينشئن مقاطع فيديو تعرض حيل التسوق، لكنهن يشعرن بالضغط لمحاكاة نفس الصور التي ينتقدنها من خلال التظاهر «بذراع نحيفة»؛ إنهن يدركن أن ما يرونه ليس حقيقيا، ولكنهن ما زلن يقمن بتنزيل التطبيقات والفلاتر لتعديل وتعزيز صورهن.

تُعرف “إنجلن” مرض الجمال بأنه «ما يحدث عندما ترتبط الطاقة العاطفية للمرأة بما تراه في المرآة بحيث يصبح من الصعب عليها رؤية جوانب أخرى من حياتها». وتوضح أن تداعيات مرض الجمال التي تشمل اضطرابات الأكل والسلوكيات المضطربة حول الطعام؛ ترتبط مخاوف الجسم بالاكتئاب، خاصة عند الفتيات المراهقات؛ بالإضافة إلى ذلك، هناك قلق اجتماعي، ومخاوف تتعلق بالسلامة، والاضطرابات في المعالجة المعرفية، وخسارة المال والوقت.

ترى “إنجلن” أننا سقطنا بالفعل في قبضة وباء مرض الجمال، وتتقول: «مرض الجمال مهم لأنه مؤلم، ولكن الأهم من ذلك، أنه من الصعب تغيير العالم عندما تكون مشغولا للغاية بمحاولة تغيير جسمك، وبشرتك وشعرك وملابسك، من الصعب التعامل مع حالة الاقتصاد وحالة السياسة أو حالة نظامنا التعليمي إذا كنت مشغولا جدا بالقلق بشأن حالة شعرك أو حالة “السيلوليت” أو حالة “مكياجك، نحن نجري مقايضة ونفقد القدرة على إنفاق مواردنا العقلية على فعل شيء آخر».

تدرس “إنجلن” هذا التركيز المنتشر على الجمال للفتيات والنساء من أجل التصدي له ولتمكين النساء والفتيات، على حد قولها، من «الابتعاد عن المرآة ومواجهة العالم»؛ يسرق مرض الجمال وقت المرأة وطاقتها وأموالها، مما يجعلنا نبتعد أكثر عن الأشخاص الذين نريد أن نكون والحياة التي نريد أن نعيشها؛ يبقينا في مواجهة المرآة بدلا من مواجهة العالم.

وتكشف في كتابها الموضوعات المتعلقة بالنزعة الاستهلاكية والطبقة الاجتماعية والجمال، وكيف تؤثر التمثيلات الإعلامية للأنوثة المثالية على ثقة المرأة بنفسها، وكذلك كيف تتعلم النساء تقييم مظهرهن ومراقبتهن الذاتية.

إن الإحساس الذي تشعر به العديد من الفتيات المراهقات بأنهن لا يتمتعن «بالجودة الكافية» مرتبط ارتباطا وثيقا بخيبة الأمل التي يشعرن بها عندما ينظرن في المرآة، حيث يتغذى داء الجمال من خلال ثقافة معطوبة تركز على مظهر المرأة بدلاً من أي شيء آخر قد تفعله أو تقوله أو تكون عليه؛ تعززه الصور التي نراها والكلمات التي نستخدمها لوصف أنفسنا والنساء الأخريات، لذا أولئك الذين يخجلون من أي امرأة بسبب مظهرها يغذون مرض الجمال، وأولئك الذين يمتدحون الفتيات والنساء فقط لمظهرهن يفعلون الشيء نفسه.

علامات مرض الجمال تبدو محفورة ومتجذره بشدة في أفكارنا وسلوكياتنا، ولكن هذا المرض يعيش أيضا في الثقافة المريضة التي تهتم بجمال الصورة والمظهر عن المخبر، ودائما ما تجد طريقة للتعليق على مظهر المرأة، بغض النظر عن مدى عدم ارتباطها بالمسألة المطروحة؛ وتُعلّم الفتيات الصغيرات أن إبراز جمالهن وتعلم تطبيق المكياج هو مهارة أكثر أهمية من تعلم العلوم.

لقد استكشف د”. إنجلن” في كتابها التأثير السام “لتشييء أجساد النساء” في وسائل الإعلام والإعلانات، وسلطت الضوء على الطبيعة المتفشية لمرض الجمال في المجتمع الحديث، ومن خلال القصص الشخصية ونتائج الأبحاث والرؤى، ويقدِّم الكتاب تحليلاً مقنعاً لكيفية تأثير الهوس الثقافي بالمظهر الخارجي سلباً على رفاهية الإناث وتقديرهن لذواتهن من مختلف الفئات العمرية والخلفيات الثقافية، وتدعو المؤلفة إلى التحول نحو احتضان التنوع الشكلي، وتعزيز قبول الذات (الرضى)، وتحدي معايير الجمال الضارة، لتعزيز بيئة أكثر صحة وشمولاً للنساء.

وتقول “د. إنجلن” للنساء «كوني لطيفة مع نفسك»، -وتحدين من التعرض للصور التي تركز على الجمال الشكلي، والتركيز على ما يمكن أن يفعله الجسم ككل لخدمة تحقيق أهدافك وطموحاتك بالحياة بدلا من الشكل الذي يبدين عليه.


 (*) د. رينيه إنجلن: أستاذة في علم النفس في جامعة نورث وسترن، حاصلة على شهادة الدكتوراه في علم النفس العلاجي.