الكاتب : أ.د. ابراهيم المنيف
لم يكن في حسبان أي انسان مهتم في التنمية أو التطوير أو التقدم أو اللحاق بالعالم المتقدم أو سد الفجوة بين العالم المتقدم والعالم النامي أو تقليص الفوارق ما بين العالم المتقدم والنامي أن هناك فوارق ما بين المدير والقائد. لم أكن أنظر إلى أي فوارق بين المدير والقائد إلا بعد أن اكتشفت أن عالمنا النامي جهلاً اهتم وعظَّم المدير ولم يكن له معرفة بأن هذا المدير يجب أن يكون قائداً. لهذا بقينا متخلفين.
ننسى دائماً وأبداً أن هذا العالم كان متساوياً قبل خمسمائة عام ولم يكن هناك فوارق وفجوات إلى أن جاء العالم الغربي بالثورة وأكد انها ثورة صناعية وليست طفرة صناعية. هذه الثورة الصناعية افرزت قيادات وقباطنة الصناعة من مخترعي الآلة البخارية وميكانيكا الآلة والتي حققت لهم من تلك الثورة هذه الثروة. القضية ليست تغيير حروف كما تدل اللغة العربية بل ارتفع دخلهم ثلاثين ضعفاً عن دخلنا في العالم العربي، بمعنى أن الثورة افرزت ثروة.
قباطنة الصناعة أو بالتحديد الدقيق قادة الصناعة الغربية ابتدأت ثورتهم بالتركيز الدقيق على الادارة العلمية التي انتجها منذ البداية مهندسون في تركيزهم على الكفاءة والإنتاجية و تحفيز العاملين على الانتاج وصولاً لأن يتم انتاج اللمبة الكهربائية آنذاك والراديو والتلفزيون لاحقاً بأقل تكلفة ممكنة وأقل جهد ممكن وأقل وقت ممكن. هؤلاء القادة للصناعة والتجارة افرزوا قادة الادارة العليا التنفيذية للصناعة والتجارة ما أدى لأن يكونا قادة العالم المتقدم. لم يركزوا على الادارة بل كان تركيزهم على القيادة حتى في القرن التاسع عشر والعشرين الذي مضى ولهذا نقول أنهم كانوا قادة وليسوا مدراء.
منذ ربع قرن وأنا أكتب عن وجوب التفريق بين القائد والمدير، وهذا التفريق وإن وصلت به إلى نتيجة في تقزيم المدير وتعظيم القائد مقصود منه التوضيح اننا بحاجة ماسة إلى القادة ولسنا بحاجة إلى المديرين. قزَّمت المدير حتى أن هذا التعظيم للقائد يحقق جدواه من الأتباع ومن المدراء لأن يتجهوا نحو صناعة مثمرة في تغيير أنفسهم ليصبحوا قادة وليسوا مدراء. لقد انتهى عهد التحكم والسيطرة وابتدأ عهد التمكين والولاء والانتماء.
لم يعد هناك مكان للإدارة بفرض النفوذ والتحكم والسيطرة على رقاب البشر. العهد الجديد الآن يبحث عن القادة ذوي القدرة على تمكين وتحفيز الأتباع لأن يعملوا وينفذوا المهام عن طيب خاطر بفعل دوافعهم الذي زرعه هذا القائد الاداري الذي تشبَّع بروح الاخلاص والولاء والانتماء ويعمل الآن على غرسها في اتباعه لأن يقدموا كل طاقتهم في سبيل تحقيق الفعالية والكفاءة والإنتاجية.
عالم اليوم لا يرحم في ظل العولمة والتنافسية والحوكمة ومن الواجب على القيادات الادارية العربية أن تسعى لتمكين العاملين وليس المديرين العرب ذوي التوجه نحو التحكم والسيطرة. لم يعد ممكناً أبداً نجاح “دولة الإدارة” كما سماها أساتذة الادارة المصريين زمن الرئيس عبد الناصر ويجب أن نسميها “دولة القيادة” لأنه لا يمكن سد الفجوات والثغرات ما بين الدول النامية والدول المتقدمة إلا من خلال قيادات ادارية عليا تنفيذية.
نحن نسمي من يجلس على قمة الهرم “المدير العام” وهم، أي الغرب يسمونه الرئيس التنفيذي، وشتان ما بين العام والتنفيذي. مديرهم اسمه “تنفيذي” ومديرنا اسمه “عام” و يا ليت أنه عام بل عامي للرؤيا والبصيرة والإلهام. نحن بحاجة إلى “تنفيذ” الأعمال ولسنا بحاجة إلى عمومية الأعمال.
فهل توافق معي بضرورة تغيير نهجك من مدير إلى قائد؟
المصدر : مجلة المدير، العدد 160