يحذر خبراء الإدارة والاقتصاد والاجتماع، وحتى النفس باستمرار من ظاهرة الترهل الإداري (الوظيفي) في مؤسسات القطاع العام والخاص نظرا لأخطارها الكبيرة على الاقتصاد والمجتمع، وعلى التطوير والإنتاجية والتقييم العلمي الموضوعي بمختلف مستوياتهم، طالما أن هناك توسع في المشاريع والبرامج التي ينتج منها توسيع في النطاق الوظيفي للأجهزة.
ويشير الترهل الإداري إلى التضخم (أو التورم الإداري)؛ ويعني وجود جهاز أو إدارة بلا فاعلية، بسبب زيادة عدد الطبقات الإدارية التابعة والمرتبطة والشقيقة على نحو غير مبرر، مما يؤدي إلى ظهور آثار سلبية على المدى المتوسط والطويل؛ بدءاً من التعقيدات التنظيمية، وتباطأ صنع القرار، إلى كثرة التدخل في العمل التنفيذي، وزيادة التكاليف الرأسمالية والتشغيلية، مع بطء في الإجراءات وضعف في الكفاءة وقلة الإنتاجية؛ وفي النقاط التالية تبيين لذلك:
- التعقيد التنظيمي: أي مؤسسة تتمدد أفقيا أو رأسيا فسيكون في الغالب على حساب التحكم بالجودة ونوعية الخدمة والإجراءات، وتراكم المعرفة والخبرة المؤسسية؛ فزيادة عدد المستويات (الطبقات) الإدارية، يؤدي إلى زيادة التعقيد وتباين السلطات والمسؤوليات، وقد يؤثر في سرعة التواصل والتنسيق والتأخر في تحقيق الأهداف.
- تباطأ صنع القرار: حيث يصعب اتخاذ القرارات وبالأخص التنفيذية السريعة والفعالة في بيئة مترهلة إدارياً وظيفياً، حيث يشارك كثير من الإداريين في عملية صنع القرارات = اجتماعات صنع القرار.
- زيادة التكاليف الرأسمالية والتشغيلية: يتبادر إلى الذهن عادة أن الترهل الإداري هو في عدد الموظفين، واستمرار الإدارات الحالية في المنصب لفترة طويلة، ولكن الواقع هو في تعدد المنشآت المتوالدة على نحو مبالغ فيه -غير ضرورية- حيث يتطلب مزيداً من الاستقطاب والرتب الإدارية، وأماكن ومزايا وظيفية قد لا تضيف قيمة للجهاز، ولكنها تزيد في ميزانيات الجهة.
- ضعف الكفاءة وقلة الإنتاجية: حيث يودي الترهل إلى قلة التركيز على المهام الأساسية والضرورية في المؤسسة وزيادة الاهتمام بالإدارة الذاتية، والتأثير السلبي في العاملين وتقليل روح الفريق والمشاركة الفعالة، وبطء الإجراءات، وصعوبة تدفق البيانات، والإحباط والتشتيت الوظيفي.
القيادات العليا هي السبب الرئيس!
إن جميع البحوث والدراسات تؤكد أن القيادات العليا (راس الهرم) لها دوراً في العمل بفاعلية وتحقيق الإنجازات كما وكيفاً، وقد لا تكون القيادات العليا هي السبب الوحيد عن الترهل الإداري، ولكن هي السبب الرئيس لهذا الترهل بحكم الصلاحيات وأنها صاحبة القرار الذي قد يكون سبباً في الترهل تحت مجموعة من المبررات، والاعتبارات التي تؤدي إلى الانحراف، وبالتالي قد تُوصّل الجهة إلى حالة من التضخم والاضطراب والاسترخاء الوظيفي.
وهذا” الفخ الإداري” تقع فيه بعض المؤسسات بحسب شخصية قياداتها العليا، إذا كان رئيس الجهاز مركزي كثير الاجتماعات مثقل بالمسؤوليات، كثير الجهات التابعة، عديد التفريعات ومجالس الإدارة؛ هيئات ومراكز وشركات، جميعها تتزاحم مع بعضها، وقد تتنافر أو تتنافس مع جهات أخرى، فيتحول إلى جهاز متضخم على حساب الكفاءة والقدرة على بناء معرفة وخبرة تراكمية متخصصة تميزها في مجالات عملها كمرجعية ذات موثوقية دون تشتيت وتراكيب وتقاطعات.
الحلول
إن تحليل السبب الرئيس يجب أن يقودنا إلى المبادرة بالحلول الناجعة لمعالجة هذا التضخم، وحتى لا تتحول بعد وقت كأحد أبرز مكونات الثقافة التنظيمية، فيصبح تصحيحها صعباً ومكلف؛ خاصة إذا تكونت خلال فترة قيادية طويلة نسبيا وبالتالي قد تحتاج إلى نفس المدة لتفكيكها؛ ومن الحلول السريعة المقترحة:
- الفصل التام بين المستويات التنظيمية الثلاث (التشريعي، التنظيمي، والتنفيذي)، والحرص على اختيار القيادات الإدارية المؤمنة بذلك الملتزمة بأدائه.
- البعد عن التكتلات (الفئوية وغيرها) التي قد تفوق سطوتها التنظيمات الرسمية، فتؤثر في غالبية قرارات اللجان، والمجالس، والهيئات، والشركات.
- البعد عن المؤشرات المظللة، والأرقام الإحصائية المستنطقة، وتفعيل أجهز قياس أداء العمل المؤسسي المتميز، ومقابلة النفقات (الرأسمالية والتشغيلية) مع الكفاءة، وسهولة الإجراءات والإنتاجية والرشاقة التنظيمية.
إن بناء الأوطان ومستقبل الأجيال بحاجة إلى أن تعمل مؤسسات وأجهزة القطاع العام والخاص على الاستغلال الأمثل للوقت والجهد والموارد بلا إفراط ولا تفريط.
اللهم حقق الآمال!