«النفوس البشرية والمسالك الحيوانية»

  • — الأربعاء ديسمبر 25, 2024

لقد كرم الله هذا الإنسان وشرفه وميزه كما قال سبحانه: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا} أي: من سائر الحيوانات وأصناف المخلوقات؛ إلا أن هناك أناس تأبى إلا التشبه بالحيوانات في طباعها، وحظه من ذلك بحسب ما غلب عليه منها.

وذكر الإمام ابن القيم -رحمه الله- في كتابه [مدارج السالكين] جملة من طبائع النفوس البشرية وربطها بالحيوانات بشكل غريب وعجيب؛ أن طباع أهل الشهوات متفاوتون بحسب تفاوت الحيوانات التي هم علىٰ أخلاقها وطباعه، وقسمهم الي النفس الكلبية والنفس السبعية والفأرية والحمارية الطاووسية، ونفوس ذات السموم، والنفوس الخنازيرية، والقردية، وغيرها، فقال رحمه الله:

قائمة مؤلفات ابن قيم الجوزية - ويكيبيديا

“وهم في أحوالهم متفاوتون بحسب تفاوت الحيوانات التي هم على أخلاقها وطباعها .

فمنهم من نفسه كلبية لو صادف جيفة تشبع ألف كلب لوقع عليها، وحماها من سائر الكلاب، ونبح كلَّ كلب يدنو منها فلا تقربها الكلاب إلا على كره منه وغلبة، ولا يسمح لكلب بشيء منها، وهمه شبع بطنه من أيِّ طعام اتفق ميتة أو مذكى خبيث أو طيب، ولا يستحى من قبيح إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث إن أطعمته بصبص بذنبه ودار حولك وإن منعته هرك ونبحك.

ومنهم من نفسه حمارية لم تخلق إلا للكد والعلف كلما زيد في علفه زيد في كده أبكم الحيوان وأقله بصيرة؛ ولهذا مثل الله سبحانه وتعالى به من حملَّه كتابه فلم يحمله معرفة ولا فقها ولا عملا، ومثل بالكلب عالم السوء الذي آتاه الله آياته فانسلخ منها وأخلد إلى الأرض واتبع هواه.

ومنهم من نفسه سبعية غضبية همته العدوان على الناس وقهرهم بما وصلت إليه قدرته، طبيعته تتقاضى ذلك كتقاضي طبيعة السبع لما يصدر منه.

ومنهم من نفسه فأرية فاسق بطبعه مفسد لما جاروه.

ومنهم من نفسه على نفوس ذوات السموم والحُمَات كالحية والعقرب وغيرهما، وهذا الضرب هو الذي يؤذي بعينه فيدخل الرجل القبر والجمل القدر.

ومن الناس من طبعه طبع خنزير يمر بالطيبات فلا يلوى عليها فإذا قام الإنسان عن رجيعه قمَّه. وهكذا كثير من الناس يسمع منك ويرى من المحاسن أضعاف أضعاف المساوئ فلا يحفظها ولا ينقلها ولا تناسبه فإذا رأى سقطة أو كلمة عوراء وجد بغيته وما يناسبها فجعلها فاكهته ونُقْله.

ومنهم من هو على طبيعة الطاووس ليس له إلا التطوس والتزين بالريش وليس وراء ذلك من شيء .

ومنهم من هو على طبيعة الجمل أحقد الحيوان وأغلظه كبدا.

ومنهم من هو على طبيعة الدب أبكم خبيث، وعلى طبيعة القرد.

وأحمد طبائع الحيوانات طبائع الخيل التي هي أشرف الحيوانات نفوسا وأكرمها طبعا وكذلك الغنم وكل من ألف ضربا من ضورب هذه الحيوانات اكتسب من طبعه وخلقه فإن تغذى بلحمه كان الشبه أقوى فإن الغادي شبيه بالمغتذى. ولهذا حرم الله أكل لحوم السباع وجوارح الطير لما تورث آكلها من شبه نفوسها بها والله أعلم” أ.هـ.

أترك للقارئ الكريم ما ورد أعلاه من تشخيص وربط عجيب بين النفس البشرية والأخلاق الحيوانية ليستحضر طبائع بشرية مرت به -يوماً ما- ذات شبه كبير -للأسف الشديد- مع طباع هذه الحيوانات؟!!

سلِّمنا اللهم من مساوئ المعتقدات، ومفاسدِ الأخلاق، وخلِّصنا من الأهواء، ومهالك الآراء، وطرق الإغواء، ووطِّنَّا ربَّنا علىٰ فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، ورزقنا حسن الخلق، ومتِّعنا اللهم بإسلامنا، وأسعدنا بإيماننا، وأمّنّا في أوطاننا.

وصلِّ اللهم وسلم علىٰ نبينا محمد وعلىٰ آله وصحبه أجمعين.