﷽
﴿قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ ١ ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ ٢ لَمۡ یَلِدۡ وَلَمۡ یُولَدۡ ٣ وَلَمۡ یَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُۢ ٤﴾
يقول العلامة محمد ابن صالح العثيمين -رحمه الله- في تفسير سورة الإخلاص:
“﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ أي: هو الله الذي تتحدَّثون عنه وتسألون عنه ﴿أَحَدٌ﴾ أي: متوحِّدٌ بجلاله وعظمته، ليس له مثيل، وليس له شريك، بل هو متفرِّدٌ بالجلال والعظمة عز وجل.
﴿اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ جملة مستقلَّة، بيَّن الله تعالى أنه ﴿الصَّمَدُ﴾، فما معنى ﴿الصَّمَدُ﴾؟
أجمعُ ما قيل في معناه أنه الكامل في صفاته، الذي افتقرتْ إليه جميعُ مخلوقاته، فقد رُوي عن ابن عباس «أن ﴿الصَّمَدُ﴾ هو الكامل في عِلْمه، الكامل في حِلْمه، الكامل في عِزَّته، الكامل في قدرته، إلى آخر ما ذُكِر في الأثر»، وهذا يعني أنه مستغنٍ عن جميع المخلوقات؛ لأنه كامل، ووَرَدَ أيضًا في تفسيرها أن ﴿الصَّمَدُ﴾ هو الذي تَصْمُد إليه الخلائق في حوائجها، وهذا يعني أن جميع المخلوقات مفتقرةٌ إليه، وعلى هذا فيكون المعنى الجامع لـ﴿الصَّمَدُ﴾ هو: الكامل في صفاته، الذي افتقرتْ إليه جميعُ مخلوقاته.
﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ﴾؛ ﴿لَمْ يَلِدْ﴾ لأنه جلَّ وعلا لا مثيل له، والوَلَد مشتقٌّ من والده وجزءٌ منه؛ كما قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في فاطمة: «إِنَّهَا بَضْعَةٌ مِنِّي»، والله جلَّ وعلا لا مثيل له، ثم إن الولد إنما يكون للحاجة إليه؛ إمَّا في المعونة على مُكابدة الدنيا، وإمَّا في الحاجة إلى بقاء النسل، والله عز وجل مستغنٍ عن ذلك، فلهذا ﴿لَمْ يَلِدْ﴾ لأنه لا مثيل له، ولأنه مستغنٍ عن كلِّ أحدٍ عز وجل. وقد أشار الله عز وجل إلى امتناع ولادته أيضًا في قوله تعالى: ﴿أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [الأنعام ١٠١]، فالولد يحتاج إلى صاحبة تلده، وكذلك هو خالقُ كلِّ شيء، فإذا كان خالقَ كلِّ شيءٍ فكلُّ شيءٍ منفصلٌ عنه بائنٌ منه.
﴿وَلَمْ يُولَدْ﴾ لأنه عز وجل هو الأول الذي ليس قبله شيء، فكيف يكون مولودًا؟!
وفي هذه الجملة الأخيرة ردٌّ على ثلاث طوائف منحرفة من بني آدم وهم المشركون واليهودُ والنصارى؛ لأن المشركين جعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثًا وقالوا: إن الملائكة بنات الله، واليهود قالوا: عُزَير ابن الله، والنصارى قالوا: المسيح ابن الله، فكذَّبهم الله بقوله: ﴿لَمْ يَلِدْ﴾. فقوله: ﴿لَمْ يَلِدْ﴾ فيه ردٌّ على ثلاث طوائف -وأنا جعلتُها الأخيرة، ولكن الصواب هو الأول- ﴿لَمْ يَلِدْ﴾ ردٌّ على ثلاث طوائف من بني آدم كلُّها ضالَّة: المشركون، واليهود، والنصارى؛ لأن المشركين يقولون: إن الملائكة بنات الله، والنصارى يقولون: إن المسيح ابن الله، واليهود يقولون: عُزَير ابن الله.
﴿وَلَمْ يُولَدْ﴾ لأنه الأول الذي ليس قبله شيء.
﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ أي: لم يكن له أحدٌ مساويًا في جميع صفاته، فنفى الله عنه -سبحانه وتعالى- نفى عن نفسه أن يكون والدًا أو مولودًا أو له مثيل.
هذه السورة لها فضلٌ عظيم؛ قال النبي عليه الصلاة والسلام: «إِنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ»، لكنها تَعْدِله ولا تقوم مقامه، تَعْدل ثُلث القرآن لكنْ لا تقوم مقام ثُلث القرآن؛ بدليل أن الإنسان لو كرَّرها في الصلاة الفريضة ثلاث مرَّاتٍ لم تَكْفِهِ عن الفاتحة، مع أنه إذا قرأها ثلاث مرَّاتٍ فكأنَّما قرأ القرآن كُلَّه، لكنها لا تُجزئ عنه، ولا تستغربْ أن يكون الشيءُ معادلًا للشيء ولا يجزئ عنه؛ فها هو النبي عليه الصلاة والسلام أخبر أنَّ قال: «مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، عَشْرَ مِرَارٍ، كَانَ كَمَنْ أَعْتَقَ أَرْبَعَةَ أَنْفُسٍ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ».، ومع ذلك لو كان عليه رقبةٌ كَفَّارة وقال هذا الذِّكْر لم يَكْفه عن الكفَّارة، فلا يَلْزم من مُعادَلة الشيء للشيء أن يكون قائمًا مقامه في الإجزاء.
هذه السورة كان الرسول عليه الصلاة والسلام يقرأُ بها في الركعة الثانية في سُنَّة الفجر، وفي سُنَّة المغرب، وفي ركعتي الطواف، وكذلك يقرأُ بها في الثالثة في الوتر؛ لأنها مبنيَّةٌ على الإخلاص التامِّ لله، ولهذا تُسَمَّى سورة الإخلاص.” ا.ه.
من هداية هذه السورة العظيمة المباركة ومقاصدها:
- هذه السورة مشتملة على تقرير توحيد الله -جل وعلا- بأسمائه وصفاته،
- بطلان نسبة الولد إلى الله تعالى.
- وجوب عبادته تعالى وحده لا شريك له فيها؛ إذ هو الله سبحانه وتعالى ذو الألوهية على خلقه دون سواه.
- إثبات تفرُّد الله تعالى بالألوهية والكمال، وتنزيهه عن النقص والنظير والمثيل، وأنه لا يُقصَد في الحوائج غيرُه، والردُّ على من نسب إلى الله تعالى الوالدَ والولدَ.
- بيان فضل سورة الإخلاصِ، وسعة عظيم فضل الله تعالى على عباده، بأن جعل قراءة سورةٍ قصيرةٍ تَعْدِلُ ثُلُثَ القرآن الكريم.
نسأل الله جلَّ وعلا أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، والفوز في الدارين، والثبات على الحق والخير حتى نلقاه.