روى الإمام البخاري -رحمه الله- في صحيحه من حديث سمرة بن جندب -رضي الله عنه-؛ أن النبي -ﷺ- قال في حديث الرؤيا الطويل: «فأتينا على رجُل مستلقٍ لِقفاهُ، وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد، وإذا هو يأتي أحد شِقَّي وجهه فيشرشر شدْقه إلى قفاه، ومنْخَراه إلى قفاهُ، وعيناهُ إلى قفاهُ» قال: «ثم يتحوَّل إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول، فما يَفرُغ من ذلك الجانب حتى يصحَّ الأول كما كان، ثم يعود فيفعل به مثل ما فعل به المرة الأولى» فسأل عنه النبيُّ صلى الله عليه وسلم فقيل له:«إنه الرجُل يَغدو مِن بيته فيكذبُ الكذبة تبلُغ الآفاق».
قال الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله-: “الكذب لا يَصلُح منه جدٌّ ولا هزل، وقال أيضًا: يُطبع المسلمُ على الخصال كلها إلا الخيانة والكذب”.
وذكر الإمام ابن القيم -رحمه الله- في مفتاح دار السعادة (2/ 73) : “الكذب متضمِّن لفساد نظام العالم، ولا يمكن قيام العالم عليه لا في معاشهم ولا في معادهم، بل هو متضمِّن لفساد المعاش والمعاد، ومفاسدُ الكذب اللازمة له معلومة عند خاصة الناس وعامتهم، كيف وهو منشأ كل شرٍّ، وفسادُ الأعضاء لسانٌ كذوب، وكم أزيلت بالكذب مِن دول وممالك، وخربتْ به مِن بلاد، واستُلبت به مِن نعم، وتقطعتْ به مِن معايش، وفسدت به مصالح، وغرست به عداوات، وقطعت به مودَّات، وافتقر به غني، وذلَّ به عزيز، وهتكت به مصونة، ورميت به محصنة، وخلت به دُور وقصور، وعمرت به قبور، وأزيل به أنس، واستجلبت به وحشة، وأفسد به بين الابن وأبيه، وغاض بين الأخ وأخيه، وأحال الصديق عدوًّا مبينًا، وردَّ الغني العزيز مسكينًا، وهل ملئَت الجحيم إلا بأهل الكذب الكاذبين على الله، وعلى رسوله، وعلى دينه، وعلى أوليائه، المكذِّبين بالحق حمية وعصبية جاهلية”.
فما اكثر الكذبة والدجاجلة -لا كثرهم الله- الذين يبلغ كذبهم الافاق!!!
صح عن النبي -ﷺ- أنه قال: «أَنا زَعِيم ببَيتٍ في ربَضِ الجنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ المِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَببيتٍ في وَسَطِ الجنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الكَذِبَ وإِن كَانَ مازِحًا، وَببيتٍ في أعلَى الجَنَّةِ لِمَن حَسُنَ خُلُقُهُ»؛ رواه أبو داود، وحسنه الألباني.
نسال الله السلامة والعافية، ونَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْكَذِبِ والمِرَاءَ وَالنِّفَاقِ وَسُوءِ الْأَخْلَاقِ. آمين